• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

الأسقف الحقيقية والأسقف المستعارة

ومكانة السقف فى البناء هى الأعلى فلا يعتد ببيت دون سقف . فهو فوق الرؤوس يوضع به مصدر النور ومصدر الهواء المنعش وهو فوق ذلك يظلل أهل البيت ويحميهم . ترنو إليه الأبصار من بعيد و يصعب الوصول إليه بالأيدى فلا يعبث به طفل ولا يصل إليه عابث .

لكن هذا السقف هو نفسه فى حقيقته من الجهة الأخرى أرضية للدور الذى يليه .

تدوسه الأقدام وتلقى فوقه الأحذية ويتحمل الأثاث الثقيل ولعب الأطفال وتسرب الماء . يتحمل كل ذلك طائعا .

وإذا ضربه أحدهم يتحمل الضربات بثبات فلا تؤثر فيه مطرقة ولا يخترقه مسمار.

يتلقى الإعزاز والإكبار هنا فلا يتغير داخله ويغتر . ويتلقى الأذى والضربات والأثقال من الناحية الأخرى بصبر وثبات فلا يهتز أو ينحنى .

وكأنه الرجل العظيم صاحب المقام العالى والمنصب الرفيع . لا ينال الاحترام والتوقير ولا ينزل فى موقع الكبير الذى يسمع له الناس ويطيعون من جهة . إلا بقدر ما يظلل الناس بعلمه ورعايته ويضيئ لهم طريقهم ويسهر على حمايتهم .

وبقدر ما يتحمل المسئولية عن سلامتهم ويتحمل سخافاتهم ويتحمل الأذى والضربات عنهم من ناحية أخرى فلا ينفذ إليهم طامع ولا سارق . وهو صامت لا يصدر صوتا ولا ضجيجا ولا ينبئ عن فعله .

ولا تصح الأولى إلا بوجود الثانية وإلا انهار السقف وانهار البناء وأصبح الجميع فى مهب الريح .

وتعلمت من الهندسة أيضا أن الأسقف المستعارة تشبه الأسقف الحقيقية تماما .

توجد أعلى الرؤوس مثل أى سقف .

تأخذ مظهرا براقا وشكلا مهيبا كأنها أفضل من الأسقف الحقيقية .

تنخدع بها أبصار غير المتخصصين والمجربين حتى ليظنوها أسقفا كاملة الكفاءة بحديدها وصلابتها وموادها . وكأنها تحمل الناس والأثاث وتتحمل الاثقال والأحمال .

لكنك ما أن تلمسه بيدك أوتضغط عليه يظهر على حقيقته . يتحرك تاركا مكانه أو ينحنى أو ينهار ويقع .

واذا ضربته برفق يعلو أنينه وضجيجه ويصدر أصواتا عالية ورنينا وطبلا . يظهر لك أن داخله أجوف لا يحتوى على شيئ .

وإذا دققت فيه مسمارا . اخترقه بكل سهولة مع صوت وطبل وضجيج .

مجرد هواء لا خطورة من إزالته ولا يسقط البناء بسقوطه .

إنه مجرد واجهة جميلة . لا يحمل شيئا . لكنه فقط يخفى ورائه بعض العيوب والنتوءات والأشكال القبيحة .

وكأنه الرجل يجلس فى الصدارة وفى موقع القيادة وكل مؤهلاته بدلته الأنيقة ومظهره المهيب . فإذا اختبرته أو حدثته تكشف لك شيئا آخر . كائنا مختلفا . لا يحتوى علما ولا حكمة ولا أدبا ولا يمتلك عقلا يزن الأمور ولا مقوما واحدا من مقومات القيادة .

لا يفعل شيئا ولا يحمل هما ولا يتخذ قرارا من تلقاء نفسه . فإذا اختفى أو سقط تظن الحياة ستقف والبلاد تنهار والأيام لا تمضى . ثم تكتشف أنه كان مجرد قائد مستعار . مجرد شكل يختفى خلفه قائدا آخر . يحرك ويوجه ويدير ولسبب ما يختفى بعيدا عن الأنظار .

وقد انتشرت الأسقف المستعارة فى الفترة الأخيرة فى المبانى فى كل مكان حتى عدها البعض عنصرا أساسيا فى كل بناء . كما انتشرت القيادات الزائفة فى كل موقع من المواقع حتى اصبحت وكأنها لازمة من لوازم الحياة.

  • مهندس مدني

أضف تعليقك