نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" رسالة سربت من سجن طرة، كتبها جهاد الحداد المتحدث الإعلامي باسم الإخوان المسلمين، تحت عنوان "أنا عضو في جماعة الإخوان المسلمين ولست إرهابيا".
وإلي نص المقال:
أكتب من الظلمة والعزلة الانفرادية، في أكثر السجون المصرية سوءا، حيث اعتقل هنا منذ ثلاثة أعوام، وقد أجبرت على كتابة هذه الكلمات؛ لأن هناك تحقيقا يجري الآن في الولايات المتحدة فيما يتعلق بكون الإخوان المسلمين، المنظمة التي كرست لها حياتي كلها، جماعة إرهابية".
نحن لسنا إرهابيين، فقد استلهم الإخوان المسلمون فلسفتهم من الفهم الإسلامي، الذي يؤكد قيم العدالة الاجتماعية والمساواة وحكم القانون، فمنذ إنشائها عام 1928، عاش الإخوان وضعين: النجاة في أوضاع سياسية معادية، أو تقديم الأمل للناس المهمشين في المجتمع، ولهذا كتبنا عنهم، وتحدثنا عنهم، مع أننا لم نسمع بهم من قبل، ومن هذا المنطلق، فإني آمل أن تجد كلماتي طريقها إلى النور.
نحن محافظون، وبقاعدة شعبية كرست مصادرها كلها للقطاع العام خلال العقود التسعة الماضية، وأفكارنا بسيطة جدا، ونؤمن بترجمة الإيمان إلى عمل وواقع، وأن امتحان الإيمان هو الخير الذي يجب أن تقدمه لحياة الآخرين، وأن عمل الناس معا هو الطريق الوحيد لبناء الأمة، وتلبية طموحات شبابها، والانخراط في العالم بطريقة إيجابية، ونؤمن بأن التشاركية والشمولية متأصلة في ديننا، وأن لا أحد لديه تفويض إلهي لفرض رؤية واحدة على المجتمع.
ومنذ نشأتنا تعاملنا سياسيا مع المؤسسات في بلدنا، واجتماعيا لمواجهة احتياجات السكان، رغم كوننا أكثر جماعة مضطهدة في ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وكانت مشاركتنا في البرلمان، سواء في تحالفات مع الأحزاب السياسية الأخرى، أو بصفتنا مستقلين، هي دليل على التزامنا بالتغيير القانوني والإصلاح، وجاهرنا بالحقيقة أمام السلطة في مناخ مليء في الأحزاب الشكلية التي تبصم للسلطة، وعملنا مع المنظمات المستقلة الداعية إلى الديمقراطية ضد خطط الرئاسة فيما يتعلق بنجل مبارك، وعملنا بشكل قريب مع عدد كبير من النقابات واتحادات العمال.
وخلال العام الأول من الديمقراطية الناشئة في مصر، كنا مكرسين لإصلاح مؤسسات الدولة، وتوسيع الحكم الديمقراطي، ولم نكن واعين للعوامل المضادة التي سنتلقاها من المتشددين في هذه المؤسسات، وقمنا بمواصلة الإصلاح من خلال الحكومة، وتجاهلنا الاحتجاجات في الشوارع، وكنا مخطئين، وسنرى الآن الكثير من الكتب التي كتبت حول أخطائنا، إلا أن تحليلا عادلا للوقائع سيظهر أننا عارضنا وبشكل أساسي استخدام العنف، فمظاهر قصورنا كثيرة، والعنف ليس واحدا منها.
لا شيء يظهر التزامنا المطلق بالعمل السلمي من مواصلتنا الإصرار على المقاومة السلمية، رغم عنف الدولة غير المسبوق، فخلال السنوات الأربع الماضية سيطر الجنرال عبد الفتاح السيسي على السلطة، وقمع المعارضة، وأشرف على حملة اضطهاد، وارتكبت مؤسسات الدولة عمليات إعدام خارج القانون، بالإضافة إلى الاختفاء القسري لمئات المدنيين، واعتقال عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، ووصفت منظمات حقوق إنسان مستقلة هذه الإجراءات القمعية بأنها شكل من الجرائم ضد الإنسانية، ورغم هذا كله، تمسكنا باعتقادنا القائم على حل خلافاتنا السياسية من خلال الحوار لا حملات التخويف أو الإرهاب، فنحن متمسكون بمثلنا لتطوير المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية والسلمية.
نسمع من وقت طويل أن جماعات العنف (فرختها) جماعة الإخوان المسلمين، أو أنها فروع منها، وهذا أمر مضلل، ففي الحالات التي ترك فيها أشخاص جماعة الإخوان المسلمين لتبني العنف، فإنهم مضوا في هذا الطريق لأنهم لم يجدوا في فلسفتنا أو رؤيتنا أو الحركة ما يدعم التطرف، وهناك عدد كبير من هؤلاء المتطرفين -إن لم يكونوا جميعا- يعدوننا كفارا أو ساذجين سياسيين، فهذا ليس موضوعا بسيطا له علاقة بالكراهية لسذاجتنا السياسية، لكنه في الحقيقة اعتراف بأن فلسفتنا تجعل من أيديولوجيتهم المتطرفة لا قيمة لها، فحركتنا لا تقوم فقط على الاعتقاد العميق بأن المجتمعات المستقيمة أخلاقيا هي التي تزدهر، لكن الإصلاح السلمي ضمان لاستمراريتها، وكما أظهر التاريخ، فقد صمدت حركتنا في المجتمعات اللا متسامحة، والأنظمة القمعية، وجماعات التمرد العنيفة، والتقدم السريع باتجاه صدام الحضارات من المتطرفين حول العالم، فأن تنسب العنف لنا مثل أن تنسب عنف تيموتي ماكفي، الذي فجّر قنبلة مميتة في مدينة أوكلاهوما في عام 1995، للوطنية، أو كنسبة أيديولوجيات التفوق الأبيض للتعاليم المسيحية.
فجماعة الإخوان المسلمين كرست جزءا كبيرا من انخراطها في الحياة العامة لبرامج خدمات اجتماعية في المناطق الفقيرة، بما في ذلك عيادات مجانية، وبنوك طعام، ودعم أكاديمي ولوجيستي لطلاب الجامعات الفقراء، حيث ملأنا فراغا نشأ بسبب الفساد، وغياب خدمات الدولة، وغياب المجتمع المناسب.
وبإدراك متأخر، أشعر بالندم للمناورات السياسية التي خلقت مسافة بيننا والشعب الذي عشنا طويلا من أجل خدمته، وهو درس قاس من الربيع العربي، ونعترف بأخطائنا، لكن القفز من المشاورة العامة إلى الاعتقال والتصنيف الوهمي مناف للعقل، ويعبر عن قصر نظر وسابقة مثيرة للقلق.
أضف تعليقك