بقلم: حسن حسين
الحمد لله رب العالمين، سبحانه سبحانه، يقبل على عباده في يوم عرفات بكرمه، ويسبغ عليهم من فضله، فيعطيهم أفضل ما يعطي السائلين، فيغفر الذنوب ويستر العيوب ويفرج الكروب، وأشهد أن لا إله إلا الله- وحده لا شريك له-، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، أفضل من وقف بعرفات، وأعظم من بين ووضح للناس فضل هذا اليوم، اللهم صل وسلم وبارك على سيد الخلق وحبيب الحق وسلم تسليمًا كثيرًا وبعد أيها الأحباب: اتقوا الله حق التقوى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)﴾ (آل عمران).
أخوة الإسلام والإيمان:
حديثي مع أحبابي اليوم حول أفضل يوم طلعت عليه الشمس، حول ركن الحج الأكبر، حول يوم المعرفة، ويوم المغفرة، ويوم تنزل الرحمات من خالق الأرض والسموات، حول يوم عرفات، وما أدراك ما يوم عرفات، يوم تفطرت فيه القلوب لرب البريات.
وسأبين في هذه الخطبة:
أولاً: فضل هذا اليوم العظيم.
ثانيًا: الدروس والقيم المستفادة من هذا اليوم العظيم.
أولاً: فضل يوم عرفات
يوم عرفة هو يوم اللقاء الكبير بين العبد المشتاق وبين ربه التواب الرحيم، فيوم عرفة هو يوم المعرفة، ويوم العتق، ويوم الدعاء، ويوم كمال الدين وتمام النعمة، ويوم الوداع.
وها أنا ذا أقف هذه الوقفات مع فضل يوم عرفة:
– من فضائل هذا اليوم العظيم أن الله أقسم به، فقال في محكم آياته: ﴿وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)﴾ (البروج).
جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الشاهد يوم الجمعة، وإن المشهود يوم عرفة، فيوم الجمعة خيرة الله لنا”(1).
كما أقسم الله تعالى بفضل هذا اليوم العظيم فقال ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)﴾ (الفجر).
قال عبد الله بن الزبير: أول ذي الحجة إلى يوم النحر، وفيها يوم عرفة(2).
– يوم عرفة هو اليوم العظيم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم فيه النعمة ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3).
– يوم عرفة أحد أيام الأشهر الحرم التي قال الله في شأنها: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ (التوبة: من الآية 36).
– يوم عرفة هو أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها، كما أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله- عز وجل- من هذه الأيام”- يعني أيام العشر-. قال: قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”(3)”.
– ومن فضائل يوم عرفة أنه يوم العتق، وهنا يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء” (4).
يوم عرفة يوم عظيم يعتق الله فيه عباده من النار، ويباهي الله- عز وجل- بأهل عرفة أهل السماء.
– ويوم عرفة هو يوم الدعاء، ويوم اللقاء بين العبد المشتاق وبين ربه التواب الرحيم ويوم المغفرة، في هذا اليوم العظيم كم من الهموم فرجت، وكم من الكروب نفست، وكم من الحاجات قضيت، ومن هنا يرغبنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الدعاء في هذا اليوم العظيم، فيقول: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله……………” (5).
ثانيًا: دروس وعبر مستفادة من يوم عرفة
أجدني في أشد الحيرة، وأنا أتحدث عن هذا اليوم العظيم وعما فيه من عبر ودروس نحن في أشد الحاجة إلى العمل بها، وهذه الدروس كثيرة جدًّا وفي مقدورنا أن نقوم بمعظمها على المستوى الفردي والجماعي، وهذه وقفات مع يوم عرفات:
أولاً:
هذا اليوم يذكرنا بأمر جليل عظيم، يزيد الإيمان، ويقوي الصلة بالملك الديان، ألا وهو تذكر يوم القيامة وحسن الاستعداد والتزود لهذا اليوم، ففي هذا اليوم مشاعر لا توصف وأحاسيس لا تكتب، إنما يستطعمها الذي يؤديها، وكما يقولون: من ذاق عرف، فهذا اليوم أشبه بيوم الجمع الأكبر ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾ (هود: من الآية 103).
فيوم عرفات صورة مصغرة من صور يوم القيامة، ووالله لو عاش الحاج هذا المشهد، وعاشه غير الحاج عبر الشاشات، لتغير حاله إلى أحسن حال، وأصبح صاحب قلب خاشع لله تعالى، فكل من يشاهد هذا المشهد وهذه الجموع الهائلة بعرفات ويسمع تلك الأصوات والصيحات، سينطق على الفور ويقول: سبحان الله، سبحان من علم لغاتها، سبحان من ميز أصواتها، وسبحان من قضى حوائجها.
ثانيا:
في عرفات- أيها الأحباب- ينكشف الغطاء وتنفتح أبواب السماء، فيتوجه الحجاج إلى الله بقلوب انزاحت عنها ظلمة الشهوات والأهواء، وأشرقت عليها الأنوار فسمت حتى رأت الدنيا ومن عليها ذرة صغيرة.
هناك في عرفات تتنفس الإنسانية التي خنقها البارود، وعلامات الحدود، وسيد ومسود، وعبد ومعبود، وتحيا في عرفات حيث لا كبير ولا صغير ولا حقير ولا مأمور ولا أمير ولا غني ولا فقير، في هذا المكان درس عظيم في المساواة، حيث لا يستطيع الإنسان أن يميز بين الغني والفقير، ولا بين القوي والضعيف، ولا بين صاحب المنصب والفخامة ومن لا منصب له ولا فخامة.
ثالثًا:
إن اجتماع المسلمين في عرفات في هذا اليوم العظيم فرصة عظيمة لشهود منافع الحج التي أرادها الله تعالى وذكرها في قوله: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ….﴾ (الحج).
وأهم هذه المنافع والتي أصبحت واجبًا حتميًّا على الأمة المسلمة: ضرورة تحقيق التعاون بين الأقطار العربية وبين الأقطار المسلمة، فهذا الاجتماع في عرفات فرصة عظيمة لسد الثغرات والوقوف على أحوال العالم المسلم.
إنه لا يليق بالأمة المسلمة التي قال الله عنها ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 110)، أن يكون هذا هو حالها من الضعف في التعاون في الوقت الذي نرى فيه هذا التعاون الكبير بين البلاد الأوروبية في صورة سوق مشتركة وعملة واحدة وتيسير في التنقل بين البلاد الأوروبية فحري بالأمة المسلمة وهي في هذه الأماكن المقدسة أن تحقق التعاون الذي أمرنا الله به فقال ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (المائدة: من الآية 2).
والعوامل التي تساعد على تحقيق هذا التعاون موجودة، فأمة الإسلام أمة لغتها واحدة، وماضيها واحد، وأهدافها واحدة، وآلامها واحدة، وهم في عرفات يتجهون إلى رب واحد، وبزي واحد، وفي زمان واحد، وبنداء واحد “لبيك اللهم لبيك….”، وهذا كله يساعد على تحقيق التعاون الذي تكون ثمرته التقدم والازدهار والمحبة والألفة، وإنجاز الأعمال الكبيرة التي ترضي جماهير الأمة العربية.
رابعًا:
هذا اليوم العظيم يذكرنا بأعظم مخلوق خلقه الله، يذكرنا بحبيب القلوب صلى الله عليه وسلم يذكرنا بلقاء الوداع في حجة الوداع، ما أروعها من ساعة، وما أجمله من لقاء، حيث اجتمع من أرسله الله رحمة للعالمين مع الجموع الحاشدة الخاشعة المتضرعة، وكلهم قلوب واعية وآذان صاغية لنظرات الوداع، ولكلمات الوداع، كلمات من الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
لقد أنصتت الدنيا بأسرها لتسمع كلام الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم وهو يعلن المبادئ والقيم العظيمة التي تحيا بها الأمم وتتقدم، وأهم هذه المبادئ:
– حرمة الدماء والأموال والأعراض.
– حرمة الربا.
– العدل وهو سمة الإسلام الأولى، وبه قامت السموات والأرض، ومن أجل ذلك فأول ربا يوضع هو ربا العباس بن عبد المطلب عم محمد صلى الله عليه وسلم.
– حقن الدماء.
– حرمة التلاعب بدين الله.
– حق الرجل على المرأة، وحق المرأة على الرجل.
– الرابطة العليا للأمة هي رابطة العقيدة والإسلام، هذه الرابطة التي تربيهم على مبدأ المساواة والتعاون في تطبيق أحكام الإسلام.
