سباق خطير يمارسه النظام الحاكم لزيادة الديون الداخلية والخارجية، بما يلتهم النصيب الأكبر من مصروفات الموازنة الحكومية، ويؤدى إلى عدم إمكانية تنفيذ الاستثمارات الحكومية وردت بالموازنة، كما يضغط بشدة لخفض الدعم السلعي سواء التمويني أو على المنتجات البترولية، ويحاصر زيادات أجور الموظفين وتدبير نفقات العلاج بالمستشفيات.
كل ذلك من أجل تدبير فوائد وأقساط الديون لضمان استمرار الاقتراض، وهي الفوائد والأقساط التي تكاد تصل وحدها إلى رقم إيرادات الموازنة، وبالتالي اللجوء لمزيد من الاقتراض للوفاء بمتطلبات إدارة دولاب العمل الحكومي، لنظل أسرى دوامة الديون الداخلية والخارجية، نحن ومعنا الأجيال القادمة ولسنوات طويلة.
وها هي بيانات البنك المركزي التي أعلنها أمس عن الدين العام الداخلي، تشير إلى ارتفاع المتوسط الشهري لتلك الديون الداخلية من 24 مليار جنيه خلال السنة الأولى لنظام ما بعد الثالث من يوليو 2013، إلى 25 مليار جنيه شهري بالعام الأول لتولى الجنرال، وهما العامين اللذان شهدا تدفقا ضخما للمعونات الخليجية.
وبتوقف المعونات الخليجية وبعد استخدام وديعة حرب الخليج التي كانت مودعة بالبنك المركزي منذ حرب العراق، زاد المتوسط الشهري لارتفاع الدين الداخلي إلى 42 مليار جنيه بالعام الثاني للجنرال، ثم زاد المتوسط إلى أكثر من 46 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام الثالث لتولى الجنرال.
ولم يكتف النظام بالديون الداخلية التي تقدم البنوك معظمها على حساب تمويل الشركات الخاصة، والتي زادت الفائدة عليها بعد التعويم لتدور حول نسبة العشرين بالمائة، مما يزيد من تكلفة فوائدها والتي تم تقدير قيمتها بنحو 300 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي، قبل التعويم وزيادة الفائدة بنسبة 3%.
تكلفة الدين الخارجي نصف الصادرات
وهكذا اتجه النظام للاقتراض من الخارج بعد توقف المعونات الخليجية وهي القروض التي بلغت حوالى 3 مليار دولار في عامه الأول، ثم تراجعت إلى حوالى 2 مليار دولار في عامه الثاني، لكنها بعد توقف المعونات الخليجية زادت بالعام الثالث للنظام الحالي إلى حوالى 8 مليار دولار، والخطير أن تصل القروض الخارجية إلى 4.4 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الرابع له، وهي وتيرة عالية مخيفة.
وهكذا وصلنا إلى أكثر من 60 مليار دولار ديون خارجية بنهاية شهر سبتمبر الماضي، وهي آخر أرقام معلنة من البنك المركزي، لكن الشهور التالية لسبتمبر شهدت وصول القسط الأول من قرض صندوق النقد الدولي بنحو 2.75 مليار دولار، وطرح سندات ببورصة أيرلندا بنحو 2 مليار دولار، واتفاق تبادل العملة مع الصين بنحو 2.7 مليار دولار، وبما يعنى أن قيمة القروض الخارجية حاليا لا تقل عن 68 مليار دولار بخلاف ما تقترضه البنوك العامة والخاصة وغيرها.
وهنا تزداد أعباء خدمة الدين من فوائد وأقساط، والتي كانت حوالى 3 مليار دولار بالعام الأول لنظام الثالث من يوليو، لترفع بالعام الثاني له إلى حوالى 6 مليار دولار، ثم تنفض إلى 5 مليار دولار بالعام الثالث، لكنها بلغت نحو 2.5 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الرابع للنظام، وهو ما يعنى اتجاهها إلى تضاعف قيمتها خلال العام المالي الحالي، أي حوالى 10 مليار دولار وهو رقم يعادل نصف حصيلة الصادرات السلعية، كما يمثل ضعف حصيلة قناة السويس.
