ما عدنا قادرين على التحقق من حجم كارثة تسمم تلاميذ المدارس. فجريدة الأهرام تتحدث عن عشرات الضحايا،والشروق أشارت إلى المئات. أما المصرى اليوم فقد أشارت فى عدد الخميس الماضى (٢٣/٣) إلى ٢٢٦٠ إصابة فى محافظة سوهاج وحدها، وأقل من ذلك فى المنوفية، وبعدهما جاءت أسوان وبنى سويف والسويس والقاهرة.
إلا أن القدر المتفق عليه يتمثل فى أن التسمم صار ظاهرة تفشت بأعداد متباينة فى العديد من المحافظات المصرية. وحين يحدث ذلك فإنه يثير سيلا من الأسئلة ليس فقط بخصوص فساد الموردين، وإنما أيضا عن دور مسئولى المدارس والمناطق التعليمية، ودور أجهزة الرقابة سواء التى تستهدف حماية المستهلك، أو الرقابة الشعبية المتمثلة فى مجالس المحافظات والمدن والقرى. ذلك أن استشراء حالة التسمم يعنى أمرين، الأول أننا لسنا بصدد حوادث استثنائية، والثانى أن احتمالات التواطؤ تظل واردة فى أجواء الفساد الراهنة.
شاءت المقادير أن يتواتر نشر أخبار تسمم تلاميذ المدارس مع فتح ملف اللحوم البرازيلية الفاسدة، التى دأب المستوردون على استيرادها نظرا لرخص أسعارها، ثم تسويقها فى أوساط الفقراء الذين يسكنون الأحياء الشعبية، وهم العاجزون عن شراء اللحم نظرا لارتفاع أسعاره حتى أصبحوا يقبلون على شراء أرجل الدجاج وعظامها.
وكانت جريدة الشروق قد أبرزت القضية على صفحتها الأولى يوم الخميس الماضى ٢٣/٣ فى تقرير أبرزت عناوينه تصريحات لمسئول فى وزارة الزراعة تحدث عن «لحوم برازيلية فاسدة تغرق الأسواق الشعبية». و.. تعليق التعامل مع ٢١ مجزرا برازيليا لحين ورود تقرير اللجنة المصرية. ومن المعلومات المنشورة أن كميات كبيرة من اللحوم البرازيلية الفاسدة دخلت إلى مصر خلال الفترة الماضية، وتم توزيعها على الأسواق المحلية والشوادر الشعبية.
وهو ما ينذر بكارثة تهدد حياة الناس، بسبب الإقبال المنتظر عليها خصوصا بعد انتهاء صيام الأقباط وبدء دخول شهر رمضان. وما ذكره التقرير المنشور أن مصر تستورد من البرازيل ٢٥٪ من اللحوم التى تستجلب من الخارج، وهى كمية كبيرة جدا بالمعايير النسبية.
إذا وضعنا مظاهر الفساد سابقة الذكر إلى جانب تعدد مظاهر التوتر والغضب التى بدأ ظهورها على السطح فى مختلف أنحاء مصر، فإننا نصبح بإزاء رسالة يجب أن تقرأ جيدا. أتحدث عن مظاهرات الخبز التى تفجرت حين لم يستطع حملة بطاقات التموين الحصول على حصصهم اليومية.
فى ذهنى أيضا المظاهرات التى خرجت احتجاجا على نقص أنابيب البوتاجاز، أو غضبا وسخطا على الشرطة بعدما تكررت حوادث موت المحبوسين جراء التعذيب فى الأقسام. وما جرى فى سوهاج خلال الأسبوع الماضى أحدث نموذج لذلك، حين اشتبك أهالى إحدى قرى أخميم مع الشرطة احتجاجا على إقامة محطة للصرف الصحى من شأنها أن تدمر مزارع الدواجن التى يرتزق منها الأهالى.
وقوع هذه الحوادث التى هى قليل من كثير، يعبر عن تحولات اجتماعية تحتاج إلى تحليل ودراسة، ولا يكفى فيها أن يترك الأمر إلى مديريات الأمن للتعامل معها فى حين يقف الجميع متفرجين عليها.
ومن الخفة والعجز أن تنسب إلى أهل الشر أو اللهو الخفى، ذلك أن ثمة واقعا يتسم بالتفكك والقلق ينبغى أن يدرس، لينبه أولى الأمر إلى جذور التشوهات التى طرأت على واقع الناس، وهل هى راجعة إلى وطأة الأزمة الاقتصادية، أم إلى ضيق مجالات التعبير المشروع الذى يدفع الناس إلى اللجوء إلى ما ليس مشروعا، أم أنه صدى لضيق صدر السلطة ولجوئها إلى قمع المخالفين، أم أنه راجع إلى تدهور قيمة القانون وتراجع هيبة القضاء. وإلى أى مدى أثر موت السياسة وطغيان الانشغال بالأمن على كل ما عداه. لست فى وارد الإجابة عن تلك التساؤلات، لكنى أتمنى أن يتذكرها أهل الاختصاص قبل فوات الأوان.
أضف تعليقك