• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بعد إقرار البرلمان التركي للتعديل الدستوري المتضمن لمبدأ التحول للنظام الرئاسي بأغلبية 339 صوتا وهي أغلبية دون نسبة الثلثين، وبعد توقيع الرئيس أردوغان قبل أيام على مشروع القرار، باتت تركيا على موعد مع استفتاء شعبي على هذا التعديل في 16 من نيسان/أبريل القادم.

عرفت تركيا في تاريخها ستة استفتاءات على دساتير أو تعديلات دستورية أولها الاستفتاء على دستور جديد عام 1961 (بعد الانقلاب العسكري بعام) وآخرها استفتاء عام 2010 الذي أقر انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، ولعله ما جهز تركيا للحظة الحالية: فكرة النظام الرئاسي واستفتاء الناخبين عليها، وهو الاستفتاء الأهم والأخطر الذي سيغير الكثير في تركيا المستقبل.

ومع توقيع الرئيس وإعلان اللجنة العليا للانتخابات عن موعد الاستفتاء ستكون الحملات الانتخابية قد بدأت رسميا وهو ما يركز الأنظار على شركات الاستطلاع التركية لمحاولة رصد آراء الناخبين. ورغم أن الوقت ما زال باكرا للتنبؤ بالنتيجة باعتبار أن مواد التعديل الدستوري لم تحظ بعد بنقاش مدني ومجتمعي كاف وما زال الناخب سيتعرف أكثر على المواد خلال الحملات الانتخابية، إلا أن هناك ثلاثة عناوين بارزة ولافتة تطالعنا في استطلاعات الرأي التي أجريت حتى الآن:

الأول: تقدم طفيف لمعسكر تأييد التعديل الدستوري على تيار الرفض، بنسبة لا تتجاوز في معظم الاستطلاعات نسبة 55 بالمائة.

الثاني: الزيادة المضطردة مع الوقت للمؤيدين، الذين كانت نسبتهم في حدود 40 بالمائة قبل شهر أو شهرين.

الثالث: الدور البارز للرئيس أردوغان في بلورة رأي الناخبين، المؤيدين والمعارضين على حد سواء.

بيد أن شركات سبر الآراء واستطلاع الرأي التركية أثبتت في محطات سابقة ضعف أدائها وقلة مهنيتها وتأثرها بالسياسة فضلا عن حداثة تجربتها، فإذا ما أضيف لكل ذلك بعد موعد الاستفتاء نسبيا، بات من المهم النظر في السياقات التي ستؤثر في عملية الاقتراع وآراء الناخبين أكثر من محاولة توقع النتائج.

وفق هذا السياق يمكن ذكر ما يلي:

أولا: الخارطة الحزبية والفكرية. يملك شريكا مشروع التعديل الدستوري أي حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية حوالي 60 بالمائة من أعضاء البرلمان وفق الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 (49.5 بالمائة و 11.9 على التوالي)، ورغم ذلك فما زالت نتائج معظم استطلاعات الرأي دون هذه النسبة.

ولذلك عدة أسباب أهمها الاختلافات الجذرية بين الاستفتاء وبين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من حيث الفلسفة والديناميات والعوامل المؤثرة، وكون الخارطة الفكرية والمجتمعية أكثر تعقيدا من خارطة البرلمان الحزبية، والسيولة المتوقعة بين الأحزاب في المحطات الانتخابية بمعنى عدم التزام مجمل القاعدة الشعبية لكل حزب بقراره المركزي، ودور الأحزاب "الصغيرة" التي بقيت خارج البرلمان في المعادلة.

فحالة الاستقطاب الحالية في تركيا، لاسيما في ظل تصاعد الخطاب القومي، تعكس تيارين رئيسين في الشارع التركي: اليمين المتشكل من المحافظين/الإسلاميين والقوميين (الأتراك) واليسار المشتمل على العلمانيين والقوميين (الأكراد) بنسبة 65 بالمائة إلى 35 بالمائة على التوالي. بيد أن أحزابا مثل السعادة (الإسلامي) والاتحاد الكبير (القومي) تبدو مقتنعة بـ"فكرة" النظام الرئاسي ولكن متحفظة حتى الآن على "المشروع" الذي أقره البرلمان لعدة أسباب، وسيكون لهذا انعكاساته على النتيجة إن استمرا على نفس القرار حتى لحظة الاقتراع.

ثانيا: ضعف حماسة المعارضة. أدى كل من حالة الاستقطاب ونتائج استطلاعات الرأي وتاريخ حزب العدالة والتنمية في الفوز في المحطات الانتخابية إلى ضعف حماسة حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، رغم أنه سينظم حملة انتخابية وسيحاول التركيز على فكرة أن التحول للنظام الرئاسي خطر على الديمقراطية والجمهورية التركية ويؤسس لحكم الفرد.

