«تشحتف» الدكتور عبد المنعم سعيد، وهو في حضرة عبد الفتاح السيسي، وإذ بلغت جرعة «الشحتفة» حدها الأقصى، فقد وصف السيسي بـ «القيصر»، وهو يطالبه بإدارة الإعلام وتوجيهه، ليرتقي الإعلام إلى هذه اللحظة التاريخية التي تعيشيها مصر!
في هذه الزاوية، كتبت في السابق، أن على غير المصريين الذين لا يعرفون اصطلاح «الشحتفة»، أن ينظروا إلى أداء الفنانة الراحلة «أمينة رزق» ليقفوا على المقصود بـ «الشحتفة» والتي هى إفراز طبيعي لشخص اجتاحته العواطف الجياشة «فتشحتف»، ومؤخراً أعادت قناة «ماسبيرو زمان» حلقة «اثنين على الهواء»، الخاصة بالراحلين: «زكي طليمات» و «يوسف وهبي»، وقال الأول وصفاً لأمينة رزق، إنها امرأة تجيد البكاء بكل لغات الدنيا. والبكاء، في حالة الفنانة الراحلة، هو إحدى التنويعات للحن «الشحتفة»، وعند زيادة منسوب «الشحتفة» في الدم.
ومع عبد المنعم سعيد في الحالة سالفة الذكر، تذكرت الرئيس «الراحل» أنور السادات (يبدو أنه يوم الراحلين) وهو يقول للكاتب (الراحل) محمد حسنين هيكل: «إيه أخبار الخبراء يا هيكل؟!».
أصل الحكاية، أن هيكل في سعيه للسيطرة على الحكم بعد وفاة عبد الناصر، كان كلما التقى السادات أخبره أن الأوضاع في مصر بالغة السوء، وحسب ما ذكره الرئيس الراحل أنه في كل مرة يسأل فلا يجد الأحوال بالسوء الذي كان يصوره هيكل، وكان السادات يعرف ما يستهدفه رئيس مؤسسة «الأهرام» الصحافية، والذي كرر ذات مرة الأسطوانة نفسها، ليسأله الرئيس في لهفة وفي مشهد تمثيلي يظهره جزعاً ، وقال له وما العمل؟!.. ليصل الكاتب إلى هدفه، ويطرح الحل؛ يوجد في «الأهرام» مركزاً للدراسات السياسية والإستراتيجية أسسه «هيكل»، وينبغي أن توضع أمامه كل الملفات الخاصة بالمشكلات التي تعاني منها مصر، ليضع «خبراء» المركز الحلول لها. وظل الرئيس بعدها كلما رأى صاحبنا يسأله في سخرية: «إيه أخبار الخبراء يا هيكل»!
عبد المنعم سعيد هو واحد من هؤلاء الخبراء، وقد عمل في المركز منذ تخرجه في الجامعة ثم ترأسه لسنوات عدة، وربما لم يكن وقت هذه الواقعة «خبيراً»، فقد يكون «شتلة خبير» في طريقه للتشكل «خبيراً»، لكنه في النهاية صار واحداً من الخبراء، وعندما يصل الحال به وبعد أن صار خبيراً متقاعداً، إلى حد أن يطلب بالإعلام الموجه في أبشع صورة له، فيمكننا أن نتفهم السادات بأثر رجعي وهو يتساءل ساخراً: «إيه أخبار الخبراء يا هيكل»!
الوقار الشكلي
الدكتور سعيد، فوق كونه خبيراً، فإنه ليبرالي، فليس ابناً لمرحلة الحزب الواحد، والتأميم والمصادرات، ورغم أنه من أعضاء لجنة السياسات في الحزب الوطني لصاحبها جمال مبارك والسيدة والدته، فكان يبدو وقورا، ويحرص أن يقدم رؤية متماسكة، يمكنك أن تختلف معها لكن لا تستهجن صاحبها، فما الذي حدث له لأن يكون متهافتاً على هذا النحو، وبعد أن بلغ أرذل العمر؟!
