لأن "القرعة تتباهى بشعر ابنة أختها"، كما قالت العرب، فإن النظام الانقلابي في مصر استدعى الحالة الأمريكية الراهنة لتدعيم موقفه!
لقد خرجت المظاهرات ضد الرئيس الأمريكي "ترامب"، في سابقة هي الأولى من نوعها، وبدت الجماهير التي قصرت في حق نفسها فلم تذهب للانتخابات، في يقظة متأخرة وقد ذهبت السكرة وحلت الفكرة، فبظهور نتيجة الانتخابات وإعلان فوزه، شعر الأمريكيون أن مجنونا ومختلا عقليا في طريقه للبيت الأبيض!
وعليه فقد وجد النظام الانقلابي في مصر فيما جرى فرصة لإثبات أن الانتخابات ليست كافية لمنح الشرعية، فقد تحسس السيسي بطحته، وكذلك من شاركوا في الانقلاب على الرئيس المنتخب، وتم توظيف المظاهرات في منح شرعية لتلك المظاهرات التي خرجت في يوم 30 يونيو 2013، لعزل الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي!
القيادي السابق بالحزب الوطني المنحل، حسام بدراوي، قال إن ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية من مظاهرات ضد "ترامب" دليل على جواز إسقاط الرئيس المنتخب بالمظاهرات!
الهدف هو إعطاء شرعية لتجمع 30 يونيو، ولإسقاط الدكتور محمد مرسي، كما لو كانت المظاهرات قد أسقطت "ترامب" فعلا، مع أن هذا لن يحدث، ولن يكون لهذه المظاهرات بمرور الوقت قيمة إلا لإشعار "ترامب" فعلا بأنه مريض نفسي وأن سياساته المجنونة ستواجه بالرفض الشعبي، ولا شيء أكثر من هذا!
وفي المقابل، فإن الانقلابيين في مصر وقد شاهدوا التعامل الخشن من قبل الشرطة الأمريكية مع المتظاهرين، فقد وجدوا في هذا شرعية للتعامل الإجرامي للشرطة المصرية مع المتظاهرين، وقد شاهدنا عنف المظاهرات الأمريكية، في حين أن مظاهراتنا ترفع غصن الزيتون، كما أن الشرطة الأمريكية لم تسقط قتلى من جراء تفريقها للمظاهرات. ولا يجوز بأي حال من الأحوال استدعاء عنف الأمن الأمريكي لتبرير ما يحدث في مصر!
فالمتظاهرون ضد "ترامب" لم يطلب منهم استخراج تصريح بالتظاهر من وزارة الداخلية، فتخالف الوزارة القانون بالامتناع عن استلام الإخطار بالتظاهر، وعندما تعيها الحيل وتستلمه تكون قد أعدت العدة، بتوريط القضاء في إصدار حكم منعدم بإلغاء المظاهرة وبالمخالفة للقانون، ولحكم المحكمة الدستورية العليا، الذي قضى بعدم دستورية النص على اشتراط موافقة الداخلية على الإخطار!
ثم إن الشرطة الأمريكية مع عنفها المدان، لم تتورط في عملية قتل المتظاهرين، كما يحدث في المظاهرات المصرية، ولم تواجه الرافضين لترامب باستخدام الرصاص الحي، ولم ترتكب مجازر كما فعل القوم في مصر، والذين لم يتوقفوا عند قتل المئات من المتظاهرين السلميين، وإنما أضرموا النار في الجثامين!
وقبل هذا وبعده، فإن المظاهرات الأمريكية هي ضد حاكم منتخب، ولم تعمل على إسقاط الرئيس بقوة السلاح، لأن وزير الدفاع الأمريكي لن يعلن أنه نزل استجابة لطلب الجماهير، ليعلن وقف العمل بالدستور، وحل البرلمان، واختطاف الرئيس المنتخب، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا، وهو ما حدث من وزير الدفاع المصري!
ثم إن التعامل العنيف من قبل الشرطة ضد المتظاهرين، لا يصلح تبريرا لما جرى في مصر، لأن الشرطة الأمريكية تحمي إرادة الناخبين، وتدافع عن الشرعية التي يمثلها الرئيس المنتخب، والسيسي هو قائد عسكري منقلب، لم ينجح في انتخابات طبيعية، وما كان له أن يكون رئيسا ولو لحي من أحياء العاصمة المصرية، لو لم يغيب الأغلبية من الشعب المصري، ولم لم يخض الانتخابات على قواعده؛ فلا ناخبين ولا مرشحين منافسين!
وعندما نشاهد عنف الشرطة الأمريكية مع المتظاهرين، فإن هذا لا يعطي شرعية لعنف الشرطة المصرية ، وإنما ينزع منها الشرعية لأنها لم تحم شرعية الرئيس المصري المنتخب كما تفعل الشرطة الأمريكية!
لقد اعتبر الغوغاء والذين في قلوبهم مرض، أن من الديمقراطية أن يستبيحوا القصر الجمهوري في مصر، وأن يحاصروه ويحاولوا الفتك بالرئيس المنتخب، وأن أي تصدي لهم إنما يمثل جريمة ضد الحريات، وانظر ما فعلوه مع "حمادة المسحول" الذي كان يتظاهر بمقابل عند قصر الاتحادية وعندما اعترضت الشرطة طريقه، تباكي القوم على الحريات المهدرة، وهم أنفسهم الآن الذين يستدعون خشونة الشرطة الأمريكية لتبرير ما يحدث في مصر!
فلا الشرطة الأمريكية تقتل المتظاهرين، ولا المتظاهرون طالبوا باستدعاء الجيش لعزل الرئيس المنتخب. ولا "ترامب" هو "السيسي"، إلا من حيث كونهما يحملان الجينات ذاتها التي كان يحملها الأخ العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية!
إنها "القرعة تتباهى بقصة ترامب"!
أضف تعليقك