وسط حالة الانهيار الاقتصادي والتردي السياسي الذي تعيشه مصر لا يهتم البرلمان بالكوارث التي يعيشها المصريون وشغله الشاغل سن قوانين تحارب الهوية، وتهدد الأمن القومي المصري وتخدم المخططات الطائفية والصهيونية.
ورغم ما يبدو من أن هذه القوانين تسير في اتجاهات مختلفة فإنها تصب في اتجاه تفكيك الدولة وفتح الباب أمام تغييرات تمس صلب النسيج الوطني، وتفتح الباب أمام حالة من الاختراق الممنهج للإجهاز على تماسك الدولة المصرية.
ومن الواضح أن حالة من الاستعجال تحيط بالدفع بمشروعات قوانين مشبوهة إلى البرلمان دون مبالاة بالمصلحة العليا للوطن، ولا توجد معارضة تذكر في مجلس النواب الذي تم اختياره على أسس المبايعة والتصديق الأعمى للقرارات الفوقية، فلا صوت غير الموافقة، على ما يأتيهم بصيغة الأمر، حتى لو كان يناقض الثوابت، ويؤدي إلى الفتن وتخريب المجتمع ويقلب الواقع المستقر منذ مئات السنين.
لقد فوجئنا خلال الأيام الأخيرة بالإعلان عن 3 قوانين جديدة في وقت واحد، كل منها يمثل كارثة وطنية، ولاحظنا إصرار الدوائر المتنفذة على تمريرها وفرضها رغم ما يترتب عليها من مخاطر أمنية وسياسية واجتماعية، وهي قوانين بناء الكنائس وبيع الجنسية، وإلغاء الديانة في الأوراق الرسمية.
وكشفت المعلومات المحيطة بهذه القوانين عن وجود لجان سرية ناقشتها بعيدا عن الرأي العام، واستقرت عليها ثم تم الدفع بها لمجلس النواب لإقرارها دون أن تأخذ حقها في النقاش والحوار المجتمعي رغم ما يترتب عليها من آثار على حاضر ومستقبل الاستقرار في مصر.
زرع الأرض بالكنائس
لم نكن نعرف سبب التصعيد الذي قام به عدد من قيادات الكنيسة على عبد الفتاح السيسي، ففي مقاطع فيديو حظيت بانتشار واسع على مواقع يوتيوب والتواصل الاجتماعي، مع حملة دعاية ضخمة شن الأنبا مرقص عزيز هجوما شرسا على السيسي متهما إياه باتهامات غير معهودة، وصلت إلى العمالة والخيانة، وانضم للحملة البابا تواضروس بتصريح عن عدم قدرته على كبت غضب الأقباط لمدة طويلة! ولكن تبين سبب هذا الهجوم عندما خرج الأنبا بولا رئيس لجنة العلاقات العامة في الكنيسة الأرثوذكسية بتصريحات يزف فيها للمسيحيين بشرى الانتهاء من قانون بناء الكنائس والاتفاق على تمريره كما هو دون أي تعديل.
كشفت تصريحات الأنبا بولا أن الكنيسة كانت تتفاوض بشكل سري مع السلطة بعيدا عن الرأي العام لتنفيذ مسودة القانون التي وضعتها الكنائس كما هي، وأن يتم تمريره من البرلمان والموافقة عليه بدون أي تعديلات.
ويبدو أن حملة التهديد والابتزاز الكنسية آتت أكُلها، وانتزعوا الموافقة دون أي مشاركة من أغلبية الشعب المصري، الطرف الثاني والأساسي المرتبط بموضوع القانون؛ فالمسيحيون لا يعيشون وحدهم في جزر معزولة!
إن محور القانون الذي يريدون فرضه فرضا على الشعب المصري هو زرع الأرض بالكنائس، حتى المدن الجديدة والقرى التي ليس بها مسيحيون، وأيضا الاعتراف بقانونية كل الأبنية غير المرخصة المغلقة والتي تسببت في فتن طائفية، ويقرر القانون تجنيد الدولة بكل أجهزتها في عمليات بناء الكنائس، ويفرض عقوبات متنوعة على المحافظين والموظفين الحكوميين المتهمين بعدم التجاوب مع عمليات الموافقة والبناء!
لم يراع القانون طبيعة المجتمع المصري والعلاقات المستقرة منذ مئات السنين، ويفرض واقعا طائفيا جديدا سيؤدي إلى إشعال الفتن وليس تهدئتها، فالسلطة المركزية بالقاهرة التي تخضع لعمليات الضغط الطائفي تختلف عن الجهاز الإداري في المحافظات الذي يتكون من العنصر البشري الذي لا يمكنه الخروج على طبيعة هذه المجتمعات، ولا تغيير ما استقرت عليه من توازنات، بتوجهات طائفية ولو بالقوانين.
الحقيقة أن موضوع بناء الكنائس قضية مفتعلة، ويستخدم للصراخ واستدعاء الخارج؛ فالكنائس لم يتوقف بناؤها في مصر، وكل الطوائف المسيحية تشيد الكنائس في كل مكان، ورغم بعض الاحتكاكات التي تجري خارج القاهرة فإن الحكومة تحت الضغط تقنن عمليات البناء وتمررها والموضوع في الواقع ليس كما يظهر في الإعلام الموجه الذي يوظف هذه الدعاية في إطار الهجوم على الإسلاميين.
