• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

نتلقى في مصر هذه الأيام دروسا يومية فى وجوب الصبر وفضائله، وسواء كان ذلك استجابة للتوجيه التعبوى الذى يقتضيه الحال، أو أنه اجتهاد من جانب وعاظ هذا الزمان، الذين يعتلون منابر المساجد أو يطلون علينا من خلال شاشات التليفزيون، فالشاهد أن الصبر مسكن مطلوب بشدة هذه الأيام، حتى أزعم أنه صار واجب الوقت، وهو ما يدعونا لأن نغفر مؤقتا للوعاظ المذكورين تشددهم فيه وحماسهم له، الذى يصل أحيانا إلى حد توبيخنا وتقريعنا والتشكيك فى ولائنا واتهامنا بالكفر بالنعمة.

ذلك كله أفهمه، ومستعد لافتراض حسن النية فيه والتفرقة بين التصبير والتخدير، إلا أننى أنبه إلى أن الصبر له شروط كما أن له حدودا. وقبل أن أشرح ما عندى فى هذا الصدد أستشهد برأى الصحابى أبى ميمون، الذى تقول المراجع التاريخية إنه كردى وأنه نسب إلى ابنه ميمون، وقد نقل عنه قوله «إن من شروط الصبر أن تعرف كيف تصبر؟ ولمن تصبر؟ وماذا تريد بصبرك؟ وتحتسب فى ذلك وتحسن النية فيه لعله أن يخلص لك صبرك. وإلا فإنما أنت بمنزلة البهيمة نزل بها البلاء فاضطربت لذلك ثم هدأ فهدأت. فلا هى نقلت ما نزل بها فاحتسبت وصبرت. ولا هى صبرت، ولا هى عرفت النعمة حين هدأ ما بها، فحمدت الله على ذلك وشكرت.

إذا جاز لى أن أصوغ ذلك الرأى بلغة زماننا فلعلى أقول بأن الصبر المجانى الذى يغيب عنه الفهم وتنعدم فيه الرؤية وتفتقد العبرة هو صبر البهائم التى تمتثل للكرب فلا تعى منه شيئا إذا نزل ولا تعتبر منه إذ انقشعت سحابته ورحل، ولئن قيل إن للصبر حدودا، فإن له أيضا شروطا، وهو يطمئن النفوس ويرطب الجوانح إذا اقترن بعاملين هما الثقة والأمل.

إذا صح ذلك التعريف فإنه يدعونا إلى طرح السؤال حوال حظوظنا من الثقة والأمل، وما إذا كانت تعيننا على الصبر راضين، أو تلجؤنا إليه مرغمين وكارهين، وللأسف فإنه بعد تأميم المجال العام فى مصر، وفى ظل الشعار التقليدى الذى يعلن على الدوام أن «كله تمام» فإنه لم تعد لدينا إحصاءات ولا بيانات محايدة يطمأن إليها بشأن وضع الثقة ونسبة الأمل لدى شرائح المجتمع، لكن المتواتر أن ثمة تراجعا مشهودا فى مؤشرات الحريات العامة والممارسات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وتلك شهادة ذائعة فى تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة فى مصر، وكذلك المنظمات الدولية. وهو ما ينسحب على الحرب التى أعلنت على منظمات المجتمع المدنى أو إساءة استخدام القانون بالتوسع فى الاعتقال بدعوى الحبس الاحتياطى، ثم العصف بأحكام القضاء ونصوص الدستور الذى تجلى فى موافقة الحكومة على إحالة اتفاقية تيران وصنافير إلى البرلمان رغم صدور حكم المحكمة الإدارية ببطلان التوقيع على الاتفاقية واعتبارها فى حكم المنعدمة. أضف إلى ذلك الصدمات التى تلقاها المجتمع جراء مفاجأته بمضاعفة الأسعار وتعويم الجنيه، وهى عوامل بددت حلم الدولة المدنية والديمقراطية الذى راود الجميع منذ ثورة ٢٠١١ وتجدد مع هبة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وكذلك فإنه بدد حلم الرخاء الموعود الذى قيل إنه سيتم بعد سنتين، ثم تجدد الوعد بظهور ثماره بعد ستة أشهر أخرى وحين يبدو الأفق مسدودا أمام احتمالات الإصلاح السياسى تارة والإصلاح الاجتماعى تارة أخرى، فإن التعبير فى هذه الحالة يبدو نداء فارغ المضمون أقرب إلى التخدير.

إن المجتمع المصرى إذا أريد لصبره أن يكون صحيا وفى الحدود الآمنة، فينبغى أن تستعاد له الثقة فى الحاضر والأمل فى المستقبل، أما أنا لم يحدث ذلك فإن الأمر يصبح مغامرة غير مأمونة العاقية، وعلى من شبكنا أن يخلصنا كما يقول مقطع الأغنية الشهيرة.

 

أضف تعليقك