• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: صادق أمين

لا شك أن الإنسان في الدنيا في امتحان، تسجل فيه الحسنات والسيئات، وكل عاقل يسعى إلى زيادة رصيده من الحسنات وتخفيض ديونه من السيئات لكي يكون من الفائزين بل من المتفوقين يوم القيامة.

وقد جعل الله لنا دورات تساعدنا على النجاح بل التفوق، ورمضان فرصة كبيرة لتحقيق أمرين: التخلص من السيئات، ومضاعفة الحسنات، ففي تكفير السيئات قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، علما بأن هذا التكفير لا يشمل حقوق الناس والكبائر إلا بالتوبة بكل شروطها.

وأما مضاعفة الحسنات فهي في ليلة القدر، وسأتحدث عنها من خلال النقاط التالية:

1- اسمها وفضلها: القدر هو المكانة، والمنزلة العالية، فهي أعظم ليلة في السنة على الإطلاق، فهي خير من ألف شهر ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)﴾ (القدر)، وكفاها بذلك منزلة، والشهر القمري غالبًا 30 يومًا، فهذه الليلة إذن خير من ثلاثين ألف ليلة، أي إن الحسنات تتضاعف فيها بأكثر من ثلاثين ألف ضعف، فإذا كانت الحسنة في غيرها بعشر حسنات على الأقل فالحسنة فيها بثلاثمائة ألف حسنة على الأقل، تصوروا أن لكم فيها بقراءة كل حرف من القرآن الكريم أكثر من 300 ألف حسنة، فكم لك في كل صفحة أو جزء، وما بالك إذا رافق ذلك القيام؟ وكم يساوي ذلك بالمائة، إنه يساوي 30000000 ثلاثين مليونًا بالمائة، أخي وأختي إذا كان بعض الناس يرتكب كبيرة الربا؛ لأنه سيأخذ خمسة أو عشرة بالمائة سنويًّا، فما بالك بثلاثين مليون بالمائة؟!!!، ولو قيل لأي إنسان قُم العشر الأواخر كلها ولك راتب أكثر من ألف شهر، أي أكثر من ثلاثة وثمانين سنة، فمن منا سيتردد في ذلك؟!!!.

2- وقتها: تحديد وقت ليلة القدر لا يؤخذ إلا من الوحي، وقد نزل الوحي بالمعلومات عن موعدها بالتدريج، فجاءت الأحاديث في تحديد موعدها كأنها متعارضة، ولذلك تعددت آراء العلماء في ذلك، لكننا لو راعينا أن الوحي نزل بتحديد موعدها بالتدريج من الأعم الأوسع إلى الأخص الأكثر تحديدًا لزال كثير من التعارض الظاهري في ذلك:

* ففي البداية لم يكن أحد يعلم في أي شهر هي، إنما هي ليلة في السنة كلها، وكان من الصعب كثيرًا على الإنسان أن يقوم السنة كلها لا تفوته ليلة.

* ثم أُوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها في رمضان، قال تعالى ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ (البقرة: من الآية 185)، فأصبح المطلوب لمن يلتمسها أن يقوم شهرًا واحدًا من السنة كلها، وهذا أسهل بكثير، وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأول من رمضان ظنًّا أنها فيها، ثم اعتكف العشر الأوسط ظنًّا أنها فيها.

* ثم أوحي إليه صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر فاعتكف، ففي الحديث الصحيح: "أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ ... ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ فَدَنَوْا مِنْهُ فَقَالَ إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ".

* ثم أوحي إليه أنها في الوتر من العشر الأواخر فقال صلى الله عليه وسلم: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ".

