• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

تحت لافتة “حماية الوحدة الوطنية” وبدعوى مواجهة ” الفتنة الطائفية” جمع السادات، كل من قال له: “لا” من اليمين، واليسار، المسيحي ،والمسلم، الليبرالي، والشيوعي، الناصري، والأخواني، وزراء قبل الثورة، ووزراء عبد الناصر، ووزراء من عهده، وأبرزهم الراحل عبد العظيم أبو العطا “وزير ري السادات” الذي مات في سجن طره بعد أيام من قرارات سبتمبر، علي نفس السرير الذي قضيت فيه أربع سنوات من الإعتقال في عهد مبارك.
في مناخ التخليط، والإلتباس، والتحريض، وغياب روح القانون، والعدل، والعقل يضع الحاكم خصومه في سلة واحدة، ويشعل النار في الجميع، بدعوى مواجهة ” المؤامرة ” بينما هو في الحقيقة، يتآمر علي نفسه، ويخط بيده – أحياناً – شهادة وفاته.
لا أعرف – تحديداَ- من له المصلحة في إستدعاء هذه الأجواء السبتمبرية، بذلك الحكم الصادر من محمد أنور” السيسي ” الذي يبدأ به السيسي عام 2017، ما ختم به السادات حياته في 1981.

رب سائل يسأل؟ – وله الحق – وماذا يزعجك، من صدور قانون عنوانه وغايته، مواجهة الإرهابيين، والمنظمات الإرهابية؟!.
وإجابتي بوضوح، ان الضمير الوطني، لا يستطيع أن يستقبل ظاهرة تنامي العنف في مصر، دون أن يستشعر قلقاَ عميقاَ، إيذاء المدي المؤسف الذي بلغته، خصوصاَ في تطورها الأخير، في صورة الفعل، أو رد الفعل.
وأحسب أن موقفي الشخصي- والحزبي – كان دائماَ شديد الحسم، والوضوح، في إدانة كافة أشكال ودعاوي، وصور الإرهاب، رافضاً مبدأ إستخدام العنف المادي، أو حتي الفكري، لحسم أي خلاف سياسي، مساوياَ بين الدم المصري – فكله حرام – ومديناَ للعنف المؤسسي، أو الفردي، في كل الوقائع التي شهدتها مصر مؤخراَ.
فلم يكن أبدأَ موقفي يوماَ، متناقضاَ، مع مرجعيتي السياسية، والفكرية،”الليبرالية”، التي تؤمن دائماَ أنه لا بديل عن التسامح السياسي، عنواناَ، وقيمة، والحوار منهجاَ، والتعايش السلمي غاية.
وليس سرأَ، أو خافياَ، أنني لم أنتمي، أو أنضم في حياتي لأي فريق، أو تجمع، أو كيان، ينتهج، أو يتبني نهجاً مخالفاَ، للقيم السابقة، منذ إنخراطي في العمل العام – 35 عاماً – وللآن.. سواء داخل أو خارج بلدي.
ولكل ما سبق- ومن حيث المبدأ – لست ضد أي عمل قانوني، أو سياسي، يستهدف محاصرة أسباب الإرهاب، المدان، والمرفوض بشكل مطلق، ومقطوع به، أياً كان شكله، أو صوره، أو مصدره.

ولماذا إذن أرفض- كقانوني وسياسي – القانون الصادر برقم 8 لسنة 2015، والحكم الصادر إستناداً له بشأن الأشخاص، والمنظمات الإرهابية؟!
ولكن كيف لى أن أقبل أن ألغى عقلى وأتصور أن محمد أبو تريكة هو إرهابى استطاع أن يخدع العالم كله طوال عقود مُخفياً حقيقته التى كشفها الحكم المؤسف..
كيف أصدق أن أبو العلا ماضى وعصام سلطان إرهابيين ضالعين في دماء المصريين، أو عمرو دراج أو يحيى حامد أو إيهاب شيحة أو اليسارى أحمد حسن الشرقاوى أو الكاتب قطب العربى، أو الإعلامى هيثم أبو خليل، أو القاضى وليد شرابى، أو العالم عصام تليمه، أو المهندس أيمن عبد الغنى أو والدة المهندس حاتم عزام ذات السبعين عاماً في خدمة الدولة في وزارة المالية .. أو كل الأسماء التى وردت ومعظمها أعرف أن علاقته بالإرهاب الوحيدة أنه ضده، أو ضحية من ضحاياه.
كيف لى أن ألغى عقلى وأقبل هذا الهزل في موضع الجد، كيف أن أقبل حكماً يشمل أموات وأطفال وأشخاص لا صله لهم بالعمل العام – أصلاً – كيف يكون مثل هذا الحكم عنواناً للحقيقة؟‼
الحقيقة أننا أمام صورة فجة، من صور العمل القانوني المعيب، بكافة أشكال العوار، والشطط، والنزق، والأنحراف بسلطة التشريع، والتأشير بها، عكس خط السير.
أُوجز المفاسد، والمآخذ، والمطاعن، والشبهات، حول هذا القانون في النقاط “السبع” الآتية :-

