• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

منذ سنوات، وبوتن يقدم نفسه بوصفه «حامي الأقليات» في المشرق، وحين تُذكر الأقليات، فإن الأقلية الشيعية تدخل في الإطار، ونتذكر هنا حكاية تحالف الأقليات التي أطلقها الجنرال عون في لبنان.

بوتن كما جميع قادة الدول الحالمين بنفوذ عالمي يستخدمون الدين، حتى لو كانوا ملحدين، وقد كان «هرتزل» (ملحداً) ويطلق على الديانة اليهودية مصطلح «الأساطير المفيدة»، وكما كانت لبوش «حربه الصليبية»، فقد أطلق بوتن عبر كنيسته الأرثوذكسية «حربه المقدسة» في سوريا أيضاً.

من سوريا إلى اليمن والعراق ولبنان، يصطف بوتن في السياق الإسلامي إلى جانب الأقلية الشيعية ضد الأكثرية، وهي أقلية تتبع غالبيتها «الولي الفقيه» في طهران، وإن لم نعدم أصواتاً من بينها ترفض هذه التبعية، وكما يستغل الأخير الشيعة في سياق مشروعه، ويلقي بهم في محرقة الصراع مع جيرانهم، يستخدم بوتن ذات اللعبة أيضاً.

قبل أيام عقد مؤتمر في العاصمة الشيشانية بعنوان «أهل السنّة والجماعة»، رعاه دمية بوتن في تلك الديار (قاديروف)، وحضره حشد من العلماء والدعاة المحسوبين بهذا القدر أو ذاك على بعض الأنظمة، وينتمون إلى تيارات صوفية وأشعرية وماتريدية، وكان واضحاً في استبعاده للتيار السلفي من منظومة أهل السنّة والجماعة.

والقضية التي نحن بصددها بُعد فكري وديني، وبُعد سياسي، وإن كان الأخير هو الأكثر أهمية برأينا.

في السياق الأول، يمكن القول: إن إبعاد التيار السلفي من مربع أهل السنّة والجماعة في المؤتمر، هو رد ضمني على احتكار المصطلح من قبل قطاع من الأول لعقود، واستبعاد الأشاعرة والماتريدية منه، وإن تراجع هذا الحسم في الألفية الأخيرة.

واللافت هنا أن التيار الذي كان الأكثر إقصاءً للأشاعرة والماتريدية، هو التيار الأكثر قرباً من الأنظمة، بخاصة التي ترعاه، بينما كفّ التيار السلفي المسيّس، وحتى الجهادي عن هذا التصنيف (ابن لادن بايع الملا عمر؛ الحنفي الماتريدي)، وصار يتقبل الآخرين بشكل جيد، فيما كان أكثر المجتمعين في جروزني ينتمون إلى التيار السلطوي أيضاً، ما يعني أننا إزاء صراع أقرب إلى السياسي منه إلى الديني.

الإقصاء مرفوض من المعسكرين، والمصطلح ينبغي أن يشمل الجميع، باستثناء واضحي الانحراف، مع العلم أن غالبية المسلمين الآن لا تنتمي لهذه المذاهب، وأكثرهم يخلطون بينها، تماماً كما يخلطون في اختياراتهم الفقهية بين المذاهب المختلفة، وليس الأربعة المعروفة فقط.

البعد السياسي هو الأهم في المؤتمر، فهو ابتداءً تبرئة لطاغية (هذا هدفه من المؤتمر) يقتل المسلمين في سوريا بشتى مذاهبهم ما داموا ضد النظام المجرم، وهو يقف ضد أشواق الشعوب الإسلامية في التحرر، أيّا يكن مذهبها أيضا، وهذا البعد لعَمري إدانة لمن حضروا أيّا تكن نواياهم.

أما البعد الآخر، فهو تبنيه في بيانه ومفردات خطابه لنظرية انتساب العنف إلى الإسلام، حتى لو لم يقل ذلك بشكل واضح، مع العلم أن الأمر ليس كذلك بحالٍ، فضلاً عن اعتبارهم أي رفض للطغيان وتمرد عليه شكلاً من العنف أيضاً (بعض الحضور لهم مواقف مشهودة ضد الثورات السلمية، بل ضد أي معارضة للأنظمة)، فيما يدرك العقلاء أن السلاح هو نتاج ظروف موضوعية، وتأتي الأفكار لتمنحه القوة والدافعية لا أكثر، ويحدث أن يكون سلفياً، ويمكن أن يكون صوفياً أو أشعرياً أو من أي دين سماوي أو مذهب أرضي.

والخلاصة أن ما جرى في جروزني كان بائساً، ليس على الصعيد الديني، ووحدة السنّة والحاجة إليها ماسّة فحسب، بل أيضا، وهو الأهم، على الصعيد السياسي.

أضف تعليقك