وقال «الصعايدة» في الأمثال: «جاءوا يساعدوه في قبر أبيه فأخذ الفأس وغادر». وهو مثل نذكره بتصرف، فالقوم لا يقولون «الفأس»، الذي ينطق في بعض الأوساط بدون همزة، سواء على الألف أو الأرض، فهي «فاس»، لكن «الصعايدة الأقحاح» يطلقون «طورية» على «الفأس»، وقد كان الفتى يحفر قبر أبيه، فجاء القوم ليساعدونه في عملية الحفر فحمل فأسه على كتفه وغادر وتركهم يقومون بالمهمة!
العبرة في الأمثال بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا المثل يتردد عندما يساعد الناس أحداً ليس مشغولاً بمساعدة نفسه، وقد تذكرته عندما ظهر ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الإعلامي داود الشريان، على قناة «العربية» ليعلن أن الإعلام «الإخوانجي» يحاول تخريب العلاقة بين المملكة العربية السعودية ومصر، عندئذ هتفت: «تكبير»؛ فلم يعد عبد الفتاح السيسي وحده من يلقي بتبعية كل شيء على الإخوان، فقد جاء ولي ولي العهد السعودي، ليسير على خطاه. وفي مصر لو عثرت دابة في أسوان لقال الإعلام السيساوي إن الإخوان هم من يقفوا وراء ذلك، وقد انتهى السيـسي إلى صـك مصـطلح جديد هو «أهل الشر»، الذين يتحدث عنهم فتظن أنه يخاطب القوى الغـيبية ويتحـدث عن سـكان الفضـاء، في حـين أنه يقـصد الإخـوان!
لا أعرف من الإعلام «الإخوانجي» سوى قناة «وطن» الوريث الشرعي لقناة «مصر 25»، ثم «مصر الآن»، لكن الإعلام السيساوي، الذي من الواضح أنه صار مرجعاً معتمدا لدى ولي ولي العهد، يطلق على كل القنوات التي تنطلق من تركيا أنها قنوات إخوانية، وقد قيل لجحا يوماً: «عد غنمك يا جحا». فقال متكاسلاً: «واحدة نانمة وواحدة قائمة»، وعندما تسمع من الأذرع الإعلامية للسيسي عن الإعلام الإخواني في تركيا ستظن، أن هناك ترسانة من المحطات التلفزيونية وليس مجرد ثلاث قنوات لا أكثر ولا أقل، هي «وطن» و«مكملين» و«الشرق»، بعد إغلاق «الثورة» أو «رابعة» سابقا لأسباب مرتبطة بضيق ذات يد من أطلقوها. وليس للإخوان في هذه المحطات الثلاث سوى المحطة الأولى، فهل أذيع سراً إذا قلت إن الإخوان ناصبوا «الشرق» العداء في مرحلة «النشأة والتكوين» عندما كان يملكها «باسم خفاجي»؟!
وللعلم، فإن جحا لم يكن يتحدث بالنحوي، فلم يقل «واحدة قائمة وواحدة نائمة»، وإنما قال «واحدة قايمة وواحدة نايمة»!
«عش المجانين»
ما علينا، فإعلام المولاة في القاهرة، الذي يدار من قبل السيسي، يتورط أحيانا في إطلاق صفة الإخوانية على «التلفزيون العربي»، الذي يبث من لندن، رغم بُعد القائمين على القناة بشكل واضح عن الإخوان!
لكن السلطة في مصر الآن تدار من «عش المجانين»، وعندما تتذكر أداء الفنان محمد أبو الحسن في دور «شريف»، مع الفنان حسن عابدين في دور «جاد الحق متولي عويس»، و»شفيق يا راجل» في مسرحية «عش المجانين» فسوف تقف من تلقاء نفسك على أداء السلطة المصرية في عهد العسكر، ولكي يوحوا بأن الأشباح تحاربهم فإنهم يتعاملون مع «العربي» على أنها قناة إخوانية، باركها حسن البنا وبشر بها، وفي العصر الناصري التليد، سجنت زميلتنا الراحلة «نبيلة الأسيوطي» بتهمة الانتماء للاخوان، مع أنها مسيحية، ماتت بعد واقعة اعتقالها بربع قرن وهي مسيحية، والشاهد على هذا، أنها كانت ضمن ضحايا وجبات الفسيخ المسممة في شم النسيم، الذي لم يحتفل به المسلمون في هذا العام، لأنه جاء في شهر رمضان!
