• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

إذا أردت أن تفهم الجذور التاريخية لرؤية عبد الفتاح السيسي للإعلام، فردها إلى الأصل مع حركة ضباط الجيش في مصر، في يوليو/ تموز 1952، فلم يكن الرئيس جمال عبد الناصر راضياً عن الصحافة، ورغم أن هذه الصحف أيدت حركته، في معظمها نكاية في «الوفد» وهو حزب الأغلبية، ورغم الرقابة التي فرضت عليها، ورغم الرقيب الذي كان يتدخل في تفاصيل ما تنشره على جهله، فقد انتهى الأمر بتأميم المؤسسات الصحافية، وانتقال ملكيتها إلى السلطة في ما سمي بتنظيم الصحافة، وهي تسمية اختارها هيكل بما عرف عنه من قدرة على التـلاعب بالألفـاظ!

وقد أدركت حركة الضباط مبكراً، ممثلة في قائدها جمال عبد الناصر، أهمية الإعلام، ولأنه شغلتني في الآونة الأخيرة، المرحلة التي سبقت التأميم، الذي حدث بعد ثماني سنوات على الحركة، وقد تحولت إلى ثورة، فقد ذهبت أقرأ عن هذه الفترة، وأعيد قراءة ما قرأته في السابق، وهالني ما قرأته للدكتور سيد أبو النجا، في كتابه «ذكريات عارية»، وكان يشغل منصب المدير العام لجريدة «المصري» وهي جريدة خاصة، مملوكة لآل « أبو الفتح»، ومع ذلك فقد كانت لسان حال حزب «الوفد»، وقد اختلفت معه في بعض المواقف، ولا تزال إلى الآن هي التجربة النموذج، للصحيفة التي تعبر عن حزب دون أن تكون صادرة عنه، ولا يتحمل الحـزب مواقفـها!

عندما قامت ثورة يناير/ كانون الثاني في مصر، قلت لأحد الرموز الصحافية في جماعة الإخوان، أن عليهم أن يعيدوا هذه التجربة، لا سيما وأن لديهم تجربة قريبة منها، فمجلة «الدعوة»، كانت مملوكة للقيادي في الجماعة صالح عشماوي، ومع هذا كانت تعبيراً عن الجماعة، مع فارق بين «الدعوة» و»المصري»، فالأولى كانت مجلة «الإخوان» التي تعبر عنهم، لكن «المصري» لم تندمج الاندماج الكامل في «الوفد» كما «الدعوة» مع الإخوان، وإن كان نمط ملكيتهما واحداً!

قال لي زميلي الإخواني، إنه عرض الأمر بالفعل على الجماعة، وأنها وافقت على تجربة «المصري»، ليس كصحيفة، ولكن كقناة تلفزيونية مع وجود قنوات تلفزيونية أخرى تعبر بشكل مباشر عن الجماعة، فلم يكن قد أنشئ الحـزب بـعد، ولأن الطبع، كما قالت العرب، غـلاب، فقد كانت تجربة قناة «مصر 25» البائسة، والتـي كانت تعبيراً عن الجماعة وحزبها، ومثالاً رديئاً للإعلام الموجه، لكنها ليست أكثر بؤساً من تجربة قناة «وطن» في اسطنبول، التي توشك على الإغلاق تماماً، بعد أن تم تركها تفشل، واستمتعت قيادات الجماعة بالنظر إليها وهي تتهاوى، فلم يتم إدراكها في الوقت المناسب، وكأن الوصول إلى قرار الإغلاق هو هدف وإستراتيـجية.

الضابط جمال منصور

ما علينا، فصاحب «ذكريات عارية» يقول إنه تلقى اتصالاً هاتفياً من أمن جريدة «المصري»، يخبره أن دبابات الجيش تحاصر الصحيفة، صبيحة يوم الثورة، فذهب مسرعاً إلى هناك ليسأل ضباط الجيش عن سبب حصارهم لـ «المصري»، فأشاروا إلى كبيرهم، والذي كان ضابطاً بزيه العسكري، وقدم نفسه على أنه الضابط «جمال منصور»، وقد أصدر أمره العسكري لسيد أبو النجا بأن يصدر عدد اليوم التالي من «المصري» مؤيداً «الحركة المباركة»!

