في الوقت الذي يلقى فيه عدد من الشباب مصرعهم في نويبع، بسبب الطرق المتهالكة، التي لا تتوافر لها أدنى معايير الأمان والسلامة، وفى الوقت الذي يَقتل فيه عسكر كامب ديفيد شابا ووالدته بسقوط قذيفة على منزلهم، ويقتلون راعية للغنم تبلغ من العمر 47 عاما، وأما لثلاثة أطفال، دون ذنب أو جريرة، وفى الوقت الذي تمر علينا ذكرى عبارة السلام الدامية، والتي راح ضحيتَها 700 شهيد، دون أية مساءلة قانونية لمالك العبارة، ولا لنظام المخلوع آنذاك.. بعد هذا كله تستمر الملهاة!
أحد خطباء الفتنة والضلال يطالب الشباب المصري بأن يقتدي بعصام الحضري، حارس مرمى المنتخب الوطني، ويجب عليهم أن يحذوا حذوه، بدلا من أن يطالبهم بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين!
فالحضري الذي يدعونا هذا الأفاك للاقتداء به واقتفاء أثره، هو الذي صرح لصحيفة اليوم السابع الانقلابية قائلا: إنه وجميع أفراد أسرته أدلوا بأصواتهم لقائد الانقلاب العسكري، بدعوى أنه الأقدر على قيادة مصر في الفترة المقبلة، وأنه الرجل الذي أنقذ مصر من دوامة الضياع مع الإخوان!
فماذا يعرف الحضري عن الإخوان المسلمين، سوى أنه لا يستغنى عن لعق بيادة العسكر! قد لعب الإعلام الانقلابي دورا مهما، بتغييب الشعب وتضليله وصرفه عن مشاكله الحقيقية، وتزييف وعيه بصرفه إلى هذه التفاهات.
فقد أكد متصل لمخبر أمن الدولة وائل الإبراشي، قائلا: إن العديد من أصدقائه أصيبوا بارتفاع ضغط الدم ودخلوا العناية المركزة بعد خسارة المنتخب المصري! ويقول: أنا اللي مزعلني حاجة واحدة، يا أستاذ وائل إني لقيت ناس عند مجلس المدينة، ناصبين دي جي ومستعدين يا عيني أنهم يعملوا سهرة للصباح الباكر، زي ليلة ما قائد الانقلاب أذاع بيان 3 يوليو، وعزل الرئيس مرسي، هم كانوا عايزين يعملوا احتفالية للصبح، ده اللي مزعلني، خاصة منظر الشباب وهما راجعين، لا حول ولا قوة إلا بالله! إن الله لا يصلح عمل المفسدين.
ومما لا شك فيه أن من حق الذين فوضوا ورقصوا أمام اللجان، أن يفرحوا أو يحتفلوا بطريقتهم، لكن أن تتسبب مباراة في كرة القدم في كل هذه المآسي، وهذا الحزن، ولا يتأثر هؤلاء لما يرونه من الغلاء الجنوني للأسعار، وتفشى حالات الفقر، وانتشار الأمراض، ودمار التعليم وخراب البلاد، وإذلال العباد بقمع الحريات والاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون، والتوسع في بناء السجون والمعتقلات، ونسيان ما يحدث في سيناء، والانهيار الاقتصادي، وينشغلون بالكرة كما لو كانت من ضروريات الحياة فهذا هو السفه بعينه!
فالعسكر الذين سلبوا حرية الشعب، وسرقوا أمواله وباعوا أرضه، ونهبوا خيراته، وحاصروا غزة وأغرقوها بماء البحر، إرضاء لأسيادهم الصهاينة، ودعموا حفتر والحوثيين وبشار والحشد الشعبي، واعتبروا أن كل من عارضهم من أهل الشر، وخونةً وعملاء لتركيا وقطر وليس لديهم وطنية! وهل الوطنية في نظر هؤلاء هي ارتداء تيشرت المنتخب كما فعلت برلمانية الغبرة، وكما فعلت الراقصة صفيناز التي ارتدت علم مصر وهى ترقص، مع العلم أن كل باعة الأوطان والمرتزقة، هم من أدعياء الوطنية الزائفة، الذين يهتفون بحب الوطن، وحياة الزعيم الملهم!
كما أن الشعب الذي حزن لهزيمة فريقه في مباراة لكرة القدم، ولم يحزن على قتل واختطاف واعتقال وتشريد وظلم الشباب دون وجه حق، فهذا شعب مغيب مضلل، غيبه الإعلام العكاشي، فنسي الشعب المسكين أن بلاده هزمت عسكريا، ولم تحقق نصرا واحدا طوال تاريخها، منذ أن اغتصب العسكر حكم البلاد في عام 1952، وهزمت مصر سياسيا، باتخاذها مواقف مؤيدة للكيان الصهيوني في كثير من القضايا، والتصويت لصالح الكيان الصهيوني في أكثر من مناسبة، كما هزمت مصر ديمقراطيا، يوم أن داست بيادة العسكر على اختيار الشعب، وسطت على إرادته، والانقلاب على الرئيس المنتخب بإرادة شعبية، وهزمت مصر في منظومة التعليم باحتلالها المرتبة 139 على مستوى 140 دولة، وهزمت مصر في مجال الحريات وسيادة القانون ومستوى الشفافية، ومكافحة الفساد، كما هزمت في مجال الحريات، وانتهاك حقوق الإنسان، وهزمت اقتصاديا يوم أقامت مشروعات فنكوشية، ويوم أن أعادت إليها الدول صادراتها الزراعية لأنها تحتوى على فضلات بشرية!
لكن الطريف أن الشعب المغيب لم يحزن لكل هذه الهزائم، لكنه حزن على ضياع بطولة، كان سيستخدمها النظام الانقلابي لتبييض وجهه وغسل سمعته، والاستمرارية في الظلم والقهر والطغيان لسنوات، وخيَّم الحزن على الشارع إثر الهزيمة، وظهرت علامات الصدمة على وجوه المواطنين عقب المباراة، وغادر بعضهم قبل نهاية المباراة، بعد أن فقدوا الأمل في انتزاع الكأس، وسار الناس في الشوارع، وهم يبكون؛ حزنا على الهزيمة!
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم!
لكن الإعلام الانقلابي حاول جاهدا التخفيف من وطأة صدمة الهزيمة على المصريين، وأبرز الهزيمة كما لو كانت نصرا يدعو للسعادة والفخر، وقال أحد مطبلاتية الإعلام الانقلابي: ما تلزمناش بطولة إفريقيا خالص، أنا يهمني كأس العالم، أمم إفريقيا بطولة ماسخة باردة ودون جماهير، وملاعبها سيئة"، وإن التفاف الشعب حول المنتخب ده حب الوطن، وده مكسب عظيم! (طبعا كما التف الشعب من قبل حول بلحة!)
وها هي البطولة الإفريقية قد انتهت، وخرجت مصر خالية الوفاض، وعلى الشعب أن يعود من غده لطوابير العيش والغاز والرز والسكر والزيت، وغلاء الأسعار وارتفاع فواتير الكهرباء، والجري واللهث خلف سيارات عسكر كامب ديفيد للحصول على كراتين المساعدات التي يقدمونها لشعب جيشهم الشقيق!
أضف تعليقك