قام المنقلب أكثر من مرة بتحدي حال المواطن والمواطنة، حينما افتعل تصنيفا غاية في الخطورة يحاول اتهام جزء من أهل هذا الوطن بكل تهمة من دون أي سند إلا معارضتهم بقوة ووضوح لانقلابه الفاجر الذي قطع به الطريق على مسار ديمقراطي واختطف رئيس منتخب، وتحرك بأسلوب يشبه ما تقوم به العصابات وقام بكل ما من شأنه ترسيخ انقلابه باعتقال معارضيه ومطاردتهم، بل وصل به الأمر إلى حد قتلهم بالمئات وفي تقدير بالآلاف، بدا كل ذلك يمارسه ضمن مناخ عمل على صناعته من زراعة الكراهية وتصنيف النفوس وأهل الوطن إلى شعوب وشيع، وتفريقهم من دون مبرر إلا أن يكون ذلك مقدمة لنظام بوليسي فاشي وفاجر.
كان بذلك يتحدى المواطن والمواطنة ويهدم كل الأسس حينما جعل الجنسية في حد ذاتها عقوبة، وتباهى المنقلب أنه يسيطر على 90 مليون مواطن وهو يخاطب الخارج والداخل، يحبسهم ويسجنهم ويمنعهم حتى من هجرة غير مشروعة، وصار الأمر بالنسبة للمواطن بقائه في بلده عقوبة، وفي خروجه من بلده عقوبة، وفي منعه من السفر عقوبة وفي منعه من دخول وطنه عقوبة، حرك كل هذا في إطار غياب حقيقي من القانون أو المحاسبة بمنظومة سياسية وأمنية صارت تتعامل مع المواطن بمنطق الأسياد والعبيد، بدا كل ذلك يعبر عن نقض كامل للمواطنة وصارت المواطنة منحة يسبغها المنقلب إن أراد ويسقطها إن أراد ويمنحها إذا شاء وينقضها ما أراد، ضاربا عرض الحائط بكل أسس تتعلق بأعراف مجتمعية أو بقواعد دستورية وقانونية، صارت مشيئته وكأنها القانون من غير أي مساءلة أو حساب.
قدم بذلك صورة لمستبد فاشي يحاول بكل طاقته أن يصنف شعبه وفق ما اعتبره قواعد ومعايير، ووفق مزاجه الاستبدادي الذي لا يرى إلا كرسيه وتمكين سلطانه، عدا كل ذلك ليست هناك قاعدة تحترم أو دستور يطبق أو أعراف تعتبر، ولكنه عمل المستبد حينما ينال من لحمة المجتمع وتماسكه، ومن نيله ونقض أسس جماعته الوطنية وصلابتها، نال من كل ذلك ليتلاعب بأسس مجتمع بأسره وفق قاعدته الاستبدادبة "الذهبية" (فرق تسد) ومزق شبكة العلاقات الاجتماعية بلا هوادة وبكل استخفاف، فضلا عن ذلك فإنه بعد اتباعه استراتجية الترويع والتفزيع صار يتعامل باستراتيجية الافقار والتجويع في محاولة منه لإحداث حالة تطويع والابقاء على كل ما يتعلق بعقلية القطيع.
ولكن الأمر بعد ثورة يناير تغير بالنسبة لأي مستبد، فلم يعد مقبولا بعد ثورة أن تمتهن إرادات الشعوب أو أن يتعامل معها كعالم أشياء أو مجرد عبيد أو قطيع، ومن هنا فإنه مارس بعض من أشكال إعدامه لمواطنيه حينما استخف بكل معاشهم وضرورات حياتهم، وصار هؤلاء بين مطرقة التفزيع وسندان التجويع، كان هذا تحديه للمواطن والمواطنة لأمنه وأمانه، سواء ما يتعلق في ذلك بحريته وكرامته، أو ما يتعلق بمعاشه وحاجته، وبدت عملية الإعدام تلك التي يمارسها بأشكال شتى يتحرك فيها بسياسات ممنهجة تقوم على استباحة النفوس وإعدام كيانات الناس بإفقارهم وتجويعهم.