وهكذا بلغ المتوسط اليومي لزيادة الدين العام الداخلي خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2016/2017 نحو 1538 مليون جنيه، والمتوسط اليومي لزيادة الدين الخارجي 878 مليون جنيه، بإجمالي يومي 2 مليار و416 مليون جنيه!
الاقتراض المورد الأول للعملات الأجنبية
ومع ذلك فالنظام مستمر في الاقتراض الخارجي – والداخلي بالطبع -، حتى أصبح الاقتراض يمثل المورد الأول للعملات الأجنبية خلال السنوات الأخيرة، ففي الربع الأول من العام المالي الحالي، بلغت نسبة القروض 34% من إجمالي الموارد، وبما يمثل ضعف نصيب الصادرات السلعية غير البترولية، وضعف حصيلة تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وأربعة أضعاف الاستثمار الأجنبي المباشر وخمسة أضعاف الصادرات البترولية.
وها نحن ننتظر وصول القسط الثاني لقرضي البنك الدولي والبنك الإفريقي بنحو 1.5 مليار دولار، وهناك سندات سيتم طرحها خارجيا بقيمة تتراوح ما بين 2.5 – 3 مليار دولار، وفي أبريل سيكون هناك قسط آخر من صندوق الدولي، ومثله في نوفمبر، إلى جانب سندات أخرى سيتم طرحها بالخارجي، إلى جانب احتمال توقيع عقد المحطة النووية بالضبعة، ومفاوضات وزير التعاون الدولي مع بنوك أوربية ومع الاتحاد الأوروبي وصناديق تمويل عربية ودول آسيوية للمزيد من الاقتراض.
ورغم أن المؤشرات الدولية تتحدث عن بلوغ الديون مرحلة الخطر عندما تصل نسبتها إلى 60% من الناتج المحلى، فقد بلغت نسبة الدين الداخلي والخارجي للناتج بنهاية سبتمبر الماضي 118%، وهي أمر أقل من الحقيقة حيث يتم القسمة على ناتج متوقع بمعدل نمو 5%، وهي نسبة نمو لم تحظ بتوقع إمكانية حدوثها في تقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما.
وإذا كانت قيمة الدين الداخلي بنهاية سبتمبر قد بلغت 2758 مليار جنيه، وقيمة الدين الخارجي 60.2 مليار دولار تعادل 1083 مليار جنيه بسعر صرف 18 جنيه، فإن الإجمالي يصل إلى 3841 مليار جنيه.
وباحتساب نفس معدل زيادة الدين المحلى الشهرية البالغة 46 مليار جنيه، وإضافة المعادل بالجنيه للقروض التي تم الحصول عليها من الخارج بالربع الأخير من العام الماضي، فإننا سنصل إلى أكثر من 4113 مليار جنيه على الأقل حاليا، كمجمل للدين العام بنوعيه الداخلي والخارجي، مقابل 3245 مليار جنيه للناتج المحلى الإجمالي المتوقع بالعام المالي الحالي، لتصل نسبة الدين للناتج 127% وهي النسبة التي ستزيد حتما مع نهاية العام المالي في يونيو القادم.
وهو أمر مخيف للمستثمرين خاصة في ضوء ما حدث مع شركات البترول التي تأخر سداد مستحقات خلال السنوات الأخيرة رغم تكرار الوعود الحكومية بالسداد، وكون الديون الخارجية تمثل ثلاثة أضعاف الاحتياطيات من النقد الأجنبي، وتدنى الحصيلة من استثمارات الأجانب بالبورصة وفي شراء الأوراق المالية الحكومية المصرية خلال الشهرين التاليين للتعويم للجنيه، مع الأخذ في الاعتبار أن بيانات البنك المركزي الخاصة بالدين الخارجي لا تتضمن الديون العسكرية، الناتجة عن التوسع في شراء الأسلحة والطائرات وحاملات الطائرات والغواصات
أضف تعليقك