* ثم أخبرهم صلى الله عليه وسلم أنها في الوتر من السبع الأواخر فقال: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ" وهذا آخر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فهي واحدة من ثلاث ليالٍ لا رابع لها إما ليلة خمس وعشرين أو ليلة سبع وعشرين أو ليلة تسع وعشرين، وهكذا أصبح الأمر سهلاً فهو أجر عظيم جدًّا في واحدة من ليالٍ ثلاث، وهذا إن كانت بداية الشهر صحيحة، أما إن كانت غير صحيحة فإن الليالي الفردية تصبح زوجية، والزوجية تصبح فردية، فليتنبه إلى هذا.

3- علامتها: يتداول الناس كثيرًا من العلامات لليلة القدر، بعضها ورد في بعض الروايات، وبعضها من تأليفهم، وباختصار فإنه لم يصح في علامات ليلة القدر إلا علامة واحدة فقط، وهي (أَنَّهَا- أي الشمس- تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا) ولكن هذه العلامة لو كانت واضحة مستمرة لاستطاع الصحابة رضي الله عنهم بحرصهم المعروف أن يرصدوا ذلك وأن يحددوا أي ليلة هي، وأن يتفقوا على ذلك، ولكن ذلك لم يحدث بوضوح، مما يدل على أن هذه العلامة إما أنها كانت في سنة معينة فقط، أو أنها ليست واضحة للجميع بما يكفي، كما أن هذه العلامة تظهر بعد انتهائها، ويكون قد فات الأوان.

وأما بقية العلامات فلا صحة لها، فمثلاً الروايات التي تذكر أنها ليلة صافية ليس فيها ريح ولا حر ولا برد ولا مطر غير صحيحة من الناحيتين الحديثية، والواقعية، فليس هناك ليلة ليس فيها ذلك على مستوى الكرة الأرضية كلها، كما تبين الأحاديث الصحيحة أن السماء قد أمطرت في ليلة القدر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن قد يُري الله شخصًا علامة واضحة تدله على أن هذه الليلة هي ليلة القدر، ويكون هذا من قبيل الكرامة التي يراها هو ولا يراها بقية الناس، ويستدل لذلك بحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: "قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي".

4- قيامها: المطلوب لتحصيل أجر ليلة القدر كاملاً قيام الليلة كلها من صلاة العشاء حتى طلوع الفجر، فقد (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ) أي أحياه كله، ولكن من قام جزءًا منها كان له من الأجر بمقدار ما قام.

واحرص أخي أن تشجع أهلك على قيامها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، حتى لا يفوتهم هذا الخير العظيم، وحتى لا تكون أنانيًّا، أرأيت لو قيل: إن من يقوم ليلة القدر فله مليون دينار سواء كان صغيرًا أو كبيرًا ذكرًا أو أنثى، أفيمكن أن تضيع هذا على نفسك وزوجك وأولادك؟ أم أنك تعد العدة وتتحايل عليهم بكل الحيل لينالوا هذه الجائزة العظيمة؟

وأفضل إحيائها القيام؛ لأنه يجمع بين الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها وبين قراءة القرآن فيها وبين الدعاء والذكر، فإن تعب فلينوع في إحيائها من قراءة للقرآن وذكر وتسبيح واستغفار وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ودعاء.

وأفضل الدعاء هو الدعاء المأثور السابق في حديث عائشة، وانظر ما أقصره، ولكنه جامع لخير الدنيا والآخرة، وكان يتصور أن يعطيها النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً طويلاً مفصلاً، ولكن خير الكلام ما قل ودل، ثم يأتي في الفضل جوامع الكلم من الأدعية المأثورة في القرآن والسنة، ومن أهمها ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (البقرة: من الآية 201)، وادع لنفسك ولوالديك ولأمواتك وأرحامك ولمشايخك ولأخوانك ولأصحاب الحقوق عليك وللمؤمنين والمؤمنات ولمن شئت، ولا تنس أن تدعو الله عزَّ وجلَّ أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يفرج عنهم، وأن ينصر المجاهدين، فما أحوجنا بعد العمل إلى الدعاء.. تقبل الله منا ومنكم.. والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليقك