تتوالى جرائم سلطات الانقلاب العسكري، فمع تكرار حالات التصفية الجسدية عن طريق الإهمال الطبي، فلا يبدو أنها تود اتخاذ أي موقف جاد لمحاولة تحسين أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز غير اللائقة بتاتًا بآدمية المحتجزين داخلها، بل يُمعن العسكر في قتل المعارضين والمعتقلين باحتجازهم في ظروف غير إنسانية ومنع الدواء عن المرضى منهم.
رغم أن بعضهم يصاب بالأمراض نتيجة تلوث أماكن الاحتجاز واكتظاظ عدد المعتقلين داخلها مع عدم تلقي المرضى رعاية صحية مناسبة ومنع دخول الأدوية لهم، ما ينقل العدوى بسرعة بين المعتقلين، هذا بالإضافة إلى تزايد عنف قوات أمن الانقلاب، المستخدم بشكل ممنهج بحق المعارضين للنظام ومعتقلي الرأي، ليقع المئات ضحايا تلك الجرائم التي لا يحاسب مرتكبوها.
الشباب محاصرون بالأمراض
كانت آخر قصص الشباب الذي هاجمهم المرض في سجون الانقلاب، قصة الطالب كريم مدحت "19 عاما"، وهو الذي تم اعتقاله فى قضايا ملفقه منذ أكثر من 26 شهر، وكان عمره دون 17 عامًا وقتها، واتُهم في 3 قضايا (2 عسكرية، و 1 جنايات)، بأحكام وصلت لخمس سنوات.
ويقبع كريم مدحت حاليًا في العناية المركزة في مستشفى السجن، بكفاءة لا تلبي متطلبات حالته السيئة، لا سيما أنه أصيب بنزيف دماغي اتضح أنه ناتج عن ورم في المخ أدى إلى النزيف، وأفقد كريم التركيز والوعي بما يدور حوله.
وطالب أهالي كريم، الطالب بالفرقة الأولى بآداب الإسكندرية؛ بإجراء فحوصات لكريم، منها "بزل نخاع"؛ لأن حالته بدأت تتأخر جدًا، ويشكو والده من أن إدارة سجن برج العرب ترفض إخراجه للعلاج بالمستشفى الميري، حيث إمكانية توفر علاجه.
وأطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، حملة للمطالبة بمعالجة كريم، وانتشر هاشتاج "#خرجوا_كريم_يتعالج" بين النشطاء، خلال الساعات الماضية، بعدما ازدادت حالته سوءًا.
ولم تكن حالة كريم هي جريمة الإهمال الطبي الأولى التي أثارت الرأي العام، فقد انتشرت في الآونة الأخيرة عدة قصص لفضح جرائم العسكر منها قصة أحمد الخطيب.
واعتقل الخطيب "21 عام" عام 2014 وتم الحكم عليه في قضية عسكرية بالسجن عشرة أعوام، ثم ساءت حالته الصحية بشكل كبير داخل السجن وهزل جسده حتى هبط وزنه دون الخمسين كيلوجرامًا، ومع ذلك لم تقبل السلطات تحويله إلى مستشفى السجن لإجراء تحاليل وفحوص إلا مؤخرًا.
ورغم أن معاناة الخطيب بدأت قبل نحو سبعة أشهر، وظهرت عليه لاحقًا أعراض تشير إلى احتمال إصابته بمرض اللوكيميا "سرطان الدم"؛ فإن هذا لم يكن كافيًا لإقناع سجّانيه بالسماح له بإجراء الفحوص المطلوبة إلا بعد حملات نفذها نشطاء وحقوقيون على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومؤخرًا تم إجراء الفحوص التي أشارت إلى إصابته بمرض نادر هو "طفيل الليشمانيا الحشوية"، الذي كان من مضاعفاته تضخم الكبد والطحال وارتفاع الحرارة وفقدان الشهية ونقص الوزن، وفق ما ذكرت شقيقته فاطمة.
وطالبت 183 منظمة حقوقية وشخصية عامة بالإفراج الصحي عن الشاب أحمد الخطيب، محذرين من تدهور صحته بشكل خطير بعد إصابته بمرض الليشمانيا، وقالت إن حالة "الخطيب" ساءت بشكل ينذر بالخطر، مؤكدة أنه إذا لم يتم علاجه فإن الإصابات الداخلية تنذر بالوفاة.
وتبقى قصة الشاب مهند إيهاب، هي أيقونة جرائم العسكر ضد الشباب المصري، فقد شارك مهند في ثورة 25 يناير عام 2011، وعمره قرابة 15 عاما، وبعد انقلاب 3 يوليو 2013، ألقي القبض عليه بتهمة تصوير المظاهرات، وتعرض في السجن للإصابة بسرطان الدم، وإهمال العلاج.
وقد تباطأت إدارة السجن في إطلاق سراحه أو السماح له بالعلاج، ثم أُطلق سراحه بعد أن تمكن المرض منه، وخاض رحلة علاج صعبة في الولايات المتحدة، إذ تبرع لتجربة علاجات جديدة، بعد ثبات عجز العلاجات القائمة عن التعامل مع حالته، قبل أن يتوفاه الله.
