روى لي كثير من شهود العصر والشخصيات السياسية التاريخية، التي التقيت بها خلال العقود الماضية، كثيرا من القصص عن مهابة القضاء المصري ورونقه ومكانة القضاة وبلاغتهم وأحكامهم التي مازالت تدرس حتى الآن، وذلك قبل أن يقوم العسكر بانقلابهم عام 1952، ويصادروا كل شيء كانت تتميز به مصر، التي كانت مهد العلم والحضارة في المنطقة كلها، ورغم نجاح عبد الناصر في اختراق القضاء المصري عبر التنظيم الطليعي الذي لا يزال قائما حتى الآن، ولكن بمسميات أخرى، من خلال صناعة تنظيم داخل القضاء ينفذ أوامر الحاكم، دون أي اعتبار للقانون أو العدالة، بقيت هناك جماعات من القضاة تدافع عن القضاء واستقلاله حتى أن عبد الناصر لم يجد بدا من أن يقوم بعمل مذبحة للقضاة عام 1969، سرعان ما تبين أنها لم تكن سوى بروفة صغيرة لمن جاء بعده لاسيما هذا الحاكم الجائر الجاهل الذي يحكم مصر الآن، والذي لم يكتف بالإطاحة بالمئات من القضاة الشرفاء بل وتدمير أي مفهوم للعدالة أو القضاء، حتى أن التندر على القضاء المصري وصل إلى مقر الكونغرس الأميركي، وبعدما كان القاضي المصري ينظر له بكل هيبة واحترام ليس على مستوي مصر ولكن على مستوى العالم العربي كله، حيث لعب القضاة المصريون دورا مهما في بناء الأنظمة القضائية في كثير من الدول العربية حتى أن القاضي علي منصور وهو مصري كان يرأس المحكمة الدستورية العليا في ليبيا أصدر أحكاما قضائية ضد قرارات ملكية خلال سنوات حكم الملك السنوسي الذي امتثل لها ونفذها لأنه كان يحترم القضاء والقضاة، أما الآن فيكفيك أن تدخل أي محكمة في مصر لتطلع على الوضع المزري للمحاكم والذي يقودك بطبيعة الحال إلى الوضع الأكثر سوءا للقضاة. أما الأحكام التي تصدر من دوائر خاضعة للنظام فهي أحكام تقوم على التدمير والإذلال والإهانة للشعب المصري وكل فئاته، لذلك فإن أي إعادة بناء لمصر يجب أن يكون القضاء علي رأسها، وأن يتم إعادة بناء المنظومة القضائية بكل رجالها وتشريعاتها.
أما سبب مقالتي فهي التهمة التي وجهت من قبل النظام الانقلابي في مصر للصحفي طارق حافظ الذي يعمل في صحيفة «الفجر»، بسبب مقال نشره تحدث فيه عن التعيينات الأخيرة في النيابة العامة التي شملت أبناء وأقارب القضاة والقيادات الأمنية فخضع للتحقيق 15 ساعة ثم خرج بكفالة 5000 ووجهت له كما جاء في صفحته على فيس بوك تهمة «خدش الرونق العام للمجلس الأعلى للقضاء بقصد النيل من اعتباره وتكدير السلم العام..»، إلى آخر ديباجة الاتهامات التي لا توجد سوى في الدول المستبدة والأنظمة القمعية التي يتحول القضاء والقضاة فيها إلى أداة في أيدي الجلادين، التهمة أثارت موجة كبيرة من السخرية من القضاء والقضاة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي كشفت حجم الكراهية وعدم الاحترام الذي أصبح يحظى به القضاة في مصر من قبل الشعب بسبب الفاسدين منهم الذين أصبحوا يديرون المشهد.. فمتى يستعيد القضاء المصري رونقه وبريقه؟!!
أضف تعليقك