بقلم قطب العربي
تتصاعد الضغوط المحلية والعالمية على النظام المصري لإطلاق سراح السجناء الذين تتكدس بهم السجون وأماكن الحجز الأخرى، سواء معسكرات الأمن أو أقسام الشرطة، إنقاذا لهم من وباء كورونا. كان أحدث هذه الضغوط هو بيان المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشيليت التي دعت الدول للإفراج عن السجناء لإنقاذهم من خطر داهم، كما أن منظمة الصحة العالمية تسير في الطريق ذاته، وقبل ذلك دعت منظمات الصليب الأحمر الدولي وهيومن رايتس ووتش والعدل الدولية السلطات المصرية للإفراج عن السجناء، كما دعت العديد من المنظمات الحقوقية المصرية للمطلب ذاته.
وظهرت خلال الفترة القليلة الماضية ثلاث حملات حقوقية إعلامية للمطالبة بإطلاق السجناء، منها حملة بعض المنظمات تحت عنوان "أنقذوهم"، وحملة بعض النشطاء بعنوان "خرجوا المساجين"، وثالثة بعنوان "فيه وباء خرجوا السجناء"، ناهيك عن بعض البيانات لقوى سياسية أو مطالبات لشخصيات عامة مثل الدكتور محمد البرادعي، وكتاب صحفيين كان أحدثهم رئيس تحرير جريدة المصري اليوم.
أما على الصعيد العملي، فإن العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية بدأت بالفعل في إطلاق السجناء تباعا، حدث ذلك في إيران، والسودان، والأردن، وفرنسا، وبعض الولايات الأمريكية.. الخ، ومن المتوقع أن تلحق بها العديد من البلدان الأخرى مع تصاعد الخطر فيها.
الوضع في السجون المصرية في منتهى السوء في الأوضاع الطبيعية حيث الاكتظاظ الشديد، وحيث غياب الرعاية الصحية من الأمراض التقليدية التي تصيب السجناء، فوفقا لتقرير للمجلس القومي لحقوق الإنسان نُشر عام 2016 فإن "نسبة التكدس في السجون تصل إلى 150 في المئة وتتجاوز 300 في المئة في أماكن الاحتجاز الأولية (أقسام شرطة ومديريات أمن). كما ذكر المجلس في تقريره السنوي 2015/ 2016 عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، أن تقارير وفود المجلس التي زارت السجون أجمعت على ضعف الخدمات المتاحة في السجون نظرا لحالة التكدس وضغطها الشديد على الخدمات" ويزداد الوضع خطورة مع تفشي وباء كورونا الذي يعجز العالم المقتدم عن علاجه حتى هذه اللحظة.
وقد تناثرت الأخبار مؤخرا عن وجود حالات إصابة بكورونا في السجون المصرية، مثل طرة ووادي النطرون والوادي الجديد، بل أشارت إحدى الروايات إلى إصابة ضابط، إلا أن شيئا من ذلك لم يتأكد، ولكن عدم التأكيد لا يعني نفي الحدوث تماما، فالسجناء الآن معزولون تماما عن العالم، فالزيارات العائلية ممنوعة تماما منذ العاشر من آذار/ مارس، والجلسات القضائية متوقفة، ولم يبق سوى الاتصالات الهاتفية لبعض السجناء الجنائييين، وهي التي ربما أشار بعضها لحالات الاشتباه تلك.
أحد الإنجازات الرئيسية لنظام عبد الفتاح السيسي هو التوسع في بناء السجون وليس المستشفيات أو الجامعات، حيث ارتفع عدد السجون التي بنيت في عهده إلى 26 سجنا من أصل 68 سجنا في عموم البلاد. وعلاوة على هذه السجون، فهناك 382 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة في مختلف المحافظات، إضافة إلى السجون السرية في المعسكرات، وذلك وفقا لتقرير صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
السؤال: هل سيستجيب نظام السيسي لتلك الضغوط المتصاعدة محليا ودوليا، والمدعومة بتصاعد أزمة كورونا محليا ودوليا أيضا؟
تبدو الإشارات متضاربة من النظام، فبينما يفرج عن 15 شخصية سياسية كانوا تحت الحبس الاحتياطي بقرار من النائب العام، و500 سجين جنائي وفقا لعفو رئاسي وشرطي، فإنه يواصل حبس المزيد من النشطاء أيضا. ويحضرنا هنا الصحفي أحمد الطنوبي الذي كان خارجا قبل شهرين فقط من حبس احتياطي استمر سنتين، والناشطة نيرمين حسين والتي كانت قد خرجت لتوها من حبس احتياطي، وأضيف إليهم الناشط الحقوقي محسن البهنسي بسبب دعوته على صفحته للإفراج عن السجناء.
كما أن النظام أجرى تعديلا على قانون السجون قبل عدة أيام، ألغى منه حق الإفراج الشرطي عن المتهمين في القضايا السياسية والتي تصنف ضمن قضايا الإرهاب، وهو الحق الذي كان يتضمنه القانون من قبل، حتى وإن لم تكن وزارة الداخلية تطبقه فعليا على السجناء السياسيين؛ إلا أن القانون فتح الباب لبعضهم لرفع دعاوى قضائية كسبوها بالفعل، ولذلك أرادت السلطة إغلاق هذا الباب تماما.
يعتبر نظام السيسي الانحناء للضغوط المحلية والدولية علامة ضعف، وبالتالي يرفض التجاوب معها عادة، ولكن خطورة وباء كورونا، لا بد أن تدفعه لتقليص عدد السجناء، وسيكون الأمر حاسما حال وقوع إصابات فعلية في السجون، فهنا لن يقتصر الخطر على السجناء بل سيطال السجانين أيضا، وهم ضباط وجنود وزارة الداخلية. لكن السيسي حين يضطر لإطلاق سجناء فإنه حتما سيطلق سراح الجنائييين حتى يكسب بهم "بنط سياسي" على المستوى الدولي من ناحية، وحتى يوظفهم وأسرهم لصالحه في الداخل من ناحية أخرى، أما السجناء السياسيون فسيبقون في آخر اهتماماته، لكن تصاعد الضغوط لإطلاق سراحهم حتما سيجبره على إطلاق دفعات منهم على الأقل من كبار السن والنساء، والمحبوسوين احتياطيا.
أضف تعليقك