في هذا اليوم العظيم لخص الحبيب صلى الله عليه وسلم لأمته بل للبشرية مبادئ الرحمة والإنسانية، وأرسى لهم دعائم السلم والسلام، وكانت آخر وصاياه صلى الله عليه وسلم لأمته: التمسك بكتاب الله والاعتصام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم مصدر التلقي والطريقة المثلى لحل مشاكل المسلمين التي قد تعترض طريقهم في الرجوع إلى مصدرين فيهما الأمان من كل شقاء وضلال هما: كتب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-
صدقت يا رسول الله، لقد ضمنت لأمتك الأمان من كل شقاء وضلال إذا تمسكت بهذا الكتاب، وهل وصلت أمة الإسلام إلى ما وصلت إليه من ضعف وذل وهوان إلا بهجر كتاب الله وترك منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
كم هي البشرية في أشد الحاجة إلى مراجعة نفسها، وتدارك أمرها، لكي تسير على منهج ربها وتهتدي بهدي نبيها صلى الله عليه وسلم.
خامسًا:
حري بالمسلمين، وهم في رحاب عرفات وسائر الأماكن المقدسة وخاصة بيت الله الحرام، ألا ينسوا قبلة المسلمين الأولى: المسجد الأقصى، الذي يجب أن يعود إلى رحاب المسلمين، وأن يتحرر من اليهود، وهذه أمانة ومسئولية سيحاسبنا الله عنها يوم القيامة.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا في يوم عرفة من المقبولين، ومن الفائزين، ومن الذين أعتقهم الله من النار، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله- وحده لا شريك له-، وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا وبعد:
فهكذا عشنا مع هذا اليوم العظيم مع يوم عرفة، من خلال بيان فضله، ومن خلال ذكر بعض العبر والدروس المستفادة من هذا اليوم العظيم، وإذا كنا قد تحدثنا عن قيمة التعاون كقيمة مستفادة من يوم عرفة، فنحن في أشد الحاجة إليها في مصر من أجل عبور هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد.
– لا بد من التعاون في إظهار الصورة الحضارية للمصريين وهم يمارسون اختيار من يمثلهم في المجالس النيابية.
– التعاون فيما بيننا من أجل العمل الجاد لزيادة الإنتاج.
– التعاون في تقديم المصلحة العليا على المصلحة الخاصة، وعدم المطالبة بأية مطالب فئوية في هذه الفترة الانتقالية.
أيها الأحباب:
ونحن بصدد استقبال يوم عرفة العظيم، علينا أن نحسن استقباله بالإقبال على الله تعالى من خلال الأعمال الصالحة وأهمها:
– الصيام في هذا اليوم العظيم، لأن صيام هذا اليوم يكفر ذنوب سنتين، فقد ورد عن أبى قتادة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: “يكفر السنة الماضية والقابلة” (6).
– صلة الأرحام وزيارة الأهل والأقارب.
– التفرغ للذكر والدعاء والاستغفار في هذا اليوم العظيم، وليدع لنفسه ولوالديه ولأهله وللمسلمين، وعلى المسلم أن يلح في الدعاء وأن يوقن بالإجابة، فطوبى لعبد فقه الدعاء في يوم الدعاء.
– الإقبال على كتاب الله تلاوةً وتدبرًا وتأملاً.
– ترسيخ المحبة والحب بين المسلمين من خلال التعاون على طاعة الله والالتقاء على الطاعة في المسجد.
وأخيرًا يجب علينا أن نحسن الاستعداد للقاء الله تعالى.
اللهم اجمعنا بحبيبك المصطفى يوم القيامة، اللهم أسقنا من حوضه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا، اللهم نجنا من عذاب القبور، واجعلنا في الآخرة من أهل السعادة والسرور، اللهم انظر إلينا في يوم عرفة، وأعنا فيه على طاعتك، اللهم وفق الحجاج في عرفات وفي كل الأماكن وأعدهم سالمين مقبولين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين، اللهم انصرهم على اليهود المجرمين، وزد في ثباتهم ويقينهم يا رب العالمين، اللهم احفظ مصرنا من كيد الكائدين ومكر الماكرين وتربص المتربصين، اللهم صب الخير على مصر صبًّا، اللهم ألف بين قلوب المصريين، وحقق التعاون بينهم يا رب العالمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أضف تعليقك