بقلم: قطب العربي
رغم مرور 9 سنوات على استفتاء التاسع عشر من مارس 2011 أي بعد 5 أسابيع فقط من خلع الرئيس المصري الراحل حسني مبارك إلا أن تداعياته لا تزال باقية خصوصا في حالة الاستقطاب التي كرسها بين شركاء الثورة، والتي ظلت تكبر يوما بعد يوم، ولم تنجح أي جهود في التخلص منها حتى الآن وهو ما يمكن وصفه بفيروس"كورونا" سياسي أصاب الثورة المصرية مبكرا، ولا يزال ينهش جسدها حتى الآن.
كان يوم التاسع عشر من مارس 2011 محطة مهمة من محطات الثورة المصرية، إذ كان المجلس العسكري الذي انتقلت إليه السلطة بعد خلع مبارك قد أوقف العمل بدستور 1971 ودعا للاستفتاء على تعديل 8 مواد منه، وهي المواد التي كانت محل اعتراض القوى السياسية قبل الثورة، ثم أضاف المجلس إليها 3 مواد جديدة ، لتصبح التعديلات المعروضة على الاستغتاء 11 مادة أهمها تلك المتعلقة بشروط وطريقة انتخاب رئيس الجمهورية والإشراف القضائي عليها، وسرعة انتخاب برلمان جديد خلال ستة أشهر، عقب انتهاء عملية الاستفتاء التي انتهت بالحسم لصالح التعديلات بنسبة 77%. لم يكتف المجلس العسكري بتلك التعديلات بل أصدر إعلانا دستوريا مطولا من 62 مادة، وكان ذلك قفزا على الإرادة الشعبية ذاتها التي لم تستشر في بقية البنود، لكن الداعمين للاستفتاء وكنت واحدا منهم لم يعترضوا في ذلكم الوقت على هذا التصرف بحكم الحالة الحميمية التي جمعتهم مؤقتا مع المجلس العسكري ( شخصيا كتبت متحفظا على ذلك الشكل وليس المضمون)
أصحاب هوى:
بنظرة آنية لتلك المحظة الفاصلة بعد 9 سنوات من حدوثها، يظهر أن هناك نفرا قليلا كانوا مخلصين لمواقفهم المبدئية سواء المؤيدة أو الرافضة لتلك التعديلات، بينما كان الأغلبية على الطرفين أصحاب هوى، وكانت المصلحة الحزبية الذاتية وليست الوطنية هي المحرك لهما، فالإسلاميون وجدوا الفرصة سانحة لهم للفوز في الانتخابات البرلمانية في ظل ضمانات نزاهة حقيقية لم تتوفر من قبل على مدى ستين عاما حرموا فيها من فرصتهم، والعلمانيون كانوا يرون أحقيتهم بتسيد المشهد السياسي والهيمنة على مفاصل السلطة وفقا للشرعية الثورية وليس وفقا لانتخابات تنافسية يعرفون مسبقا نتيجتها، وقد كانوا يعيشون في وهم أنهم فقط من أشعل الثورة وبالتالي فمن حقهم جني ثمارها بعيدا عن أي عمل سياسي آخر، والحقيقة أن تلك اللحظة كانت تقتضي استشعار المسؤولية الوطنية من الجميع، وإعلاء مصلحة الوطن على مصلحة الأحزاب والكيانات والجماعات، والحوار بطريقة هادئة وغير متشنجة للوصول إلى حلول توافقية وطنية تنقذ الثورة وتتقدم بها إلى الأمام .