وكان مهند "(20 عاما"، قد اعتقل للمرة الأولى، بعد مذبحة الفض الدموي لاعتصام ميدان رابعة العدوية في أغسطس 2013، لكنه خرج بعد أيام عدة بسبب حداثة سنه.
وفي عام 2014 قبض عليه للمرة الثانية، واتهمته النيابة اتهامات ملفقة بقتل 15 جنديًا، وخطف مدرعتين، وظل في سجن الأحداث لمدة 3 أشهر خرج بعدها على ذمة القضية، ليعتقل للمرة الثالثة في يناير 2015، في سجن برج العرب بالإسكندرية، حيث أصيب هناك بمرض سرطان الدم.
وقالت أسرة مهند إن تعنت إدارة السجن في علاجه قد أدى إلى تدهور حالته بشكل كبير، قبل الإفراج عنه في أغسطس 2015، ليسافر بعدها إلى نيويورك لتلقي العلاج الكيماوي، لكن الأطباء أخبروه بأن الحالة متأخرة، وأن جلسات العلاج لن تؤدي إلى نتيجة.
وظلت رحلة علاج مهند محط اهتمام واسع بصفحات مواقع التواصل، التي أبرزت صموده، ومتابعته للأحداث بمصر.
وتحول حسابه على "فيسبوك"، إلى ما يشبه اليوميات، التي يمر بها في معاناته مع المرض، وكيف يواجهه، وما هي مشاعره؟
إلا أنه توقف عن ذلك قبل قرابة شهر، على إثر تدهور حالته، حتى توفي في أكتوبر 2016، بعد أقل من أسبوع من إتمامه 20 عاما.
جرائم العسكر عرض مستمر
طالبت منظمة هيومن رايتس مونيتور بفتح تحقيق دولي في ظروف الاحتجاز في سجون الانقلاب، بعدما دق جرس الإنذار في تزايد أعداد القتلى داخل السجون، مع وقوع حياة نحو 5000 معتقل مريض في الخطر بعد تهدد حياتهم وتردي حالتهم الصحية.
كما طالبت المنظمة بتوفير خدمات الرعاية الطبية والأدوية الكافية للمرضى، وتمكينهم من الحصول على أعلى مستوى ممكن من الرعاية الصحية، وضمان توفير أفضل الظروف الممكنة لتحقيق ذلك، مع توفير أماكن احتجاز آدمية لائقة بالمعتقلين.
وهو مالا يقابله تحرك من قبل مصلحة السجون، فإما أن تترك المعتقلين داخل الزنازين حتى الموت وإما أن تنقلهم إلى مستشفيات السجون غير المجهزة طبيًا بشكل كامل، وهي مع ذلك ترفض دخول أدوية إليهم، حسب ما يرويه كثيرون من أهالي المعتقلين.
ولا توجد إحصائية رسمية بعدد المتوفين داخل سجون الانقلاب العسكري بسبب تدهور حالتهم الصحية نتيجة الإهمال الطبي أو رفض مصلحة السجون نقلهم لمستشفيات مجهزة.
وحسب مراقبين فإنه لا يمتلك أرقامًا دقيقة لأعداد المتوفين لأسباب صحية إلا النيابة العامة ووزارة داخلية الانقلاب، وهو لايودون الكشف عن الأرقام الحقيقة كي لا يكشفون حجم جرائمهم، التي يرتكبونها ضد المعتقلين.
وتتوالى انتقادات الحقوقيين لحالات الإهمال الطبي في السجون، مؤكدين أنها أصبحت متعمدة ووسيلة للتنكيل بالمعارضيين، ذلك بالإضافة إلى أن النيابة في كافة الحالات ترفض السماح بالإطلاع على ملف القضايا لتعرض المتهمين للاختفاء والتعذيب.
ويوضح حقوقيون أن من حصلوا على الإفراج الصحي كان بعد ضغط وتدهور الحالة الصحية للنهاية واقترابهم من الموت، موضحين أن الأمر يبدأ بالأحوال المعيشية السيئة داخل السجون والتنكيل والوضع في التأديب والانفرادي ونظرًا للتعنت في التريض وعدم التعرض لأشعة الشمس يصاب المحبوسين بالأمراض المزمنة وقد يصل الأمر لإصابتهم بالسرطان.
وفي يناير الماضي، أكد أسامة ناصف، المحامي بالتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، أن هناك ٣١٢ حالة وفاة نتيجة الإهمال الطبي بالسجون، وأضاف أن هناك ٣٤ حق فيما يخص المحبوس طبيًا في لائحة السجون، لكن في الحقيقة لا حقوق لهم.
وأشار إلي أن خطوات تقديم الشكاوي والطلبات مهمة للغاية للتحرك من خلالها للضغط، موضحا أن هناك من تعرضو للتعذيب حتي إصيبوا بكسور في أجسادهم ولم يعالجو.
وأكد أن هناك حالة في قضية النائب العام المساعد نتيجة تعرضه للتعذيب فقد الاتزان العقلي، موضحًا أن الانتهاكات قي تلك القضية فاقت التخيل، بحد تعبيره، وتعرضوا جميعًا للتعذيب يوميًا.
أضف تعليقك