• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

تطوير المناهج الدراسية المصرية خطوة تستحق الترحيب لا ريب، لكنها في الأجواء الراهنة ينبغي أن تستقبل بقدر من الحذر؛ ذلك أن الروائح التي نشمها تشير إلى أن المسألة ليست بريئة تماما، فلا هي لوجه الله ولا هي استهدفت فقط الارتقاء بالتعليم أو تخفيف العبء على التلاميذ، وإنما كان لريح السياسة وملاءماتها دخلها في الموضوع.

وذلك ليس مجرد افتراض أو سوء ظن، لأن ما أعلن أخيرا في القاهرة بخصوص الموضوع في بيانات وزارة التربية والتعليم، قرأنا عنه منذ عدة أشهر في الصحافة الإسرائيلية التي أفسدت فرحتنا بالتطوير المرتجى؛ إذ أحبطتنا وأصابتنا بالغم حين ذكرت أن المناهج الجديدة في مراحل التعليم المصرية، قطعت شوطا متقدما في تحسين صورة إسرائيل والتمهيد للتطبيع معها، ولم يكن ذلك «كلام جرايد» كما نقول، ولكنه كان معلومات وثقتها دراسة صدرت في شهر مايو الماضي عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب.


الموضوع أثاره وزير التربية والتعليم في التصريحات التي نشرتها له جريدة الأهرام (عدد 19/9) بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد، وهي التي بشرنا فيها بالإنجاز الذي حققته وزارته حين أدخلت العديد من التعديلات على المناهج بالكتب المدرسية لجميع المراحل التعليمية. وانصب كلامه على نسب التعديل والحذف والتنقية، حيث فهمنا أن الحذف في بعض المواد تراوح بين 20 و60% أما التعديل والتنقية فقد تمت بنسبة 70%. ورغم أنه ضرب مثلا ببعض النصوص التي تم حذفها مثل نص: «انزل يا قمر نلعب تحت الشجر» الذي كان مقررا على الصف الرابع الابتدائي، إلا أنه لم يشر من قريب أو بعيد إلى التطوير الذي تم استلهاما للرؤية السياسية والاستراتيجية بعد «تطويرها» في الوقت الراهن. هذا النوع من «التطوير» احتفت به وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث تعددت التعليقات التي سجلته وأشادت به، أبرز ما كتب في هذا الصدد الدراسة التي سبقت الإشارة إليها وحملت عنوان: «السلام مع إسرائيل في الكتب الدراسية المصرية، ما الذي تغير بين عهدي مبارك والسيسي». وقد أعدها الباحث أوفير فاينتز. إذ ضرب الرجل مثلا بما طرأ من تعديل على كتاب «جغرافيا العالم وتاريخ مصر الحديث» المقرر على الصف الثالث الإعدادي للعام الدراسي 2015/ 2016.


النقطة الجوهرية التي رصدها الباحث في المنهج المصري الجديد، أنه قدم إسرائيل باعتبارها بلدا صديقا وليست بلدا عدوا. وتمثل ذلك فيما يلي:


< تقديم اتفاقية كامب ديفيد باعتبارها ضرورية لتحسين الوضع الاقتصادي، من خلال إبراز المزايا الاقتصادية للسلام مع إسرائيل بعد انتهاء الحروب وتوفير الاستقرار اللازم لتحقيق التنمية.


< يصف المنهج الجديد إسرائيل بأنها ترتبط مع مصر بعلاقة صداقة ويركز على شرعيتها كدولة شريكة في عملية السلام.


< لم يتطرق المنهج الجديد لا لحروب مصر ضد إسرائيل ولا للقضية الفلسطينية. وذكر الباحث في هذا الصدد أن كتاب عام 2002 كان يضم 32 صفحة عن الحروب العربية الإسرائيلية و3 صفحات للسلام مع إسرائيل. أما المنهج الجديد فإنه خصص 12 صفحة فقط للحروب العربية الإسرائيلية و4 صفحات للسلام مع إسرائيل.


< حذف المنهج الجديد أهم بنود معاهدة السلام المرتبطة بالقضية الفلسطينية، مثل الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومفاوضات تقرير المصير. بالمقابل فإن المنهج عرض محادثات مدريد واتفاقية أوسلو وكأنها نجاحات عظيمة. ولم يذكر المنهج ما كانت تردده الكتب السابقة عن محورية دور مصر الملتزم بمساعدة الفلسطينيين لتأسيس دولتهم المستقلة.


< اختفت من المنهج مصطلحات مثل «ثقافة الصراع» التي حلت محلها «ثقافة السلام»، وجرى التركيز على دروس الحرب والسلام والأهمية الاستراتيجية للسلام.


لا يفاجئنا ذلك التحول، الذي يعكس الاتجاه صوب ما سمي بالسلام الدافئ مع إسرائيل، ويعبر عن التحولات الاستراتيجية الحاصلة في السياسة المصرية إزاء «العدو» الصهيوني. ولم تكن تلك هي التحولات الوحيدة لأن «السياسة» مارست ضغوطها أيضا في مجالات أخرى شملت دروس التاريخ العربي والإسلامي، والنصوص الشرعية المتعلقة بالجهاد وبنظرة القرآن إلى بني إسرائيل.


كثيرة هي الأسئلة التي يثيرها ملف تعديل المناهج الدراسية بدعوى تطويرها، التي لم تخل من التشويه والتغليط. وفي غيبة الشفافية، فإن فلسفة التعديل ومقاصده تفتح الباب واسعا لتكهنات وإساءة الظن، ليس بمحتوى التعديلات، ولكن بمحاور الرؤية الاستراتيجية وآفاقها.

أضف تعليقك