ولم يكن «جمال منصور» سوى «جمال عبد الناصر»، فقائد الحركة، وفي يومها الأول، لم ينشغل بحصار وحدات الجيش وقادته، وبإمكانهم إفشالها، فقد ترك هذه المهمة لآخرين وجاء للمهمة الأهم بالنسبة له وهي حمل جريدة على تأييد حركة الضباط، وكانت «المصري» حينئذ توزع عشرة آلاف نسخة فقط، وهو عدد قليل إذا ما تمت مقارنته بتوزيع جريدة «الأهرام» الذي كان يتجاوز المئة ألف نسخة يومياً!
وإذا كان الناصريون، اعتبروا أن السيسي هو عبد الناصر في ثوبه الجديد، فلم يذكر السيسي اسم عبد الناصر على طرف لسانه إلا بالحديث عن الإعلام، إذ يرى السيسي أن عبد الناصر محظوظ بالإعلام، مع أن كل الإعلام المصري يتبارى في إثبات الولاء للسيسي، فمصر لا توجد فيها صحف معارضة له أو حتى للحكومة كما كان الحال في عهد مبارك!

ثورة 1952، أصدرت في البداية صحفاً فشلت في المنافسة، والسيسي أطلق مجموعة قنوات «DMC» ، التي تشبه مطار إمبابة السري، فالكل يقول إنها قناة «المخابرات»، دون نفي من أي جهة لهذه التسمية التي ارتبطت بها، ثم يتم تسريب وثيقة تثبت أن سكرتير السيسي الخصوصي «عباس كامل» أحمد الملاك على الورق، فلا يثير هذا لدى القوم شعوراً بحجم الفضيحة، ربما لأن السلطة لم تطالع هذا الكلام لكي تنفيه، تماماً كما كان الحال بالنسبة لمطار إمبابة السري، إذ كان سكان القاهرة الكبرى يطلقون على المنطقة هذه التسمية: «مطار إمبابة السري» وعلمت الحكومة بذلك بعد عشرات السنين، فنقلت المطار!

المهم، فهناك ملكية بالجهد، وملكية بالمال، لكننا أمام نمط جديد للملكية وهو الملكية بالاسم؛ فعباس كامل، لم يدفع من حر ماله، نصيبه في رأس المال، والأمر نفسه ينطبق على الآخرين ممن استخدمت أسماؤهم لإظفاء ملكية صورية على «مطار إمبابة السري» سابقاً و»DMC» حالياً، إذ أجاز للورثة أن يحجروا عليهم، فأي مجنون هذا الذي ينفق ملايين الجنيهات على قناة، بلا مردود!

من المتوقع أن تحصل القناة الجديدة، على النصيب الأكبر في «كعكة الإعلانات» في شهر رمضان، ليس رغبة من المعلنين، ولكن بالأمر المباشر، وخوفاً وطمعاً، وطلباً للقرب في قناة يقوم على أمرها عبد الفتاح السيسي نفسه، لكن كل الإعلانات في مرحلة الركود الاقتصادي، لن تغطي تكلفة برنامج واحد، وما نشر عن تكلفة برنامج «شيرين» يكفي لإطلاق قناة من بابها!

لا ينقص «DMC» المال، لكنها مع ذلك فشلت، فلا يخبرك أحد أنه شاهدها، ولا تقرأ على مواقع التواصل الاجتماعي، لمن يشير إلى لقطة، أو برنامج، أو كلمة، ولولا الكتابة عنها فلربما لم يعلم أحد أن هناك حزمة من القنوات التلفزيونية تحمل هذا الاسم، وكأنه المال الحرام، الذي ورد في الأثر أنه يذهب من حيث أتى!

