• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

ليس صحيحًا تمامًا أن نظام عبد الفتاح السيسي لديه مشكلة مع الإسلام، هو يريد الإسلام، لكن أي إسلام؟!

إسلام البحيري، أم إسلام الأزهر وأحمد الطيب، والعلماء الحقيقيين؟ تلك هي المشكلة التي يظهر من الوقائع والأحداث أن السيسي حسمها، واختار إسلام البحيري، ذلك الإسلام التجاري الذي يصلح للتصدير للغرب، ويحقق عوائد سياسية ضخمة.

تماماً مثل هوجة "أدب التصدير" التي اكتسحت الوسط الأدبي مع انتعاش سوق الجوائز والمنح والترجمات الغربية قبل عقود، فاندفع بعض المبدعين يكتبون على "مازورة المتلقي الغربي" الذي يريد أن يقرأ عن الشرق كل ما هو شاذ وغريب وغرائبي، ويرسخ لديه الصورة النمطية البائسة عن مجتمعات "ألف ليلة وليلة" وحكايات الختان وحواديت التخلف وقهر النساء وافتراس الأقليات.

بالأحرى كان هؤلاء يكتبون للناقد والمترجم الأوروبي، الذي يضطلع هنا بدور تاجر الرقيق في أيام الاستعمار الذي يجلب الرؤوس من مجتمعات البؤس في الشرق وأميركا الجنوبية، مع استبدال البشر بالكتابات عن البشر، بالنظر إلى أن حقبة الاستعمار المادي المباشر كانت قد ولت، وسلمت الراية لحقبة الاستعمار الثقافي.

الآن، يشددون الحصار على الأزهر الشريف، ينقضون عليه بالتشريعات، عن طريق مشروع قرار يحول الإمام الأكبر إلى موظف صغير يتبع إدارة التوجيه المعنوي، وينزعون عن جامعة الأزهر دورها التعليمي والتثقيفي، والمثير للسخرية أن مقدم القرار هو ذلك النائب الذي خاطب سمير جعجع يوماً، باعتباره "السيد والملهم والمعلم للنضال الوطني" وهو البطل الأول لمجزرة صبرا وشاتيلا ضد المقاومة الفلسطينية في لبنان، والمتعاون الأبرز مع قوات الاحتلال الصهيوني.


"لم تكن المسألة فشلاً اقتصادياً، ولا استحواذاً سياسياً، ولا تغولاً على السلطة القضائية، بل كانت قبل ذلك ذعراً من أن تنجح تجربة ديمقراطية في مصر، مصبوغة بألوان الإسلام السياسي"

ولو فتحت قوساً وأضفت أن هذا الإطراء على قائد القوات اللبنانية، الذي رعته إسرائيل ودعمته، كان في فترة التحضير للانقلاب على الرئيس محمد مرسي، فإنك تكون بصدد حقيقة بازغة تقول إن أحد أهداف الانقلاب، منذ البواكير، كان حلق لحية مصر، بحجة إنقاذها من "التأخون" و"التأسلم" وتأهيلها دولة مدنية، بالمفهوم الزائف للمدنية، كي ترضى عنها إسرائيل، والقوى التي تخشى عليها من وصول مرشح ينتمي إلى الإسلام السياسي للحكم.

نعم، وبكل الوضوح، لم تكن المسألة فشلاً اقتصادياً، ولا استحواذاً سياسياً، ولا تغولاً على السلطة القضائية، بل كانت قبل ذلك ذعراً من أن تنجح تجربة ديمقراطية في مصر مصبوغة بألوان الإسلام السياسي، وفي ذلك قلت صبيحة الثامن عشر من يوليو/ تموز 2013، بعد الانقلاب بأيام، إن "السؤال المطروح الآن بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب: هل سيكون مسموحا بمعارضة النظام الجديد/ القديم الصاعد إلى سدة الحكم مشيا فوق أشلاء الديمقراطية؟ 

وشرحت :إن الأمر بعد انقشاع بعض الغبار عن سماء السياسة المصرية يشير بوضوح إلى أن كل ما كان يشتم محمد مرسى ويهان بسببه يحدث الآن من السلطة الجديدة وسط تصفيق حاد من المعارضة (أو من كانت المعارضة) وتبرير لا يتوقف لكل أعمال القتل والتنكيل والاعتقال التى تدور بلا هوادة.

ومن اللافت أن من كانت معارضة، تأخذ على عاتقها الآن مهمة الدفاع عن كل ممارسات السلطة الجديدة، وكأنهم انسخطوا جميعا وتحولوا إلى حالة "أحمد سبع الليل" جندى الأمن المركزى الذى كان يحارب أعداء الوطن فى فيلم "البرىء" للراحل عاطف الطيب... ويدهشك أن بعضا من زملاء ورفاق عاطف الطيب أنفسهم يتقمصون شخصية "سبع الليل" حاليا فى مواجهة الأعداء فى رابعة ونهضة مصر ورمسيس.

يحزنك أكثر أن أحدا من أولئك الذين تظاهروا أمام منزل وزير الداخلية بملابسهم الداخلية مطالبين بإقالته قبل إزاحة مرسى، لم نسمع له صوتا وهو يطالع تشكيلة حكومة الانقلاب وفيها اسم وزير الداخلية كما هو لم يتغير، على الرغم من أن إقالته ومحاكمته كانتا شرطا لا تحيد عنه جبهة الإنقاذ كلما دعاها أحد للمشاركة فى الانتخابات.

ولعلك تذكر جيدا أن أحد مطالب المعارضة التى لم تعد معارضة كان تغيير حكومة هشام قنديل الفاشلة المستبدة القاتلة، غير أنهم احتفظوا بتسعة أسماء فى تشكيلتهم الجديدة من وزراء عملوا مع هشام قنديل، وترتفع علامات الاستفهام والتعجب والأسى عاليا حين تجد أن من بين المستمرين وزير انقطاع الكهرباء ووزير اختفاء الوقود، ناهيك عما تضمه التشكيلة من وزراء فشلوا مع عصام شرف وأحمد شفيق.

إن الصورة باتت أوضح الآن، ولو وضعت كل ما سبق من تفاصيل بجوار ما أسموه خطة الطريق، والتى هى تتطابق حرفيا مع ما طرحه الرئيس قبل أسره وإخفائه، ستكتشف أن كل هذا الثمن الفادح من الدماء والحريات، بالإضافة إلى إشعال النار فى حصاد ديمقراطية ثورة يناير الوليدة، فضلا عن التكلفة الباهظة لرعاية الغضب الباهر وما تم إنفاقه على القصة والسيناريو والإخراج والديكور، ستكتشف أنه كان فقط من أجل حلق لحية النظام السياسى... نعيما يا مصر!

أضف تعليقك