عبد المنعم سعيد، وليس أحمد موسى وقف أمام السيسي ليقول: «مع التسليم بوجود جهد خارق يحدث في مصر فلابد من إعلام يعبر عن هذا الجهد ليكسب الإعلام الاحترام… ولابد من وجود جهة منظمة للإعلام يقودها ما يسمى في الغرب القيصر ليضمن اتساق الرسالة الإعلامية الموجهة ويكون مكانه الرئاسة»!
انظر إلى تجليات كبير الخبراء (يا هيكل) فهو يسلم ويطلب منا التسليم «بوجود جهد خارق يحدث في مصر»، فما هو هذا الجهد الخارق؟ ذلك أننا لم نشاهد جهداً خارقاً إلا في مجال التفريط، ومن أول التنازل عن «تيران وصنافير» إلى التفريط في حق مصر التاريخي في مياه النيل، إلى اللقاءات السرية التي جمعته بنتنياهو، إلى رؤيته الخلاقة بالتنازل عن سيناء لإقامة الدولة الفلسطينية، وكله جهد خلاق لصالح إسرائيل وقد كشف تسريبات قناة «مكملين» أن التنازل عن الجزر هو لصالح إسرائيل، حيث ناقش وزير خارجية السيسي وثيقة التنازل مع محامي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بالكلمة، والفاصلة والنقطة!
لم يقل «خبير الخبراء»، وهو في حضرة «طبيب الفلاسفة» إن تعبير الإعلام عن «الجهد الخارق» هو لتحقيق خدمة للوطن بإبراز هذا «الجهد الخارق» وتلميع من قام به، فما المستهدف هو «ليكسب الإعلام الاحترام». فقلبه على الإعلام إذن!
وهو لا يتوقف عن هذا الحد، ولكنه يضع «خريطة طريق» لهذا الإعلام فلابد أن تقوده جهة منظمة، وهذه الجهة المنظمة يقودها ما يعرف في الغرب بـ «القيصر». وقد ذكر الغرب ليعطي لحديثه بعداً مدنيا وديمقراطياً. ولأنه يعلم أنه يتقرب بالنوافل لشخص ضحل الثقافة لا يفهم إلا المباشر من الكلام وقد يتوه في محاولة التوصل للمقصود بـ «القيصر»، فيعلن أن مكانه هو «الرئاسة» أي أن السيسي نفسه هو «القيصر»، وهكذا صرنا في محيط فقد من فيه عقولهم في ظروف غامضة، ليست غامضة بالكلية!
فالسيسي الذي وصفه الناصريون بأن عبد الناصر وقد عاد من رقاده يحلم بالسادات، في أحلامه الأربعة الشهيرة، والكاتب الليبرالي الكبير يتجه شرقاً ليجلب من الروس اصطلاح «القيصر»، الذي يرى أن دوره هو في قيادة الجهة المنظمة للإعلام «ليضمن اتساق الرسالة الإعلامية الموجهة»!
مشروع التوريث
يلعب عبد المنعم سعيد في الوقت بدل الضائع، وهو كان من الذخيرة الحية لمشروع توريث الحكم في مصر، لكن بالثورة، فقد انتهى دوره، وإذ بدأ السيسي في السطو على بعض رجال جمال مبارك، فعين بعض أعضاء لجنة السياسات وزراء، فقد وجد سعيد الفرصة مواتية ليقدم نفسه لـ «القيصر» الجديد، وهو يعلم أنه لا تصلح معه الرصانة، ووقار «الخبراء يا هيكل»، فخاطب المرحلة على قدر عقول قادتها، ولابد من التحلل من ثياب الوقار، فالتعبير فيها عن الحب يكون بالرقص، وبإدعاء الوله العاطفي، فعبد الحليم قنديل، من جماعة «حيث أنه» و»ريثما»، عندما أراد التقرب من حضرة صاحب المقام، قال إن النساء يعشقن السيسي، وقس وقور، افتراضا بحكم موقعه الديني، قال إنه يذوب عشقاً في السيسي!
