في العالم الإسلامي ستة وخمسون جيشا، تستورد أكبر كم من السلاح الذي تصدره الدول صانعة السلاح، على ألا توجه قطعة واحدة من هذا السلاح إلى الأعداء الحقيقيين الذين يغتصبون الأرض ويلوثون العرض ويدنسون المقدسات، فهذه الجيوش قد قتلت وتقتل من شعوبها أضعاف أضعاف أضعاف ما قتلت من الأعداء الحقيقيين!
وغير الضحايا الذين يسقطون مضرجين بدمائهم والمساجين والمعتقلين الذين يئنون في القبضة الوحشية لهذه الجيوش، هناك الفقر والعوز الذي جعل العالم الذي يمتلك أضخم الثروات المادية تتراوح نسبة البطالة بين أبنائه ما بين 35% و50%، ونسبة السكان تحت خط الفقر ما بين 50% و70%!
فثروات العالم الإسلامي تدير عجلات الصناعة الغربية، بينما البطالة تقتل الملكات والطاقات لدى الملايين في كل بلاد عالم الإسلام، التي تغلق فيها المصانع وتبنى فيها السجون!
إن الإله الواحد الأحد الذي نعبده قد كفل للإنسان -مطلق الإنسان- منذ بدء الخليقة حقوق الغذاء والشراب والملبس والمسكن {إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} [طه: 119].
وفلسفة الدين الذي نتدين به تؤكد أن الأمن على هذه الحقوق المادية هو الشرط لقيام الدين، فصلاح الدنيا بالأمن على هذه الحقوق المادية، هو الشرط لتمكن الإنسان من صلاح الدين بالمعرفة والعبادة، وبعبارة حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (450- 505هـ، 1085-1111م) فإن صلاح الدين لا يحصل إلا بانتظام الدنيا، فنظام الدين بالمعرفة والعبادة لا يتوصل إليها إلا بصحة البدن وبقاء الحياة وسلامة قدر الحاجات من الكسوة والمسكن والأقوات والأمن.
ثم يستطرد حجة الإسلام فيقول: "فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضرورية، وإلا فمن كان جميع أوقاته مستغرقا بحراسة نفسه من سيوف الظلمة وطلب قوته من وجوه الغلبة، متى يتفرغ للعلم والعمل، وهما وسليتاه إلى سعادة الآخرة؟!".
وإذا كان الله قد جعل عزة الإنسان من عزته وعزة رسوله صلى الله عليه وسلم {ولله العزة ولرسوله وللموؤمنين} [المنافقون: 8] وإذا كان سبحانه قد جعل الأرض -كل الأرض- للأنام، وأنعم على أمة الإسلام بالثروات المادية والمعنوية التي تحقق لها سعادة الدنيا والآخرة، وإذا كان سبحانه لا يرضى لعبادة الكفر، فإنه لا يرضى لهم الفقر الذي هو قرين الكفر، فإن تراث الإسلام قد جعل للمواطنة مضمونا اجتماعيا: "إن الغني في الغربة وطن، وإن الفقر في الوطن غربة، وما جاع فقير إلا بما متع به غني، وإن الله سائلهم عن ذلك".
ولتحقيق هذا المضمون الاجتماعي، قال الإمام ابن حزم الأندلسي (384-456هـ، 994-1064م): "وفرض على الأغنياء، من أهل كل بلد، أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة، ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل من ميتة أو لحم خنزير وهو يجد طعاما فيه فضل عن صاحبه، وله أن يقاتل عن ذلك، فإن قُتل فعلى قاتله الدية، وإن قُتل المانع فإلى لعنة الله، لأنه مانع حقا، وهو طائفة باغية، ومانع الحق باغ على أخيه الذي له الحق".
أضف تعليقك