تتوالى مصائب حكم العسكر على مصر، فبعد زوبعة استيراد الأردن الغاز من الصهاينة، فجر خبر الصفقة المصرية بقيمة عشرين مليار دولار لتزويدها بالغاز الصهيوني قنبلة من العيار الثقيل.
وورد في تفاصيل الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام أن مدة الصفقة المثيرة للجدل هي عشرون عامًا أبرمت بعد زيارة وفد صهيوني من مجموعة تمار للقاهرة استغرقت بضع ساعات أبرز ما اتفق عليه الطرفان هو مد خط أنابيب جديد للغاز يمتد من حقل تمار إلى مصر بتكلفة نحو نصف مليار دولار كما تقرر تفعيل مذكرة التفاهم الموقعة سابقا لشراء خمس حجم المخزون الاستراتيجي للغاز في حقل تمار أي حوالي 60 مليار متر مكعب.
ويقع "تمار"، الذي اكتشف في عام 2009، على مسافة 90 كيلومترًا قبالة الساحل الشمالي للأراضي المحتلة ويحتوي على ما يقدر بعشرة تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي.
وتملك شركة "نوبل إنرغي"، ومقرها ولاية تكساس الأمريكية، حصة قدرها 36% من حقل "تمار"، بينما تملك شركة "إسرامكو نيجيف" الصهيونية حصة قدرها 28.75%، وتمتلك كل من شركتي "أفنير أويل إكسبلوريشن" و"ديليك دريلينغ"، التابعتين لمجموعة "ديليك"، حصة قدرها 15.625%، في حين تملك شركة "دور غاز إكسبلوريشن"، حصة قدرها 4%.
الصهاينة من مستورد إلى مصدر
أصبحت قصة الغاز الغامضة التي تدور بين سلطات الانقلاب والصهاينة، قصة مربكة، انتقالًا من تصدير الغاز بأسعار أقل من العالمية بنسبة 70%؛ حيث باعته مصر لدولة الاحتلال بنحو 70 سنتًا للمليون وحدة حرارية بينما كان سعر الانتاج العالمي 2.65 دولارًا للمليون وحدة حرارية، واستيراد الغاز من الحكومة الصهيونية بأسعار تنافسية أقل من 20% من مبلغ التعاقدات المبرمة في أكتوبر 2014، ثم الانتقال إلى دورة جديدة تكرر نفس القصة مجددًا بمعاودة استيراد الغاز مجددا، ويتخللهما صراع بين مصر ودولة الاحتلال على غاز شرق البحر المتوسط، وحكم تحكيم دولي بتغريم مصر 1.76 مليار دولار بسبب تعليق إمدادها بالغاز الطبيعي، إلى حكم دولي نهائي بتعويض لشركة "أمبال" "الصهيونية" قدره 856 مليون دولار.
وتتوالى التساؤلات حول سبب انتقال "الصهاينة" من مستورد للغاز المصري إلى مصدر لتوريد الغاز لمصر، إلا أن الإجابة تكمن في أن الصهاينة يجيدون استغلال التوقيت، فهم يعلمون أنهم في ظل حكم العسكر لمصر، سيستطيعون تحقيق أكثر مما كانوا يتمنون.
ويؤكد خبراء أن الغاز الذي تصدره لنا دولة الاحتلال هو غازنا، ليس الذي صدرناه إليها من قبل بالطبع، لكنه غاز من حقول مصرية استولى عليها الصهاينة.
فبحسب تقرير هيئة المساحة الأمريكية الصادر في مارس عام 2010، فإن اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص، الموقعة في 17 ديسمبر عام 2010، تجعل لمصر أحقية في أكبر اكتشاف للغاز بشرق البحر الأبيض المتوسطـ، غير أن قبرص وقعت اتفاقا مع "إسرائيل" بما يخالف اتفاقها مع مصر، وبدون النظر لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي تم إبرامها عام 1982، ودخلت حيز التنفيذ عام 1994، اتفقت الدول الموقعة على أن يكون عرض البحر الإقليمى لكل دولة 12 ميلًا بحريًا، أما المنطقة الاقتصادية الخالصة، فهى منطقة بحر عالٍ تترتب عليها حقوق استغلال الثروات، وتقاس من خط الأساس بعرض لا يزيد على 200 ميل بحري.
لم توقع"إسرائيل" على تلك الاتفاقية، وقامت بتوقيع اتفاقية مع قبرص، بموجبها سيطرت على 40% من منطقة الحقول، رغم أنها لم توقع على "اتفاقية قانون البحار"، وأنشأت شبكة دفاعية كلفتها قرابة 620 مليون دولار، إضافة إلى تجهيز 4 سفن حربية بمضادات للصواريخ حول منصات الغاز، ومن بينها حقول "تمار" و"لفيازان" اللذان تبلغ قيمة ثرواتهما ما يزيد على 200 مليار دولار، وهما المفترض وقوعهما ضمن نطاق المنطقة الاقتصادية المصرية بعد إعادة تعيين الحدود بين قبرص و"إسرائيل"، كما أن الاتفاق الجديد يمنح قبرص مساحات كبيرة خاصة بالمنطقة الاقتصادية المصرية.