والحال كذلك، فيصبح من الطبيعي ليثبت أحد (الخبراء يا هيكل) أنه ابن المرحلة وهو يتقرب لـ «قيصرها» زلفى. وفي الواقع أن عبد الفتاح السيسي لم يكن ينتظر نصائح المذكور ليؤمم الإعلام، لكن ما فعله الخبير أنه أعاد صياغة المطلوب ليبدو كلاماً علمياً وفخماً، فالرسالة الإعلامية لابد أن تكون متسقة، واتساقها ينبغي أن تقوم عليه جهة منظمة للإعلام، وهذه الجهة يقودها ما يعرف في الغرب بالقيصر!
«الجهة الإعلامية» صدر بها قانون، وإذا كان الدستور نص على أنها مستقلة فالقانون جعل «عقدة النكاح» فيها بيد رئيس السلطة التنفيذية خالد الذكر عبد الفتاح السيسي، ورغم أن الإعلام يدار من مكتب السيسي وبالهاتف، وأثبتت تسريبات «الجزيرة» أن من يقود الإعلام المصري هو سكرتير السيسي الخصوصي اللواء عباس كامل، إلا أنه لم يكتف بهذا القدر، فكان شراء عدد من الصحف والقنوات التلفزيونية بأسماء لملاك ليسوا أكثر من واجهة، ويخرج اللواء أحمد سمير المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة من الجيش على التقاعد ليواصل عمله مسؤولا عن قناة «النهار»، بل يتحول إلى «كاتب عمود» في جريدة «المصري اليوم»، ورغم رداءة المكتوب، وانعدام الموهبة، إلا أنه استمر كاتباً بقوة الدبابة!
ومع هذا، ورغم السيطرة الكاملة على التلفزيون الرسمي بكل قنواته فلا وجود للرأي الآخر على شاشته، فقد أسس السيسي «سلسلة» قنوات «DMC»، على وزن سلسلة مطاعم كنتاكي، حيث تضم «السلسلة» قناة عامة وقنوات متخصصة، والمهمة الجديدة هى تأميم نقابة الصحافيين، من خلال الاستيلاء عليها في الانتخابات المقبلة، وقد ظهر في المشهد رجال أعمال المرحلة، ومن أحمد أبو هشمية إلى محمد أبو العينين صاحب «صدى البلد»، إلى حسن راتب صاحب «المحور»، وفي محاولة التخلص من النقيب الحالي يحيي قلاش، نشر موقع «صدى البلد» خبر مقابلة له مع صحافيين من الإخوان للتنسيق للانتخابات النقابية، لتتم مناقشته على قناة «المحور»، مع أنه خبر كاذب جملة وتفصيلاً، لكن في الحروب يباح استخدام كل الأسلحة!
للعلم، وللعلم فقط، أنه عندما كان ثلاثي رجال الأعمال، مقربين من حكم الإخوان، حتى ظننا أنهم بايعوا المرشد العام للجماعة على المصحف والمسدس في الحجرة المظلمة إياها، كان قلاش من خصوم الإخوان!
لقد صار الإعلام كله قبضة «القيصر» وعدنا إلى زمن الإعلام الموجه، لكن هذه المرة ليس بدعم سوفياتي ولكن بدعم وتحريض «ليبرالي»!
يبدو أنه لا يوجد في مصر ليبراليون حقيقيون ، ولكن يوجد متأمركون قاموا بانتحال صفة الليبرالية لتسيير مهامهم السلطوية.
أرض – جو
في مجال تبرير الزفة المبالغ فيها التي استقبل بها اللاعب لونيل ميسي في القاهرة، قال عمرو أديب في برنامجه على قناة «أون تي في» إن عدد المتابعين للاعب على «تويتر» مليار متابع، والمعنى أنه يمكن أن يدعم السياحة المصرية بالنشر عن هذه الحفاوة على صفحته، ليتبين أن عدد مستخدمي «تويتر» في عموم الكرة الأرضية لم يصلوا إلى المليار، وأن ميسي ليس مشتركاً في «تويتر» أصلاً.
إنه استقبال استهدف تحقيق انتصارات وهمية، مثله مثل مشروع تفريعة قناة السويس الذي اعترف السيسي بعد حملات التضليل بأنه استهدف به رفع الروح المعنوية للمصريين!
أضف تعليقك