يمتلئ القانون بالألغام التي لن تجلب للأقلية المسيحية الكثير من المكاسب، وإنما ستفتح عليها أبوابا من الفتن التي تفوق قدرة الدولة التي تعاني من الضعف؛ فالحكومة عندما كانت قوية لم تستطع تنفيذ القانون في بعض الملفات لطبيعة المجتمعات حيث القبلية والعصبية، ولهذا تسود المجالس العرفية وحل المشكلات بالطرق الودية في وجود ممثلي الحكومة، والآن يثور التساؤل: ماذا إذا كان المطلوب هو إلغاء هوية المجتمع، وتغيير المستقر الذي تعارف عليه الناس، وتمكين الأقلية من حكم الأغلبية؟!
بيع الجنسية
ومن القوانين الغريبة التي تقدمت بها الحكومة قانون بيع الجنسية المصرية للأجانب مقابل وديعة بنكية، ويعد هذا أخطر القوانين، لما يترتب عليه من تجنيس لليهود الذين يستعدون لشراء العقارات والأراضي بوسط العاصمة وسيناء، ليتقدموا كمواطنين مصريين وليس كمستثمرين أجانب، والتمتع بكل مزايا المواطنة والتغلب على العراقيل والعوائق في القوانين التي تتعامل مع الاستثمار الأجنبي.
لقد أصبح من المعلن أن الحكومة الحالية لا تفكر في مواجهة الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه مصر بخطط اقتصادية مدروسة، وبعد تبديد الثروات وتبخير الأرصدة والاحتياطات تستعد لبيع كل ما يمكن بيعه، وبالتأكيد لا يوجد مستثمر عاقل يأتي للاستثمار في بلد يعاني من وضع سياسي متدهور واقتصاد منهار، ومستقبل غير واضح؛ لهذا لن يأتي للاستثمار في مصر سوى من لهم أهداف أخرى واستراتيجيات أبعد من الأرباح والبحث عن الفرص.
هنا يأتي الصهاينة الذين يريدون الاستيلاء على سيناء، وشراء ممتلكات الدولة المصرية في منطقة وسط البلد والذي كتبنا عنه سابقا، ويريدون الشراء والتملك في صمت كمواطنين مصريين دون الدخول في دوامة الاستثناء كأجانب.
إلغاء خانة الديانة
ويأتي القانون الثالث وهو قانون إلغاء خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي وكافة الوثائق والمستندات الرسمية؛ فهذا القانون يصادر هوية الدولة ويستبعد الإسلام من حياة المصريين وإلغاء ما يترتب عليه من قوانين الأحوال الشخصية، وكل ما يتعلق بالأسرة من زواج وطلاق وميراث، وعلاقات بين الناس.
ورغم ما يبدو من أن القانون يرضي متعصبين طائفيين فإن الدوائر الخارجية التي تقف خلفه تهدف إلى ما هو أبعد من إخفاء الهوية الإسلامية؛ فهم يخططون لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والسيادية المصرية، وتمكين المسيحيين (واليهود في مراحل تالية بعد أن يفتح لهم باب التجنيس بقانون بيع الجنسية) من قيادتها والسيطرة عليها.
وفق هذا التخطيط الصهيوني ستلغى قواعد البيانات من كل أجهزة الدولة وستمحى تماما، وستحتفظ بنسخ منها الدوائر الخارجية فقط، التي تدير مصر لاستخدامها في مخططات السيطرة، التي تتضح ملامحها يوما بعد يوم.
***
مجمل ما يجري في مصر يشير إلى سعى من دوائر السلطة لاستبعاد الإسلام كدين وحضارة وهوية من مصر، وتمكين للمسيحية واليهودية؛ وتسخير الدولة بأجهزتها لخدمة هذا التوجه الذي يهدد الأمن القومي، وسيؤدي إلى تفكيك الدولة المركزية المصرية التي يعد دين الأغلبية فيها هو عنصر تماسكها، منذ الفراعنة وبعد دخول الإسلام، وحتى الفترات التي خضعت فيها مصر للاحتلال الخارجي لم يجرؤ المحتلون على محاربة دينها، بل منهم من أظهر اعتناق دين المصريين استرضاء لهم.
ما تفعله السلطة الحالية من إجراءات جوهرها وظاهرها استبعاد الإسلام والحفاوة بالديانات الأخرى يخالف حركة التاريخ، ويسير عكس حركة الشعب، ومهما كانت قوة السلطة فإن العنصر البشري المسلم هو المكون الأساسي لهذه الدولة وعند درجة معينة من التنازلات سينقلب على من استخفوا بالعقيدة، وينفصل عن هذه الدوائر ويعزلها، فالدين ليس وجهة نظر وإنما عقيدة مرتبطة باللحم والدم، ولن يقبل المصريون أن ترتد مصر عن كل منجزاتها عبر التاريخ لتدخل في عصر الاضمحلال والتفكك والانهيار.
أضف تعليقك