ثالثا: حزب الشعوب الديمقراطي، الحزب الثاني الذي يعارض التعديل الدستوري نكاية بأردوغان والحزب الحاكم (رغم أنه كان من المنادين بالنظام الرئاسي سابقا) ولأن مداولات التعديل ومواده استثنته بشكل واضح، والذي يبدو منشغلا جدا بأجندته الداخلية وتوقيف عدد من قياداته للتحقيق معهم بتهم تتعلق بدعم الإرهاب، وبالتالي فهو بين قرارَيْ مقاطعة الاستفتاء وعدم الحشد له، وكلاهما يصب في مصلحة تمرير المشروع.

رابعا: مشاركة الرئيس أردوغان. لقد أعلن الرئيس التركي صراحة عن دعمه للتعديل الدستوري ودعا الشعب لنفس الموقف. إن مشاركة أردوغان الفاعلة في الحملة الانتخابية دعما للتحول للنظام الرئاسي سيكون لها وزنها على طرفي المعادلة، المؤيدين والمعارضين. لقد أظهرت دراسة لشركة (A&G) لاستطلاع الرأي أجريت مؤخرا أن 70 بالمائة من المؤيدين للمشروع يؤيدونه ثقةً بأردوغان وأن 30 بالمائة من الرافضين يرفضونه لأنه مشروعه. وبالتالي فأردوغان في هذه المعادلة ليس شخصا عاديا بل هو رقم صعب ومؤثر في المعادلة بما له من مكانة وكاريزما وإنجازات وأيضا بسبب ارتباط المشروع به باعتباره صاحبَ الفكرة والرئيس الحالي وأقوى المرشحين لاحقا.

بيد أنه من الصعوبة بمكان الجزم بمدى إيجابية أو سلبية مشاركته على النتيجة النهائية، فقد سبق له أن نزل إلى الميادين قبيل الانتخابات البرلمانية في حزيران/يونيو 2015 التي تراجع فيها العدالة والتنمية إلى 40 بالمائة، فاعتبره البعض أحد أسباب هذا التراجع ورأى آخرون أنه قلل من نسبة التراجع وأنقذ حزبه السابق من هزيمة مؤلمة.

خامسا: الحملات الانتخابية. سيبني حزب العدالة والتنمية (ومثله الحركة القومية) حملته الانتخابية على فكرة أن النظام الرئاسي قوة لتركيا وعامل استقرار لها وقد صاغ شعار "نعم، من أجل تركيا قوية"، بينما سيحذر الشعب الجمهوري (وباقي المعارضين) الناخبين من مغبة تجميع صلاحيات واسعة بيد منصب الرئاسة ومخاطر ذلك على الحياة السياسية التركية.

ورغم أن النسبة الكبرى من الناخبين الأتراك يصوتون تقليديا تبعا لانتماءاتهم السياسية، إلا أن نسبة مهمة منهم سيعتمد قرارها على مدى قدرة أحد الطرفين على إقناعها بوجهة نظره من خلال عرض وتحليل المواد الـ 18 في التعديل الدستوري، خصوصا أن نسبة 15 بالمائة تقريبا من الناخبين تبقى - تقليديا - مترددة في قرارها حتى الأيام الأخيرة وهي المرشحة لحسم النتيجة. ولعل حالة الطوارئ والأوضاع الأمنية في البلاد، إضافة لطبيعة الاستفتاء ومواد التعديل ستفرض حملة انتخابية مختلفة هذه المرة، سيكون فيها للقاءات التلفزية ووسائل التواصل الاجتماعي ثقلٌ أكبر فيها.

سادسا: الاقتصاد والأمن. وهما العاملان الأهم في التأثير على رأي الناخب ولطالما لجأت لهما الأطراف الراغبة في التأثير على رأي المواطن، خصوصا الأوضاع الاقتصادية. ولعل الظروف الراهنة التي تمر بها تركيا اقتصاديا وأمنيا تزيد من أهمية هذين العاملين والتطورات المتعلقة بهما حتى يوم الاستفتاء.

اختصارا، هذه سياقات عامة مهمة جدا في المشهد التركي الداخلي وستكون مؤثرة بشكل مباشر وغير مباشر في بلورة رأي الناخبين وعملية الاقتراع في 16 نيسان/أبريل. وسنعود في مقالات قادمة إلى تفصيل أكبر فيها وفي تفاعلاتها وتأثيراتها إضافة لاستطلاعات الرأي وسير الحملات الانتخابية سعيا لاستشراف أدق للعملية الانتخابية ونتائجها المتوقعة التي ستلقي بظلالها بشكل كبير على "تركيا الجديدة" على مدى سنوات طويلة قادمة.

أضف تعليقك