فقد أدخل البرلمان المصري، في 18/7/ 1992، القانون لسنة 1992، الذي عالج بتوسع الجريمة الإرهابية، من خلال تعديل في قانون العقوبات، واَخر في قانون الإجراءات الجنائية، واَخر في قانون محاكم أمن الدولة، واَخر في قانون سرية الحسابات بالبنوك، واَخر في قانون الأسلحة والذخائر- وغيرها –
وعرف الإرهاب، والجريمة الإرهابية في المادة المضافة رقم 86 من قانون العقوبات، بصورة لم تخلو من التوسع، وهو ما ينتفي معه مبرر العجلة، من الإحتياج لتشريع جديد للإرهاب، يصدر بقرار بقانون، – وليس بقانون – عبر البرلمان سلطة التشريع، وصاحبة الحق الأصيل فيه.. حتى ولو كانت أقرته ضمن أكثر من 400 قانون في ساعات إنعقاد هذا المجلس الأولى إذا صح وصفه أنه مجلس.

ثانياَ :- الجديد، والخطير، والمبتدع، في هذا القانون، أنه أول تشريع في تاريخ القانون الجنائي في مصر، والعالم، يرتب عقوبات جنائية، وأعباء جزائية، وعقوبات تبعية، ومصادرة الأموال، والممتلكات، في مواجهة أشخاص، وجهات، لم يكونوا طرفاَ في الدعوي، ودون إعلان، أو إخطار بتلك الدعاوي، أو طلب حضور لها، أو حق للدفاع فيها، أو تقديم مذكرات، أو مستندات أو شهود!!. وهذا ما حدث منذ ساعات عندما أكتشف الـ 1500 شخص بصدور ذلك الحكم العجيب بحقهم‼
إننا لأول مرة في تاريخ القضاء الجنائي، نري محاكمات { سرية } تُنظر، ويُحكم فيها، دون علم أو إتصال المتهم، أو محاميه، أو وكيلاً عنه، – فقط – بناء علي طلب من النيابة، ويُنظر سراَ، في “غرفة المداولة ” أمام دائرة خاصة، ويبت فيها خلال أسبوع!!

ثالثاَ:- إننا أمام قانون يعصف بالحق الدستوري، والإنساني المستقر في المحاكم العلنية، والمنصفة، وحق الدفاع، والقضاء الطبيعي، وأصل البراءة..
قانون ينقلنا من عصور الردة القانونية، والقوانين سيئة السمعة، إلي عصور ما قبل القانون، أو عصور قانون الغاب.

رابعاَ:- القانون “الفضيحة” هو قانون “رجعي” أي يرتب عقوبات بأثر رجعي علي أفعال، وتصرفات، لم تكن موصوفة أنها ” إرهابية ” قبل صدوره، فالمواطن الذي نام مساء الأثنين 16/ 1/ 2017 وهو مواطن صالح، { برئ }، يمارس حقوقه، وواجباته الدستورية، أستيقظ صباح يوم الثلاثاء 17/1/2017 وهو { مذنب }، متهم بالإرهاب، بدعوي أنه مثلاَ : شارك يوماً في مظاهرة- وجدت النيابة أنها عطلت طريق، أو عوقت المرور، أو حضر مؤتمراَ لتحالف دعم الشرعية، أو شارك في ندوة للمجلس الثوري أو رفع شعاراَ لرابعة.. إلخ، أو غيرها من الأفعال التي تنطبق عليها الأمور المجرمة في المادة الأولي من القانون ” الفضيحة “!!.

خامساَ:- أورد القانون “الفضيحة” جرائم إرهابية فضفاضة، بصياغات سائلة، وغير محددة الملامح، أو منضبطة (علي غرار ما ورد في قرارات سبتمبر1981) مثل:- الإتهامات بالإضرار بالوحدة الوطنية، والإخلال بالنظام العام، وأمور أخري لم يرد لها ذكر في الإتفاقيات الـ 13 الصادرة عن الأمم المتحدة، بخصوص مكافحة الإرهاب، ولم ترد في القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1969، أو القرار رقم (1373) لسنة ،2001 الصادر عن مجلس الأمن، وليتهم حتي راجعوا مُؤلف أستاذهم في صناعة التشريعات د. فتحي سرور، وعنوانه “المواجهة القانونية للإرهاب” – دار النهضة العربية 2008.