فلا يعقل لسلطة ترجع فشلها لأهل الشر، أن يكون كل أغنام القوم «واحدة نايمة وواحدة قايمة»، فلا بد من تصوير الإعلام الإخواني على أنه بعدد «نجوم السماء»، ولهذا كان طبيعيا أن يتم التأثر بهذه الدعاية، إلى حد أن يبلغ التصور مداه بأن هذه القنوات كثيرة وأنها قوية التأثير لحد بذلها محاولات لتخريب العلاقات المصرية السعودية، لكن الله سلم!
«يا ميت ندامة»
عندما سأل «داوود الشريان»، الأمير «محمد بن سلمان» ولي ولي العهد السعودي، عن الإعلام المصري الذي يهاجم السعودية، فرد من فوره: «تقصد الإعلام الإخوانجي»، مؤكداً أن الإعلام الذي يهاجم السعودية هو ذاته الإعلام، الذي يهاجم السيسي، وكان اللائق بالإعلام الاخوانجي يومها أن يبث أغنية «يا ميت ندامة على اللي حب ولا طالشي»، بصوت المغني محمد العزبي، صاحب أغنية «بهية.. وعيون بهية»!
إعلام الثورة، وهي التسمية الأشمل، للقنوات الثلاث اليتامى، التي تبث من اسطنبول، ليست في عداء البتة مع أهل الحكم في السعودية، ولا أكون متجاوزاً إذا قلت إنها استبشرت خيراً من تولي الأمير سلمان موقع العاهل السعودي، وبتصور مبالغ فيه، وهي لم تهاجم السعودية، ليس في عهد سلمان فقط، بل وفي عهد الملك عبد الله أيضاً، رغم التسليم بدوره في المؤامرة على الثورة المصرية، وجانب من عدم الهجوم مرده يرجع إلى فيم وثقافة الضيافة، فلا يريد الضيف أن يسبب حرجاً لمن يستضيفه، وهناك من هو أبعد من هذا، فعندما هاجم وزير الداخلية السعودي في بداية التسعينات الإخوان، وأعلن عن ندمه لاستضافتهم في السابق في بلاده لأنهم أثروا على المذهب الوهابي، لم يرد عليه الإخوان!
الدكتور محمد مرسي نفسه، وفي أول مؤتمر في حملته الانتخابية، وكان في ميدان النهضة، بمحافظة الجيزة، حرص قبل المؤتمر على زيارة السفير السعودي في مقر السفارة القريب من مكان انعقاد المؤتمر، وهو تصرف انفرد به عن منافسيه، وكانت الزيارة أقرب للاعتذار عن محاولات المتظاهرين اقتحام السفارة بعد واقعة جلد المحامي المصري في السعودية، ولأني لست «إخوانجيا»ً فقد كتبت مقالاً عنفت فيه الدكتور مرسي على هذه الزيارة!
وظل الرئيس محمد مرسي في الفترة التي قضاها في الرئاسة يسيطر عليه وهم مثلث أهل السنة الذي يتكون من مصر وتركيا والسعودية، ورغم الحصار الإقليمي عليه فقد بالغ في البعد عن إيران، رغم العروض الإيرانية التي كانت كفيلة بإنعاش الاقتصاد المصري، وليس صحيحاً أنه خضع للسلفيين، فالبعد كان يجد هوى عنده!
الحب من طرف واحد
وهذا هو عيب الحب من طرف واحد، لأن ضحيته يقضي عمره كله يستمع لأغنية محمد العزبي: «يا ميت ندامة على اللي حب ولا طالشي»!