ما فعله بتحدي المواطن والمواطنة لا يعد شيئا بالمقارنة مع خيانته للوطن وأرضه فخيانته هذه تعدت كل حد خصوصا وأن الأرض كالعرض كيانا ووجودا، فمن المؤسف حقا أن التحدي هذه المرة يعد حالة خيانة كبرى يقوض فيها أسس الدستور ويمتهن نصوصه ومواده، فضلا عن غدره المعتاد بكل عهد وقسم حينما غدر وانقلب، وحينما فرط وباع، هذه المرة يتنازل عن جزء من أراضي الوطن باستخفاف منقطع النظير، وبدون مراعاة لأي قواعد تحكم مثل هذه الأمور الجليلة والخطيرة، فلا دستور أبقى، ولا قضاء وأحكام أمضى مستخفا بكل شيء ومتلاعبا بكل عرف، عابثا بكل كيان، أرض الوطن صارت للبيع، لم يكن ذلك تفريطه الوحيد ولكن سبقه تنازلات مشبوهة عن موارد هذا الوطن في بعض أراضيه وبعض موارد غازه ومياهه، وبات كل ذلك وكأنه مشيئة مطلقة منه يتصرف في الوطن وأراضيه وموارده كأنه "وسية" أو "عزبة" ورثها، يتنازل عما شاء ويهدي ما شاء من دون أي رادع من دستور أو قضاء أو وازع من ضمير وشرف.
ورغم كل تلك الأحكام القضائية التي صدرت من المحاكم الإدارية (مجلس الدولة) المختص بهذا الشأن إلا أنه لا زال يستخف ويتلاعب، وتصدر أحكام من محاكم أقل درجة وغيرمختصة تصدر أحكام بالأمر في محاولة للالتفاف على أحكام حيثية تقدم الكثير من الوثائق والمستندات وكذا الحيثيات، ومن أسف أن يدخل هذا المنقلب ووفق مناهج الخيانة التي اعتادها والغدر بالعهود التي قطعها والتنازل عن أرض لا يجوز لأي أحد كائن من كان أن يتنازل عنها ويفرط فيها، ذاكرة الوطن وأمنه القومي من مقاليده الاستراتيجية، تصدع بذلك بلا مواربة وبلا أدنى تردد، إلا أن المستبد استبد بمواطنيه وشعبه، وهذه المرة يستبد بوطنه وأرضه.
ويدخل في ذلك من أعمال عصابات بالتلفيقات، تخوض معركة مع قضاء مجلس الدولة الذي كشف بعض غدره وخيانته في قضية تيران وصنافير، وأقر بمصرية الجزيرتين، وأقر باحتضان الوطن لهما وأمنهما في حياضه وحدوده، إلا أن المستبد له رأي أخر، حتى لو فرّط هذه الأرض بكل وسائله الفاشية الفاشلة، وبكل وسائل ترويجه المفضوحة الفاجرة، وبكل سدنة إعلام إفكه من هؤلاء الذين يطبلون ويزمرون بل ويستميتون في إثبات هوية الأرض لدولة أخرى غير الوطن، ماذا يمكننا أن نسمي ذلك إلا أن يكون من عمل خونة أو عصابة مجرمة تفرط في حبات تراب الوطن من غير حساب.
وتقوم بعد ذلك بخوض معارك في تشويه قضاة مجلس الدولة وزرع الفتنة بينهم، هذا ما تفتق عنه شيطان يحكم مصر ويتحكم فيها، فإنه قام من قبل باختطاف كل مؤسسات الدولة وإخضاعها لحساب انقلابه من كل طريق، والآن يشوه من يريد أن ينتفض لحقوق الوطن وحماية الكيان ثم بعد ذلك يقوم المنقلب ونظامه ورئيس وزراءه "الكيلنيكس" (الذي يشكل مادة استعمالية للمستبد يقضى فيها وبها حوائجه، ثم يلقيها في صناديق القمامة غير عابئ أو متحسب لأي أمر).
يقوم هؤلاء بتحويل أمر بيع تلك الجزر إلى برلمان مخابراتي اصطنعوه على أعينهم أسميناه "برلمان القراطيس" لأنه لا يتكون إلا من هؤلاء الصفاقة والأفاقة لا يقيمون وزنا لمصالح الوطن، بل يتسابقون ويتسارعون في خدمة المستبد واستجداء خواطره وتنفيذ كل أوامره حتى لو كانت إفكا وغدرا للوطن، وتفريطا في عرض وأرض، إنه يحترف اختطاف المؤسسات وتشويه جوهرها وحرفها عن أدوارها وإقصاء وظائفها وتأثيرها، هذا هو حال المستبد الغادر والفاشي الفاجر، تحدى مواطنيه والآن يتحدى الوطن، كما نقض بنيان المواطنين فإنه الآن ينقض بنيان الأوطان.
فهل من قيامة تقوم لمواجهة عبث شيطان بمقدرات هذا البلد وبخيانة أرضه، يدوس نصوص أي قواعد أو دستور، إنها ثورة نشم بعض ريحها لأن أمر الخيانة ممن وجب عليه أن يحمي الوطن أعظم جريمة يمكن أن ترتكب، ومن ثم فإن ثورة تضع الأمور في نصابها وتحمي تراب أوطانها وتحقق آمال وضرورات شعوبها وجبت. إنه يتحدى المواطن والوطن.
أضف تعليقك