سادساَ:- يعصف هذا القانون – عملياً – بحق دستوري اَخر، وهو حق الطعن علي الأحكام الجنائية، فرغم أن المادة الثالثة من القرار بقانون تلزم الدائرة ” السرية ” أن تحكم في طلب النيابة خلال أسبوع علي الأكثر، وبغير علم أو حضور المتهمين، ودون أن يقدموا دفوعهم، ودفاعهم، إلا أنها أعطت حق الطعن بالنقض للنيابة، والمحكوم ضدهم في المادة السادسة.. لكنها قالت في ختام النص “وذلك وفقاَ للإجراءات المعتادة” للطعن بالنقض.
وهنا تبدو الكارثة للمختص، فالإجراءات “المعتادة” في النقض تستغرق في الأحوال العادية مدداَ قد تصل لخمس أو ست سنوات، والحكم “السري” الصادر من محكمة أول درجة، مدته وفقاَ لذات القانون ثلاث سنوات، ويجدد، بحكم اَخر بناء علي طلب جديد من النيابة، وبالتالي عندما يحل موعد نظر النقض الأول يكون الحكم الجديد قد بدأ، وهو ما يقتضي طعناَ جديداَ أمام محكمة النقض، يستغرق سنوات جديدة.. إلخ في دائرة مفرغة لا تعني شيئاً إلا سقوط الحق الدستوري في التقاضي علي أكثر من درجة، بعد مصادرة الدرجة الأولي بتلك الإجراءت الشيطانية الأبليسية غير المسبوقة.
فضلاً عن أن محكمة النقض ليست درجة تقاضي، بل هي محكمة قانون، وليست محكمة وقائع، إذن لن يكون من حق المحكوم عليه مناقشة، أو تفنيد الوقائع المنسوبة له، سواء في المحكمة الأولي، التي ليس له حق حضورها، ولا أمام النقض، التي تحاكم الحكم، وليس المتهم، وتنظر فقط في تحقيق دفاعه، ودفوعه التي لم تقدم أصلاَ، ولم تثبت في أوراق الدعوي في أي مرحلة.

سابعاَ:- المناخ العام، الذي صدر فيه هذا الحكم، عقب الحكم في قضية تيران وصنافير ربما يكون هو الأسوأ من القانون ذاته، لأنه يكشف الغاية الحقيقية من إصداره، والتي تأخذنا بعيداَ عن عنوانه، ومبرراته الظاهرية، التي يروج لها زوراَ، وبهتاناَ.. فالتعبئة الإعلامية الإستقطابية، خلقت مناخاَ رديئاَ من النزق ، والشطط، يروج لفكرة التعامل مع المعارضة السياسية، بكافة ألوانها، وأشكالها، علي قاعدة الإتهام بالخيانة، ودعم الإرهاب، والمشاركة في مؤامرات دولية، أو إقليمية – في أحسن الأحوال- !!
فمدرسة التخوين التي تسوس الأمور في مصر الاًن، لا تري في معارضة النظام، إلا أنها جريمة، وليست عملاً وطنياً، أو إجتهاداَ سياسياً – مصيباً أو خاطئاَ – فمعارضة ” القائد” ، أو إنتقاده، تنم – من وجهة نظرهم – عن ضعف للولاء للجيش، والجيش – من وجهة نظرهم- هو الوطن!!
ومعارضة الوطن – من وجهة نظرهم – دليلاً علي العمالة للخارج، وقرينة علي التورط في كيانات، وشبكات إرهابية، دولية، أو إقليمية، أو محلية !!
هذا المنطق المريض، أو بالأصح اللامنطق، هو الذي يقود لمخاوف، وهواجس، مشروعه، من ملابسات هذا الحكم الذي يدرك الجميع أنه يتوحم علي كيانات سياسية معارضة أكثر ما يستهدف كيانات إرهابية بدعوى أن الجميع ينبغي أن يكون في سلة واحدة، إلي أن يثبت العكس، وليس العكس، فالبينة هنا علي المدعي عليه، وليس المدعي، والشك يفسر ضد المتهم وليس لصالحه. 

وليس أدل علي صحة كلامي، أن القانون لا يستهدف العمل الإرهابي، من ذلك التصريح الصادر عن وزير العدالة الإنتقالية يوم 16 فبراير 2015 وعنوانه “العدالة الأنتقالية : “قانون الكيانات الإرهابية سيقضي علي الأفكار الهدامة” ويتجاهل رجل القانون، المستوزر، في وزارة أسمها العدالة، أن القوانين تصدر لمواجهة الأفعال، وليس الأفكار!! حتي ولو كانت مستنكرة، ومستهجنة، ومرفوضة.
وإذ بالرجل نفسه، يكشف في تصريح آخر، أن الهدف من قانون الكيانات الإرهابية هو إدراج من هم بالخارج، بناء علي طلب وزارة الخارجية، وهو يعلم أن معظم هذه المجموعات هي مجموعات سياسية بطبيعتها، معارضة للنظام، وليست متورطة في أي أعمال ذات طبيعة إرهابية.
فلن تكون أول أهدافهم هي جماعات الإرهاب في سيناء، ولا تنظيمات الدولة في ليبيا، ولا غيرها بل سينصرف جهدهم، في إسكات أصوات النقد، والغضب، ووصم التجمعات الداعمة للشرعية بالإرهاب. 

صحيح أني لم أنضم لأي منها، لا شخصياً، ولا حزبياً، لا داخل مصر، أو خارجها.
بل أعتذرت علنياَ عن ذلك في كل مناسبة، وفي حينها.
لكن هذا لا يمنعني من أن أقول، وأؤكد أن هذه كيانات سياسية أخالفها، أو أوافقها، لكنها لم تقم يوماً علي الإرهاب، أو تعتمد، سبيلاَ في عملها، غير التظاهر السلمي.

أضف تعليقك