لم يخف الرئيس الأمريكي الجديد عداءه لجماعة الإخوان المسلمين مذ قدم نفسه مرشحا رئاسيا قبل عدة شهور، وهو العداء ذاته الذي يحمله مساعدوه، وهم يتحركون الآن بعصبية لوضع هذه القناعة موضع التنفيذ الفعلي عبر دفع مجلسي النواب والشيوخ للمسارعة باتخاذ قرار بتصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية مستندين إلى خطوة أولى بدأتها اللجنة القضائية في مجلس النواب في فبراير شباط من العام الماضي بهذا الشأن.
وقد وصف وزير الخارجية الأمريكي الجديد ريكس تيلرسون الإخوان، خلال جلسة التصديق على تعيينه في مجلس الشيوخ، بـ "أنهم بوق للإسلام المتشدد"، وأبدى مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل فلين رغبته في إدراج جماعة "الإخوان" على قائمتي وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
كما أن أحد المستشارين لترامب وهو وليد فارس المحلل السياسي في قناة فوكس نيوز أوضح أن "ترامب يرى أن الإخوان المسلمين من أخطر الجماعات التي تغذي الفكر المتطرف. لذا، فهو يريد توجيه ضربة عسكرية للتنظيم الإخواني وليس احتواءه سياسيا، مثلما فعل أوباما وهيلاري كلينتون".
كلمة الإسلام المتشدد التي وردت على لسان وزير الخارجية الأمريكي الجديد لا تعني أن كراهية ترامب وفريقه هي فقط للمتشددين الإسلاميين، بل إن الواضح من جملة خطابهم أنهم يقصدون الإسلام عموما، وهي الرؤية ذاتها التي تتصاعد الآن في الغرب ويقودها اليمين المتطرف الذي يزحف نحو قصور الحكم، وبالتالي يمكننا فهم موقف ترامب من الإخوان باعتباره جزءا من عدائه للإسلام والمسلمين عموما، وليس فقط ضد بعض حركات الإسلام السياسي.
يتحرك ترامب بنوازعه العنصرية سريعا لتحقيق رؤاه في القضايا الداخلية والخارجية، وقد وقع الأربعاء الماضي مرسوما يطلق مشروع بناء الجدار على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وهو الوعد الأكثر رمزية خلال حملته الانتخابية، وهو مارد عليه الرئيس المكسيسكي بتأجيل زيارة مقررة للولايات المتحدة.
كما وقع ترامب الجمعة سلسلة من الأوامر التنفيذية تحظر اللاجئين والزائرين من عدة جنسيات إسلامية، وهي السوريون (باستثناء المسيحييين) واليمينيون والليبيون والعراقيون والإيرانيون والصوماليون والسودانيون.
لكن ترامب لا يستطيع أن يتحرك بالسرعة ذاتها في ملف الإخوان المسلمن لما لهذا الملف من تعقيدات كانت تدركها كل الحكومات الأمريكية السابقة، كما يدركها الكثيرون في دهاليز السياسة الأمريكية الحالية خاصة في وزارة الخارجية والمخابرات والمراكز البحثية، فحتى تستطيع إدارة ترامب أن تنفذ أي قرار بشأن تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية عليها أن تقدم أدلة مقنعة بارتكاب الإخوان لجرائم إرهابية وهو ما تعجز عنه حتى الآن، وهنا نتذكر كلمات السفيرة الأمريكية آن باترسون مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، التي قالت خلال إفادة أمام إحدى اللجان الفرعية بمجلس النواب في نيسان/إبريل الماضي، إن موقف الإدارة الأمريكية ووزارة الخارجية لسنوات عدة يتمثل في أن جماعة الإخوان ليست منظمة إرهابية، وأن الإخوان رفضوا العنف قبل أعوام عديدة، كما أنهم يمثلون أحزابا سياسية تحظى بالشرعية في العديد من دول الشرق الأوسط.