كان الاستفتاء هو أول استحقاق سياسي لثورة يناير، ورغم انشطار القوى الثورية إلى نصفين أحدها يؤيد، والآخر يعارض الاستفتاء، ورغم الانقسام حول فكرة الدستور أولا أم الانتخابات، إلا أن كل القوى تقريبا شاركت عمليا في ذلك الاستقتاء، ولم تنس الذاكرة تلك الحملات القوية التي استخدمت فيها غالبية وسائل الإعلام وبالذات "الخاصة" وهي الأعلى صوتا لحشد المقترعين للتصويت بالرفض، ومشاركة كبار نجوم الفن والثقافة والسياسة والاقتصاد في إعلانات تلفزيونية داعية للتصويت بلا، وكانت تلك الحملات الإعلامية بقيادة رجل الأعمال نجيب ساويرس، وأيضا دور الكنيسة في حشد الأقباط، في الوقت الذي استخدمت فيه القوى الداعمة للاستفتاء وهي المجلس العسكري الحاكم والقوى الإسلامية بجانب حزب الكنبة الذي لا يهمه سوى عودة الاستقرار سريعا، كل أدواتها الممكنة أيضا، ومنها المساجد، والفضائيات الخاصة، والتجمعات الشعبية،..إلخ، وجاءت نتيجة الاستفتاء لتصب مزيدا من الزيت على النار، إذ كانت كاشفة للأوزان النسبية للقوى المختلفة، وهو ما أزعج بعض القوى التي شعرت بالحرج من انكشافها أمام المجتمع المصري والدولي.
التداعيات:
الكتابة الآن عن تلك المحطة الفارقة ليست مجرد ترف فكري أو محض اجترار للتاريخ ولكن لأننا ما زلنا نعيش تداعيات تلك المحطة، فكل المحاولات التي بذلت على مدار السنوات الست الماضية لتوحيد صفوف القوى الثورية أو على الأقل الوصول إلى مظلة تنسيقية ولو فضفاضة بينها تحطمت على صخرة الخلافات القديمة التي فجرها استفتاء 19 مارس ثم تصاعدت لاحقا، ومالم تتجاوز القوى الوطنية تلك المحطة فلن تتمكن من التحرك قدما إلى الأمام رغم ما يحيق بالوطن من كوارث أخطرها حاليا أزمة سد المنهضة وحتى أزمة الكورونا، بل رغم ما يحيق بها أي تلك القوى نفسها من ضربات موجعة على يد زبانية النظام، وهي ضربات لم تفرق بين إسلامي وعلماني تجمعهم المنافي وزنازين السجون ومقابر الشهداء.
استفتاء التاسع عشر من مارس 2011 كغيره من محطات الثورة الفارقة أصبحت ذكريات تارخية الآن، وإن كانت تداعياتها لا تزال حاضرة، ولا تزال مانعة لعمل مشترك ضد النظام القائم، والوقوف عند تلك المحطات وعدم تجاوزها للأمام يعطي المزيد من الفرص لهذا النظام للتنكيل بالشعب، وخيانة الوطن، وإيقاع المزيد من الضربات بالمعارضة نفسها، وقد لاحظنا أن هذا النظام لم يعبأ بالمعارضة في الأزمات الكبرى التي يمر بها الوطن مثل سد النهضة وأزمة الكورونا، والتي كانت تقتضي منه الاستعانة بالمعارضة ولو بجزء صغير منها ممن تقبل الإصلاحات الجزئية من داخل النظام نفسه لتجميل صورته، لكنه لم يفعل لاحتقاره للمعارضة في عمومها، بينما شهدنا صورة مختلفة في الدول الأخرى، ففي إثيوبيا أشركت الحكومة المعارضة في كل القرارات الكبرى المتعلقة بسد النهضة، وفي فرنسا أشرك الرئيس إيمانويل ماكرون المعارضة ، وحتى الرؤساء السابقين معه في القرارات الخاصة بمواجهة الكورونا.
أمام استمرار حالة الاستقطاب، والرواسب النفسية بين القوى المناهضة والمعارضة للنظام الممتدة منذ مارس 2011 وحتى الآن، والتي تمنعها من التوحد تحت مظلة واحدة لم يعد هناك بد من تجمع كل تيار في مظلة، (الإسلاميون تحت مظلة وكذا الليبراليون تحت مظلة وأيضا اليساريون) وبعد قيام هذه المظلات يمكن الحوار بين قادتها للوصول إلى حالة تنسيقية بينها، تمهد لما هو أفضل مستقبلا لإنقاذ الوطن من هذا النظام الغاشم فهل يفعلونها قبل أن تقضي الكورونا عليهم؟
أضف تعليقك