مع توقيع مذكرة التفاهم حول استيراد الغاز المصري المنهوب، اشترطت الحكومة الحصول على موافقة مجلس الوزراء قبل الاستيراد، وأن يمثل الغاز المستورد قيمة مضافة للاقتصاد المصري، وحل قضايا التحكيم فى مجال الغاز ضد الحكومة المصرية، انتهى التحكيم بتغريم مصر، وانتفت مصلحة مصر في الاستيراد لمدة 15 عاما، ومع ذلك يبدو أن الحكومة المصرية؛ التي لم تصر على استعادة ثروتها، بسبيلها للموافقة على الصفقة، برغم أن تقرير هيئة المساحة الأمريكية لعام 2010 قد أشار لوجود احتياطي غاز يبلغ نحو 122 تريليون قد مكعب.
الغاز أحد أسباب الانقلاب
كشف كلًا من الكاتب البريطاني "ديفيد هيرست" وتقرير استقصائي لقناة "الجزيرة" الانجليزية أعده "كليتون سويشر"، عام 2014 عن أن أحد الأسباب المهمة للانقلاب علي الرئيس محمد مرسي هو وقوفه عقبة أمام إبرام اتفاق وصفقة غاز ضخمة مع العدو الصهيوني الذي نهب ثورة مصر النفطية عبر حسين سالم صديق مبارك.
وأكد ديفيد هيرست، في مقال له تحت عنوان "مصر رهينة لإسرائيل"، أن صفقات الغاز السرية التي تسعي لها سلطة الانقلاب باستيراد الغاز من إسرائيل ورفضها مرسي، عاملًا حاسمًا في انقلاب الجيش عليه ووفرت بلا شك حافزًا ماليًا لتغيير النظام.
وأضاف : "كان الغاز هو عدو مرسي، أثبت مرسي أنه كان عقبة في طريق إبرام صفقة مغرية مع الصهاينة، والتي قد لا يستغرب أحد الآن إذا علم أنها على وشك أن تبرم مع سلطة الانقلاب، والآن أزيلت العقبة من طريق "إسرائيل" .
ديفيد هيرست ألمح أيضًا لتورط المخابرات الأمريكية في الانقلاب في مصر لتحقيق مصلحة "إسرائيل" ، وقال في مقاله أن تورط المخابرات الأمريكية في شؤون إيران مدة طويلة، ومعرفة انقلابها علي مصدق بعد ستين عاما "قد لا يستغرق مثل هذا الوقت" لكي نعرف حجم تدخل ال"سي آي إيه" في انقلاب مصر وشؤونها !.
وأوضح هيرست أن سر الانقلاب علي مرسي جاء انطلاقًا من ملف الغاز والطاقة، قائلًا أنه كان أمام مرسي خيار أفضل حينما وصل إلى السلطة لحل مشكلة الطاقة ، فقد وافقت قطر على تزويد زبائن شركتي تسييل الغاز (الاسبانية والايطالية) في دمياط ،واللتان كانتا تصدران الغاز من مصر ، بما بين 18 إلى 24 شحنة من الغاز الطبيعي المسال لأن مصر لم تكن لديها القدرة على تحويل الغاز الطبيعي المسال إلي غاز".
ولذا تقرر إقامة مرفق عائم للقيام بذلك "تبنيه قطر" ومقابل ذلك تقوم الشركات التي تدير معملي تسييل الغاز الطبيعي بتوريد 500 متر مكعب إضافية من الغاز المنتج محلياً إلى السوق المصري ، ووافقت قطر على تزويد الشحنات الخمس الأولى مجاناً مما يعطي مصر فرصة هي بأمس الحاجة إليها لتستعيد أنفاسها، ومما يسهم أيضاً في تخفيض سعر عبوات الغاز المخصصة للاستخدام المنزلي داخل البلاد .
و"لكن بعد الانقلاب العسكري، ادعى المسئولون المصريون إنهم لم يتمكنوا من التوصل مع القطريين إلى سعر ، ثم عمد المسئولون الانقلابيين إلى إلغاء عقد إنشاء معمل لتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز (مع قطر) بما يمكن مصر من الاستفادة مما يمكن أن تستورده من غاز طبيعي مسال.
أما خلاصة كل هذا – كما يقول "هيرست" – " اقبلوا الغاز القادم من إسرائيل، رغم أن احتياطيكم أكبر من احتياطيهم مرات عديدة أو تصببوا عرقًا واقبعوا في الظلام ، واقبلوا أيضًا بأن دولتكم الآن عالة وتابعة، واقبلوا أنه نتيجة لهذه الصفقات سوف يثقل كاهل مصر بديون الغاز المستحقة للشركات الأجنبية التي تدير معملي تسييل الغاز الطبيعي ، فشركة "أن يونيون فينوزا " تدين مصر بمبلغ 6 مليار دولار، وهو ما يعادل قيمة نصف احتياطييها من العملة الأجنبية ومجلة الإيكونوميست إن مجموعة بريتيش غاز قد تمضي قدمًا هي الأخرى وتقاضي مصر.
ومن هنا يمكن التأكيد على أن هذه المؤامرة التي كان جزءًا منها التخلص من الرئيس مرسي لجعل مصر رهينة لإسرائيل والغاز الإسرائيلي، فلا عجب إذن أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية مسرورتان بالانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر.
أضف تعليقك