بقلم: عامر شماخ
مقالٌ نشرته “المصرى اليوم” موقعًا باسم “نيوتن” يوم الأحد (12 من أبريل)، بعنوان: (استحداث وظيفة) –أثار جدلًا كبيرًا، وألقى بتساؤلات عدة حول نية النظام فيما يخص (الملف السيناوى)، وخططه المستقبلية بعد نجاحه فى تحويل هذا الجزء الغالى من بلدنا إلى ساحة قتل، وشيطنة أبنائه.
المقال يبدو بريئًا لمن لم يقرأ بين السطور، أو لمن لا يعرف كاتبه؛ لكنه فى الحقيقة فكرة مشبوهة، فى توقيت مشبوه. أما موجز الفكرة فهو فصل سيناء عن مصر بحكم ذاتى وتعيين حاكم مستقل لها. أما الكاتب “نيوتن” فهو رجل الأعمال “صلاح دياب”، مؤسس “المصرى اليوم” [أكد ذلك رئيس تحرير الجريدة الحالى “عبد اللطيف المناوى” [مصراوى: السبت، 18 من أبريل]، وأما التوقيت المشبوه؛ فهو استغلال ظروف الجائحة وانشغال الناس بها، كما يصادف حلول ذكرى الاحتفال بعيد تحرير سيناء: 25 من أبريل، وفى أثناء إجراءات سعودية لإخلاء مناطق شاسعة على البحر الأحمر لتنفيذ مشروع (نيوم).
نعود فنفصِّل؛ اقترح السيد “دياب” فى أربعة مقالات متتالية: (استحداث وظيفة “حاكم سيناء”، مدة التعاقد 6 سنوات؛ متجاوزًا مهام المحافظ.. الوظيفة تتطلب الاستقلال التام عن بيروقراطية القوانين السائدة.. مطلوب الابتعاد عن ميزانية الدولة.. لن يجمع الإقليم بالدولة إلا السياسة الخارجية والدفاع المسئول عن حماية الحدود.. من يتولى هذه الوظيفة تكون له الحرية لإقامة النظام الأفضل للحكم المحلى.. من المتوقع أن تكون سيناء بعد هذا الاستقلال أحد النمور الآسيوية)، ثم هدد دياب: إن لم نفعل فإنها –أى سيناء- ستكون ملعبًا للجماعات الإرهابية.
مَنْ “صلاح دياب”؟ هو أكبر شريك تجارى لـ”إسرائيل”، فضلًا عن استعانته بـخبراء صهاينة فى إدارة مشروعاته الزراعية وفى استيراد وتجارة الذهب. وهو أيضًا أكبر شريك تجارى للأمريكان؛ إذ من خلال مجموعة “بيكو” التى يملكها استطاع الحصول على (43) توكيلًا لكبرى الشركات الأمريكية، بما يمثل (70%) من مجموع توكيلات الأمريكان فى مصر، والرجل أخو النظام، باستثناء مرة صدام واحدة (فى 7 من نوفمبر 2015)، ويبدو أنهم طلبوا منه التبرع فامتنع؛ حيث تم القبض عليه وعلى زوجته، وتم التحفظ المؤقت على أموالهما، ثم تبرع بعدها لصندوق “تحيا مصر”، ثم تلاشت القضية، ولا يزال يمارس أعماله بكل حرية.
هكذا وضحت أجزاء كبيرة من الصورة، لكن لم يكتمل ظهورها… بعدما نُشر المقال تناوله المعارضون بالنقد والتخوين، فانبرى لهم مؤيدون لكاتبه يهاجمونهم ويقنعونهم بعبقرية الفكرة، ثم ثار الجدل بشكل أوسع؛ فهُرع النظام يستدعى لجانه وإعلامييه قبل أن يفلت الزمام وتنكشف الحيلة، وذهبوا يجلدون “نيوتن” ويخونونه، كلٌّ بطريقته، وكالعادة قدم محام بلاغًا للنائب العام، وقدم آخرون بلاغًا للمجلس الأعلى للإعلام، الذى اكتفى باستدعاء (الممثل القانونى) للمؤسسة يوم الثلاثاء (21 من نوفمبر).