قد يقول البعض إن وزير الخارجية الأمريكي المتطرف الجديد سيحاول تقديم أدلة تثبت تورط الإخوان في حالات عنف يستقيها من صديقه عبد الفتاح السيسي وأجهزته الأمنية، وهذا صحيح ولكن تلك الأدلة ستخضع لنقاش عميق داخل الكونجرس وفي وسائل الإعلام الأمريكية التي ستثبت ضحالتها، وكيديتها على الأرجح، ومما يرجح هذا التصور هو حالة العداء التي صنعها ترامب مع الإعلام الأمريكي والتي تتصاعد يوما بعد يوم.
كما أنه بموازاة روح العنصرية والتعصب التي صعدت مؤخرا وأوصلت ترامب إلى السلطة فإن هناك حالة من عودة الوعي إلى المجتمعات الغربية بخطورة هذه الروح اليمينية العنصرية على الأمن والسلم الدوليين، وعلى استقرار المجتمعات الغربية ذاتها، وقد تمثلت تلك الحالة في مظاهرات عارمة عمت المدن الأمريكية والكثير من المدن العالمية الكبرى ضد ترامب، وهنا نذكر تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت التي لوحت بتسجيل نفسها كمسلمة إذا أصر ترامب على المضي قدما في سياساته العنصرية.
ليس خافيا أن نظام السيسي يتحرك بقوة دوليا لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، وذلك في إطار حربه المفتوحة والصفرية ضد الجماعة، وهي الحرب التي أدرك أنه غير قادر على حسمها بمفرده فيريد أن يورط المجتمع الدولي معه فيها، وخلال الأسبوع الماضي تعرض رجاله لهزيمتين متتاليتين في هذا المسعى، كانت أولاها في البرلمان الأوربي الذي زاره وفد من نواب برلمان السيسي بهدف إقناع الأوربيين بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية وهو الطلب الذي قوبل بالتجاهل نظرا لمعرفة الأوربيين لحقيقة الأمور في مصر، ولأن البرلمان الأوربي نفسه سبق أن أصدر تقريرين شديدي اللهجة ضد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر على يد حكومة السيسي وأجهزته الأمنية، وكانت الهزيمة الثانية في باماكو عاصمة مالي خلال اجتماع اتحاد برلمانات الدول الإسلامية حيث حرص وفد السيسي على تضمين البيان الختامي قرارا باعتبار الإخوان جماعة إرهابية وهو ما تصدت له وفود العديد من الدول الإسلامية وكانت البداية من الوفد الجزائري، وأحبطت هذا المسعى وسط دهشة نواب السيسي.
ولا يفوتنا في هذا الإطار التذكير بنتائج التحقيقات البريطانية التي ترأسها السفير البريطاني السابق في المملكة السعودية السير جون جينكينز والتي خلص فيها إلى أن جماعة الإخوان المسلمين لا تمثل تهديدا أمنيا حقيقيا، ورفض الإلحاح الخليجي بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية رغم المليارات التي وعدت بها تلك الدول الخلجية بريطانيا، ورغم أن هذا التقرير لم يصنف الإخوان كجماعة إرهابية إلا أنه تعرض لنقد شديد داخل مجلس العموم البريطاني لاحقا باعتباره ناتجا ضغوط خليجية على السياسة البريطانية.
لا يبدو الأمر سهلا أمام ترامب وإدراته لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، ولكن ذلك لن يحول دون اتخاذ سياسات أكثر تشددا تجاه الجماعة، ولا دون مزيد من الدعم لخصمها الأكبر وهو عبد الفتاح السيسي الذي ينظر لترامب باعتباره المنقذ له ولحكمه، لكن هيهات فالشعب حين يتحرك لا يعرف ترامب ولا مساعداته، ولنتذكر أن الإدارة الأمريكية السابقة ظلت متمسكة بمبارك حتى اللحظات الأخيرة لكنها لم تستطع أن تصمد في وجه ثورة الشعب.
أضف تعليقك