للحقيقة وجوه كثيرة

ولا تعبر الواجهة الواحدة عن البناء ... وقد تنظر إلى واجهة البناء من ناحية . فيظهر لك البناء ببعد وشكل قد لا يعجبك .. ثم تنظر من الواجهة الأخرى فترى بعدا مختلفا تماما ويظهر لك البناء بصورة أخرى وأبعاد أخرى قد تبدوا لك رائعة ومبهرة . ماذا حدث والمبنى هو المبنى لم يتغير فيه شيء إلا زاوية الرؤية .

.

وحتى الواجهات الأربعة مجتمعة لا تستطيع أن تصف لك البناء وصفا جيدا . فلا تستطيع أن تصف لك قوة البناء ومتانته . فهنا لا بد من قطاعات رأسية تصف أبعاد الأساسات وارتفاعها والسملات والكمرات وقطاعاتها والسقف والعزل . ليكون التقييم أقرب إلى الحقيقة .

وتنظر إلى البناء من أعلى فلا يظهر لك إلا شكلا مستطيلا مبهم لسقف خرسانى ودروة لا تظهر أي تفاصيل. وهو هو نفس المبنى .

فإذا أردت استطلاع التفاصيل فأنواع أخرى من اللوحات للتصميم المعمارى وتقسيمات الأدوار والشقق وأماكن الأبواب والأعمدة وقد تكون كل شقة مختلفة عن الأخرى وقد يكون كل دور مختلفا عن الأخر حسب وظيفته مع أنه نفس المبنى ونفس المصمم ونفس المنفذ .

أما أذا أردت مزيدا من الاستطلاع أو أردت شراء المبنى ودفع المال فعليك أن تدخل البناء لتعرف التفاصيل . أبعاد الصالات والغرف والحمامات والسلالم ومرونة الحركة . أنواع البلاط وألوان الغرف ومستوى التشطيب. فتستطيع التقييم جيدا والتحقق من سلامة التخطيط ومناسبته للهدف .

والقصد أن للحقيقة وجوه كثيرة ربما تكون كلها صحيحة . لكن كل منها منفردة لا تعبر عن نظرة شاملة يمكن التأكد والاعتداد بها واتخاذ القرار المناسب على أساسها ..

والحقيقة أيضا أن أغلبنا ينخدع بالواجهة والطلاء والدهان الذى قد يخفى عيوبا فى الروح أو تآكلا فى الأخلاق أو صدأ فى القلوب ..

والحقيقة أن بعضنا قد يحكم على الناس من مجرد وصف فرد أو لقاء واحد . مع أن الأمر يحتاج إلى فحص ومعاينة ونظرة من مختلف الجوانب ودخول الى أعماق القلوب ومحتوى العقول ليكون الحكم جيدا .

والحقيقة أن المبانى كالكائنات الحية ككل شيء فى الدنيا . لها مظهر وجوهر وعندها الحسن والقبيح فمن غلبت حسناته سيئاته فهو حسن . أما إن أردت حسنا خالصا أو قبحا خالصا فلن تجد .

تلك سنة الحياة على الأرض وذلك هو الإنسان . لا ملائكة هنا ولا شياطين .

فلا تنظر للأمور من زاوية واحدة فتقيم وتتخذ القرار على أساسها . ولا تحكم على شخص ولا حزب ولا جماعة من مجرد حسن الكلام أو رأى الإعلام أو نظرة عابرة.

*مهندس مدني