ولكى تكتمل الصورة ضع ما قالته “أخبار اليوم”، الجالس عليها ابن من أبناء “الجهة السيادية”، وصحف أخرى تابعة للنظام، وما قاله السيد “مكرم محمد أحمد”، رئيس مجلس الإعلام والذى سيحقق فى البلاغ.. أخبار اليوم” قالت إن هذا المقترح (إحياء لمشروع إخوان الإرهاب) [الجمعة، 17 من أبريل]، وبالغت صحيفة أخرى فقالت إن كاتب المقال هو “خيرت الشاطر” [كنوز عربية، 16 من أبريل]، وقال السيد “مكرم محمد أحمد”: (قراءتى للمقال هى قراءة صحفى، وأنا حريص على حق الصحفى فى التنويع فى الفكر… لسنا حرًّاسًا على تقييد حرية الفكر والرأى فى الصحف، نحن نتحقق أكثر من أن نحقق، ولا نهدف إلى تعويق الفكر أو محاكمة النوايا، نحن نستكشف ونستوضح الأمر والمقاصد من هذا المقال، وفى اعتقادى أن المخالفة ليست جسيمة، والتحقيق قد يصل إلى لفت النظر أو العتاب على الصحيفة فقط) [مصراوى، 18 من أبريل].
إذًا المقال (جس نبض) وباتفاق، والرجل حصل على البراءة من السيد “مكرم” قبل التحقيق، وهم لا يتركون الكرة تتجه إلى مرماهم، بل لا بد من استثمار الواقعة للصق التهمة بـ(الإخوان) ثم الانسلال بثقة كمن لم يرتكب جرمًا؛ ليعودوا مرة أخرى وبحيلة مختلفة، وهذا يعنى أن القضية لم تنته، بل تلك خطة من خطط، وخطوة من خطوات، وقد اعتدنا هذا (السيناريو) من التفريط على يد العسكر حتى ضاعت السودان وغزة وتيران وصنافير ومياه النيل وغاز المتوسط، وستظل محاولاتهم دائبة لفصل سيناء عن مصر، وسيظل الأحرار يعرُّونهم مع كل محاولة، وهم يصدّرون للعالم الآن أنها صارت (عبئًا)، أو (خارج السيطرة)، وقد تمت صناعة هذه الحالة بأيديهم عامدين، ووسط تعتيم تام على ما يجرى هناك، ولو كانوا حريصين عليها لاستثمروا فيها، ولمهدوا طرقها وعمروا مدنها، ولأحدثوا تغييرًا “ديموجرافيًّا” على مدى نحو (40) سنة مضت، لكن العكس هو الذى يحدث، فهم جادون فى إخلائها، عازمون على تخريبها، وقد محوا عددًا من مدنها وقراها، ودمروا مزارعها، ولا زالت آلة قتلهم تحصد أرواح أبنائها.
ستظل “سيناء” فى نظر الأحرار هى الجزء الأغلى فى “المحروسة”؛ إذ هى بوابتها الشرقية، وعينها الفاحصة للداخل والخارج، ومفتاح أمنها القومى، وهى مهبط الرسالات، وطريق الأنبياء، وممر الفاتحين، وهى وثاق العالم الإسلامى، قديمًا وحديثًا، ورمانة ميزانه، وقد صارت يمًّا معوقًا للأعداء، ودرعًا لمصر وما وراءها، والمفرط فيها –كما أفتى العلماء- بائع لدينه، خائن لوطنه، قد تناسى أن دماء آبائنا على تلك البقعة المباركة لا زالت تنادى بالقصاص ممن أسالوها.
أضف تعليقك