وبعيداً عن هذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل صحيح أن الإعلام الإخوانجي هو من هاجم المملكة السعودية، وأنه يهاجمها كما يهاجم السيسي؟!
إن هذا يدفعنا ابتداء للتسليم بأن أحمد موسى، وإبراهيم عيسى، وجابر القرموطي، وتوفيق عكاشة، ويوسف الحسيني، وأماني الخياط، وخالد صلاح، من الإخوانجية وقد بايعوا المرشد العام على المصحف والمسدس، وفي المنشط والمكره!
وأن نسلم أن صحيفة «الوطن»، و«المصري اليوم»، وقنوات «القاهرة والناس» و«أون تي في» و«العاصمة الجديدة» و«الفراعين» هي وسائل إعلام إخوانجية تطلقها الجماعة من القاهرة!
«الوطن»، الجريدة التي تصدر من مصر، وليست القناة التي تنطلق من تركيا هي من اتهمت السعودية بالبنط العريض بأنها المسؤولة عن الإرهاب.
و«المصري اليوم» هي من نشرت كاريكاتيرا، لرجل بالملابس السعودية، قال موقع «الرياض بوست» وليست قناة «مكملين» أنه أقرب إلى الملك سلمان، ويقف في مواجهة «خامنئي» وكلاهما يفتح عباءته مع كتابة سؤال للقراء يقول: «عزيزي القارئ في رأيك من فيهما سيضع المنطقة تحت عباءته».
وحسب الموقع «الرياض» فإن من رسم الكاريكاتير هو «الناصري» عمرو سليم، وليس محمد ناصر. وقال الموقع السعودي: «إن المصري اليوم موالية للنظام»، ولم يقل إنها تابعة للاخوانجية!
وموقع «الرياض بوست» هو من وصف قناة «القاهرة والناس» بأن من يمتلكها هو رجل الأعمال والإعلانات طارق نور المؤيد للسيسي والذي كان يوصف بأنه وزير دعاية الحزب الوطني في عهد مبارك، وذلك في معرض إشارة الموقع لضيف «أماني الخياط» الذي اتهم السعودية بضرب السجون ومعسكرات الأمن والطيران المدني في اليمن لنشر الفوضى!
والموقع السعودي سالف الذكر هو من نقل على لسان خليجيين أن الهجوم يمثل وجهة نظر رسمية باعتبار الإعلام كله رسميا منذ 3 يوليو/تموز 2013!
و»جابر القرموطي»، وليس الإخوانجي «معتز مطر» هو من قال من باب المن الذي يتبعه أذى على قناة «العاصمة» وليس عبر قناة «الشرق الإخوانجية»: «كنا نرسل لهم كسوة الكعبة»!
ولتنشيط الذاكرة، فإن المملكة العربية السعودية سبق لها أن احتجت رسمياً على هجوم الإعلام السيساوي وليس الإخوانجي على المملكة، وقدم سفيرها في القاهرة احتجاجاً رسمياً لعبد الفتاح السيسي، وهو ما قاله في برنامج «ياهلا» على «روتانا خليجية»، وغادر القاهرة غاضباً!
هناك مثل مصري يقول إن «السب لا يلصق في جسم البني أدم» ومن الواضح أن ما يشغل ولي ولي العهد هو «تيران وصنافير» لتعزيز شرعيته، وبعد ذلك كل شيء يهون، وفي ما يختص بالسب فيتم الإيعاز بأن الاعلام الإخوانجي هو من يقف وراءه!
وقد قالت العرب: «ربنا يهني سعيد بسعيدة»، كما قالت السيدة «أم الخلول كايدهم»: بكرة نقعد جنب الحيطة ونسمع الزيطة» وقالت: «يا داخل بين البصلة وقشرتها لن ينالك إلا رائحتها»!
و«الحيطة» هي الحائط أو الجدار!
أضف تعليقك