استباقاً لوصول مستشارة ألمانيا، أنجيلا ميركل، إلى القاهرة، يستعرض نظام عبد الفتاح السيسي عضلاته الاستبدادية، فيطور خطابه من مرحلة "افرم يا سيسي" إلى المطالبة بمضاعفة كميات الفاشية المتداولة في الحياة المصرية.
"الفاشية هي الحل".. هكذا يعلن أحد كتبة السيسي، بلا مواربة، في وقتٍ يتحول فيه البرلمان من بيت للتشريع إلى طاحونةٍ تكسر عظام النواب المشاكسين، وتلقي بهم للوحوش الجائعة لمزيد من الاستبداد والدكتاتورية.
يتزامن وصول أنجيلا ميركل إلى القاهرة مع صعودٍ تاريخي لمؤشر النازية والفاشية، على الطريقة المصرية، يجعل مصر السيسية في تطابقٍ تام مع الحالة الكورية الشمالية "أحسن ما تبقى زي سورية والعراق"، كما يردد السيسي كل يوم.
تتجلى مظاهر الاندفاع نحو الحالة الكورية في تحول بيت التشريع والرقابة على أداء السلطة التنفيذية إلى مؤسسة عقابية، كالسجون، ترفع شعار"البرلمان إصلاح وتأديب". وفوق ذلك تمديد لحكم الجنرال العسكري إلى ما لا نهاية، من خلال تمرير تشريعات تلغي مبدأ تداول السلطة عبر الانتخاب، والحجة أن البلاد في خطر، إذ تواجه أعداء شرسين في الخارج والداخل، تماماً كما كان يبرّر النازي نازيته، والفاشي فاشيته.
قلت سابقاً إن من غير المستبعد أن نكتشف أن إشعال الحريق القبطي في العريش لا يعدو كونه حفل استقبال للمستشارة الألمانية، تعزف فيه موسيقى "الحرب على الإرهاب" التي تطرب لها ميركل، ويرقص عليها كل داعمي استبداد الشرق، من زعماء الغرب. وإمعانا في الاحتفال بالزيارة، ينعقد في القاهرة وشرم الشيخ مهرجانان لموسيقى الحرب على الإرهاب، الأول يقوده شيخ الأزهر وبابا الكنيسة، والثاني في سيناء تحت لافتة "الإرهاب والتنمية"، بقيادة رئيس حكومة السيسي. وعلى هدير تلك الموسيقى الإرهابية الصاخبة، ليس مسموحاً، أو مناسباً بالمرة، أن يتحدث أحد في قضايا الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.
احتفالاً بزيارة أنجيلا ميركل التي تمقت نازية بلادها، وتشجع نازية بلادنا، تضاعف سجون السيسي من كميات القمع والتنكيل بالسياسيين القابعين خلف أسوارها، من دون تمييزٍ بين إسلامي أو ليبرالي، فيشرب جهاد الحداد، المتحدث الإعلامي السابق لجماعة الإخوان المسلمين، وعلاء عبد الفتاح، الحقوقي والناشط السياسي الليبرالي، من كأس تعذيبٍ واحدة، نخب وصول مستشارة ألمانيا.
في بيان للرأي العام، تكشف أسرة علاء عبد الفتاح عن فرض إدارة سجون طرة عقاباً جماعياً عليه، وعلى آلاف السجناء، رداً على استخدام حق التقاضي، إذ منعت دخول الكتب لجميع النزلاء في سجون: الاستقبال، المزرعة، عنبر الزراعة، شديد الحراسة 1، شديد الحراسة 2، وملحق المزرعة، وذلك بعد دعوى علاء أمام القضاء الإداري لتمكينه من القراءة.
أما تأديب متحدّث "الإخوان" الشاب، فيتجاوز المنع من القراءة إلى الحرمان من أبسط مقومات الحياة الآدمية، بإلقائه في زنزانة التأديب التي يعرفها كل معتقلي سجن العقرب اللعين، كما تصفها والدته، نقلاً عنه، والتي هي قبور مظلمة من دون دورة مياه، من دون نوافذ أو فتحات. حتى فتحة الباب مغلقة باستمرار. جدرانها مطلية بالأسود ومن دون كهرباء. ما يعني أن السجين يعيش في ظلام متواصل 24 ساعة.. وذلك كله لأن السجين كتب مقالاً نشرته صحيفة نيويورك تايمز، الأسبوع الماضي، بعنوان "أنا عضو في جماعة الإخوان.. أنا لست إرهابيًا".
ولمناسبة زيارتها الميمونة، تتساقط أحكام الحبس على رؤوس كل من ينتقد الجنرال بكلمة، وتواصل أعمال الطرد والإبعاد من جنة الفاشية.
بالطبع، لن تتوقف السيدة ميركل عند ذلك كله، وستشد على يد عازف الطبلة في فرقة موسيقى الحرب على الإرهاب، ستمنحه ما يكفي لتشييد سجونٍ جديدة، وما يزيد عن الحاجة من قنابل الغاز وأدوات التعذيب.. ستدعم نازيته وفاشيته، وتتجاهل كونها ابنة حضارة و قيم وثقافة علمت أوروبا والعالم الحديث كله فكرة "الواجب الأخلاقي" في مواجهة منطق الصفقات.
ستنسى ميركل، كما قلت لها في مقال سابق، تراث فلاسفة ومفكرين وأدباء ألمان، قدّموا للعالم ما يحول بينه وبين الانسحاق تحت سنابك الفكر المادي، وتتغاضى عن قول هيغل إن "تاريخ العالم ليس إلا تقدم الوعي بالحرية والتعليم هو فن جعل البشر أخلاقيين"، وستتنكر لفلسفة جدها، إيمانويل كانط، عن الأخلاق والواجب الأخلاقي.
سوف ترمي ذلك كله وراء ظهرها، وتأتي لتشجيع جنرالها المطيع..أهلا ميركل في جمهورية مصر الكورية الشمالية.
أضف تعليقك