الانقلابيّ الأمنجيّ وائل الإبراشي الذي يعتبر نفسه ينتمي إلى إحدى المدارس الإعلامية المميزة، وأنه تعلم في مدرسة الصحفي الكبير الراحل مجدي مهنا، يريد إقناعنا بأنّ هناك إعلاما فى ظل الدول البوليسية، ويتحدث عن مجموعة الأمنجية الذين صنعهم نظام مبارك فى أخريات أيامه تمهيدا للتوريث، ويتحسر لأن الأقزام أصبحوا يتصدرون المشهد الإعلامي حاليًا!!
طول عمرنا في مصر، الذين يتصدرون المشهد برمته مجموعة من السقط والأقزام!! حتى يكاد يردد قول الشاعر: ذهبَ الذينَ يعاشُ في أكنافهمْ .. وبَقيتُ في خَلْفٍ كجِلدِ الأجرَبِ!! علَامَ التحسر؟ على إعلام الزمن الجميل أم على ماذا؟ نحن لم يكن يوما لإعلامنا ولا لصحافتنا زمن جميل، على الأقل بالنسبة لجيل ثورة يوليو، وجيل النكسة الذي لم يعرف إلا إعلام التهليل والتطبيل، إعلام هيكل وأحمد سعيد، إعلام على حمدي الجمال، وموسى صبري، وعبد الستار الطويلة، وأنيس منصور .. الذين اعتبروا السادات سادس الخلفاء الراشدين، والإمام العادل ورب العائلة المصرية، إعلام محسن محمد ومجدي الدقاق ومجدى الجلاد ومنى الشاذلي وابراهيم عيسى ومصطفى بكري ... وبقية الأفاكين!!
وكلنا نذكر أن الهيئة المصرية العامة للكتاب، عقب محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا عام 1995؛ حيث ألقى الشعراء نحو ثنتين وستين قصيدة فى مدح مبارك في شهر واحد، وقامت الهيئة، بجمع هذه القصائد فى ديوان حمل اسم "مبارك فى عيون الشعراء"!! إعلام صناعة الصنم، الذي يمجد الفرد من دون الإله، كما خاطب أحد هؤلاء المطبلاتية الزعيم الملهم بقوله ـ كما قال ابن هانئ ـ: ما شئت أنت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار!!
كما ساهمت الآلة الإعلامية الناصرية فى تحويل عبد الناصر من ضابط إلى سياسي ثم إلى زعيم ثم إلى آخر الأنبياء كما زعم نزار قباني حيث يقول : قتلناك يا آخر الأنبياء قتلناك …ليس جديداً علينا اغتيال الصحابة والأولياء فكم من رسول قتلنا وكم من إمام ذبحناه وهو يصلى صلاة العشاء فتاريخنا كله محنة وأيامنا كلها كربلاء!! وقال فى رثاء عبد الناصر: زمانك بستان وعصر أخضر وذكراك عصفور من القلب ينقر ملأنا لك الأقداح يا من بحبه سكرنا كما الصوفي بالله يسكر دخلت على تاريخنا ذات ليلة فرائحة التاريخ مسك وعنبر تأخرت عن وعد الهوى وما كنت عن عهد الهوى تتأخر يا حبيبنا تأخرت عنا فالمسيح معذب هناك وجرح المجدلية أحمر!! في الوقت الذي تمكنت فيه دولة الكيان الصهيوني، فى غضون ست ساعات من تحطيم القوة الجوية المصرية، التي كانت الدعاية الرسمية تصفها بأنها لا تُقهر، كما احتلت سيناء والجولان وما بقي من فلسطين، بما فيها القدس.
وفي حين كان الصهاينة يستبيحون الأرض والسماء العربية، كان أحمد سعيد، في إذاعة صوت العرب، يتحدث عن الانتصارات الساحقة الماحقة للجيش المصري، وإسقاط عشرات الطائرات، وتدمير القوات البرية والجوية للصهاينة، وأن قواتنا تزحف على تل أبيب، تلحق هزيمة تاريخية بالصهيونية و الإمبريالية العالمية!!
وحتى بعد مسرحية التنحى، بالخطاب الذي كتبه فيلسوف النكسة محمد حسنين هيكل، خرجت الجماهير المغيَّبة والمضلَّلة، تهتف بحياة الزعيم المهزوم، وبضرورة بقائه لأنه القائد الذي لا يعوض، والتي عقمت أرحام النساء أن يلدن مثله، وإن ضيع الأوطان، وأهان كرامة الإنسان، وأذل أمة بأكملها، كل ذلك رغم الهزيمة الكارثية، والتي سماها هيكل وأعوانه، بالنكسة كنوع من الخداع اللفظي!!
هذا الإعلام الذي جعل من الزعيم الملهم وأمثاله، يفعلون ما يشاءون فلا يُحاسَبون، ولا يُسألون، كما قال مالك بن نبي: عندما تغرب الفكرة، يبزغ الصنم، فقد غابت الفكرة وتقدم الأفاكون والمادحون الكاذبون الدجالون الصفوفَ، فتسببوا فى خراب الأوطان!!
ونفس الشيء الآن يتكرر من الإعلام الانقلابي والأذرع الإعلامية والشؤون المعنوية لعسكر كامب ديفيد، فقد شبهوا قائد الانقلاب بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبالمسيح عليه السلام، وجعَله الهلاليُّ رسولاً، هو ووزير داخليته محمد إبراهيم، وإنه مثل نبي الله موسى عليه السلام، وفى رواية أخرى، أنه من أولياء الله الصالحين، وأنه ابن سيّدنا الحسين، ويشبهه سيدنا يوسف عليه السلام، وكما زعمت صحيفة (الفُجر) بأنه قابل الله مرتين، وتحدثت عن علاقته مع الله، سبحانه تعالى، وتديّنه الذي يصل إلى مرتبة التصوّف، ودعا خطيب مسجد الحسين إلى طاعته، لأن طاعة ولي الأمر من طاعة الله.
وفي عيد الأضحى قبل عامين، امتدح وزير أوقاف الانقلاب السيسي بأنه أحبّه الله، فوضع له القبول في العالم، وأنه سرى حبه في الأرض، وأمرت وزارة أوقاف الانقلاب بتعميم خطبة الجمعة عن التفريعة، وأنها مثل حفر الخندق الذي حدث في غزوة الأحزاب بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها فتحٌ من الله تعالى، وإيذانٌ بانتصار مصر على أعدائها، وأنه سابع الخلفاء الراشدين، وأنه من جنود الله المرسلين لإنقاذ المصريين، وكما زعمت صحيفة النبأ أنه يسير على الهدي النبوي في تسليح الجيش المصري، مستدلة على ذلك بصفقات الأسلحة التي عقدها مع فرنسا وروسيا!!
هكذا صور إعلام المصاطب العكاشي قائد الانقلاب على أنه زعيم بلا منازع، قد أسر قائد الأسطول السادس الأمريكي، ومنقذ البلاد، وقاهر الإرهاب والكباب!!
حقًّا.. الأقزام يتصدرون المشهد!!
أضف تعليقك