• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يصلي المسلمون جمعة جامعة في مطار جون كيندي الدولي في نيويورك بتصريح وموافقة رسمية من سلطات المطار وسلطات الأمن طبعا، كانت الصلاة الجامعة في ساحات المطار ردا لاعتبار المسلمين الذين وضعتهم إدارة الرئيس الجديد ترامب في دائرة المشتبه بكونهم إرهابيين فعليين أو إرهابيين محتملين، بينما تحركت الجموع الأمريكية الغفيرة من كل الطبقات في وقفات وتظاهرات دفاعا عن المسلمين، وتبارت المنظمات الحقوقية والمحامون الأمريكان في الدفاع المجاني عن المسلمين وحقهم في دخول البلاد والمكوث بها. 

وهكذا بلغ التضامن الشعبي مع المسلمين مبلغا لم يبلغه في غالبية بلاد الإسلام ذاته. هي صورة تبدو جديدة، أو تبدو مفاجئة لنا كمسلمين حيث لم نعتد من الغرب إلا القهر والضرب والاستعمار لبلداننا ونهب خيراتنا، وبالتالي فإن هذه الصورة الجديدة تدفعنا لإعادة تقييم مواقفنا الانطباعية عن الشعب الأمريكي والشعوب الغربية عموما، إذ كنا نضع الجميع في سلة العداء لنا، وتصاعدت مع الوقت كراهيتنا لهم دون تمييز يذكر بين صالحهم وفاسدهم، ووصل الحال ببعض المنتمين لمنطقتنا لارتكاب جرائم إرهابية بحق تلك الشعوب دون تفرقة في عقر دارهم، أوقعت قتلى وجرحى وتركت مرارات في النفوس. 

كان من المتوقع أن تحشد كل تلك الشعوب ضدنا، لكن لأنها شعوب واعية فقد ميزت بين مرتكبي الجرائم الإرهابية وبين عموم المسلمين، وهب قطاع واسع من تلك الشعوب دفاعا عنا في مواجهة حكامهم وفي مواجهة مجموعات إرهابية ومتطرفة وعنصرية أيضا.

ما الذي ينبغي على المسلمين فعله تجاه تلك الهبة المجتمعية الأمريكية الغربية الرافضة لظلمهم وتشويههم، والتي مكنتهم من الصلاة لأول مرة في التاريخ في أحد أكبر المطارات الأمريكية والعالمية؟

لست في مقام المعلم لمسلمي أمريكا الأكثر فهما لمجتمعهم والمجتمعات الغربية عموما، ولكنها مجرد خواطر قد يكون بعضها مقبولا أو قد يكون بعضها مرفوضا، أو ناقصا فيستكمل، ولأننا كسملين أمرنا شرعا أن نرد التحية بأحسن منها، فإن رد تحية هذه الجماهير الأمريكية ينبغي أن يكون قويا وواضحا، وهنا اقترح تشكيل وفود لزيارة المنظمات الحقوقية والمحامين الأمريكان الذين أعلنوا تطوعهم للدفاع مجانا عن المسلمين المضارين، وللشركات والهيئات التي أعلنت دعمها للمسلمين وتقديم التحية الواجبة لهم، وتوثيق العلاقات معهم للاستفادة من هذه العلاقات مستقبلا، كما أن من المناسب أن تقوم وفود شعبية مسلمة أيضا بزيارات رمزية لبعض عائلات ضحايا برجي مركز التجارة وتقديم الاعتذار لهم عما ارتكبه بعض أبناء جلدتنا بحقهم، وربما تكون نفوس تلك الأسر الآن أكثر هدوءا، وأكثر استعدادا لاستقبال تلك الوفود على عكس حالتها من قبل، وأن يتكرر الأمر ذاته في عواصم غربية أخرى. 

ومن المناسب أن تقوم وفود برلمانية عربية وإسلامية بزيارة أعضاء الكونجرس ( وبعض البرلمانات الغربية الأخرى) الذين أعلنوا دعمهم للمسلمين، وان تقوم رموز إعلامية إسلامية بزيارة المؤسسات والمنظمات الإعلامية التي وفرت دعما إعلاميا للمسلمين أيضا، وأن تقوم وفود فنية بزيارة الفنانين الأمريكيين الذين أشعلوا دعوات التظاهر ضد ترامب، وكانوا في طليعتها، في موقف يقدم درسا مهما لنظرائهم في منطقتنا الذين ارتموا في أحضان الحكام المستبدين بدعاوى كاذبة وهي الخوف من الإسلاميين الذين لم يفعلوا لهم شيئا خلال عام من حكمهم.

صحيح أن موجة التعصب تعالت في الولايات المتحدة والغرب عموما، وأنتجت ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وتعد بإنتاج أكثر من ترامب في دول أخرى، كما أنها أنتجت عمليات حرق وتدمير لبعض المساجد والمراكز الإسلامية، لكن الصحيح أيضا أن موجة من الوعي العام تصاعدت في مواجهة ذاك التعصب، وقد رأينا أحدث تجلياتها في الرد على قرارات ترامب بحظر استقبال مواطني 7 دول إسلامية، وتهديدات رجاله بتوسيع دائرة الحظر لتشمل دولا أخرى ربما من بينها مصر والسعودية، وكان ذاك الرد قويا في المدن الأمريكية والعواصم الغربية الكبرى، وكان طبيعيا أن يلتحق المسلمون في تلك الدول بهذه التحركات، ومن الطبيعي أيضا أن يصبحوا جزءا من هذا الحراك الدولي وجزءا من هذا التيار الدولي الرافض للظلم والاستعلاء في مواجهة تيارات التعصب والكراهية.

هذه لحظة تاريخية تدفعنا كشعوب مسلمة إلى إعادة النظر في تصنيفاتنا للغربيين وحساباتنا السياسية بحقهم، وتدفعنا للتمييز بين من يحترم قيم العدل والمساوة والديمقراطية الحقة منهم، ومن لا يحترم تلك القيم، ويركلها بقدميه، ويبذل ما في وسعه لإيذاء الآخرين المختلفين معه في دينه أو عرقه أو حتى لون بشرته، والتمييز بين حكومات تحركها مصالح اقتصادية وقطاعات من الشعوب الغربية تحافظ على قيمها الديمقراطية والإنسانية، وقطاعات أخرى تحكمها النزعات العنصرية المتطرفة.

ليس انبطاحا، ولا تراجعا عن المبادئ التحرك صوب هذا التيار الشعبي الغربي الرافض للظلم والعدوان والكراهية، والعمل معه يدا بيد لدعم هذه المبادئ الإنسانية العظيمة، وليس حماقة التمييز بين المنصفين لنا والمعتدين علينا، وليس غباء سياسيا بناء شراكات قوية مع الجماعات والهيئات الغربية التي قادت وحشدت لتلك التظاهرات المناهضة للعنصرية الجديدة، بل هي الكياسة والفطنة بعينها أن توسع دائرة أصدقاءك وحلفاءك الذين يشاركونك الكثير من القيم والمبادئ، والذين يمتلكون الكثير من أدوات التأثير، ومن خلال هذه العلاقات والشراكات العالمية الجديدة يمكننا تغيير الكثير من معادلات الصراع المحلية والإقليمية والدولية لصالح قضايانا العادلة.

أضف تعليقك