وكما فشل إعلام حركة ضباط الجيش في سنة 1952، فسوف يفشل إعلام عبد الفتاح السيسي، ليصدق فيه قول القائل: «حشود خلفك في الدرب صارت لينهض شيء صحيح/ فما نام إلا الصحيح»!
قالوا إن «DMC» جاءت لتنافس قناة «الجزيرة»، ولو نافست قناة «النيل للأخبار» لقلنا إنها حققت المعجزة، مع أن عهد المعجزات قد ولى.

أرض – جو

٭ قناة «العالم» اتهمت «فيصل القاسم» بالضلوع في تفجيرات دمشق، وذلك بتوجيهه سؤالاً مفخخاً، عبارة عن حزام ناسف، عبر «تويتر»، نصه: «هل تعتقد أن العمليات الاستشهادية الانغماسية، الساحقة، الماحقة، هي الرد الشافي، الكافي، الوافي، على النظام السوري وأمثاله». عندما وصلت إلى «الإنغماسية» أيقنت أن «القاسم» ليس فقط ضالعاً في تفجيرات دمشق، لكنه ضالع كذلك في خيانة عرابي في التل الكبير!

٭ عندما تشاهد الإعلام السيساوي هذه الأيام يستقر في وجدانك أن «هولندا» هي أخت السيسي من الرضاعة من جراء انحياز هذا الإعلام لها في المعركة التركية – الهولندية. أحمد موسى أكد أن التعديلات الدستورية ستمنح أردوغان سلطات إلهية، وتجعل منه الحاكم بأمر الله. هذا باعتبار أن «عبد الفتاح» لا يتصرف في مصر تصرف المالك في ما يملك.

٭ تعيد قناة «ماسبيرو زمان» هذه الأيام عرض مسلسل «العملاق»، الذي يروي جانباً من قصة حياة الأديب الكبير «عباس محمود العقاد»، وقد تم الإعلان عن أنه إنتاج مشترك بين التلفزيون المصري والتلفزيون القطري، ومن الواضح أن القوم لم ينتبهوا لذلك، وإلا كانوا حذفوا التلفزيون القطري ليحل محله جهاز المشروعات بالقوات المسلحة!

٭ أعتقد أن التلفزيون القطري مؤهل للإنتاج الدرامي بشكل منفرد، لا سيما للأعمال الكبيرة، التي كان قطاع الإنتاج في التلفزيون المصري يقوم بها في عصره الذهبي، الذي ولى بافتتاح مدينة الإنتاج الإعلامي التي تعيش الفشل الآن!

٭ عندما أطلق القوم في واشنطن قناة «الحرة»، وقالوا إنها تستهدف تبييض الوجه الأمريكي، كتبت في هذه الزاوية: «ماذا تفعل الماشطة في الوجه العكر؟». السؤال ملح عند مطالعة خبر التعاقد مع شركتين أمريكيتين للعلاقات العامة لتبييض وجه السيسي، وليس في «الوجه العكر» ما يمثل إساءة من أي نوع، فـ «العكر» هو أشهر محل للحلويات في الدوحة، تماماً كما أن «الجحش» هو أشهر مطعم للفول في القاهرة!

٭ ذكرني فيديو لحوار مع أحد قضاة الزعيم العراقي صدام حسين، بقناة «روسيا اليوم»، كان المحاور مذيعا بالقناة أعجبتني رصانته وقدرته على أن يحاور ضيفه، بذكاء، وهدوء، وبدون تشنج، لأبحث عن اسمه واكتشف أنه الإعلامي العراقي «سلام مسافر». جواهر مدفونة في قنوات لا يشاهدها أحد.

٭ «طارق قاسم»، مقدم برنامج الصحافة، على قناة «مكملين»، مذيع جيد، يليق بكبريات المحطات الفضائية، لكن الحظ يخاصمه لأسباب لا أعرفها.

٭ لا أعرف من المسؤول عن قناة «ماسبيرو زمان» لكني اعتقد أنها قناة تحتاج لمن يديرها بحب، وهو مستيقظ، وليس على أنها وظيفة تدار من تحت اللحاف، فنشاهد تكراراً بلا داع لبرامج عرضت لأكثر من مرة.

أضف تعليقك