لم يثبت علميًا أن فيروس كورونا يصيب سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين أكثر من غيرهم، ولا يعرف القانون الطبيعي أو المعيار الأخلاقي أن المطالبة بإنقاذ السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي المحبوسين احتياطيًا، دون غيرهم من السجناء والمحبوسين العاديين، من المتهمين في قضايا جنائية، يمكن أن تكون قضية عادلة، أو مطلبًا إنسانيًا وثوريًا نزيهًا.
لسنا هنا بصدد موقف نقارن فيه بين مكدّسين في الزنازين ومقار الاحتجاز في لحظة يعم فيها الوباء، ولا يجوز هنا التصنيف والفرز على أساس الفروق الطبقية أو الثقافية أو الأيديولوجية، أو حتى حجم الاتهامات الموجهة لهذا السجين أو ذاك المعتقل، كما لا يستقيم، إنسانيًا أو أخلاقيًا أو قانونيًا، استثناء أو تمييز فئة على سواها، في مواجهة خطر كارثة طبيعية لا تفرّق بين البشر، ولا تعرف التصنيفات العقيمة.. لم يتوصل العلماء بعد إلى أن كورونا يمضي قيلولته مستمعًا لأغنية "إحنا شعب وانتم شعب".
السلامة، كما العدالة، مطلوبتان في كل وقت ولكل سجين، بما هو إنسان فحسب، وليس بما هو مثقف أو صاحب رأي أو شخصية معروفة، أو قريب من النظام أو بعيد عنه، ومن ثم أكرّر أنه منتهى الوقاحة العنصرية، والعنصرية الوقحة، أن يطالب أحد بإخراج السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي فقط لإنقاذهم من احتمالات الإصابة بفيروس كورونا داخل زنازين غير آدمية، مع تجاهل بقية السجناء الجنائيين أو حتى أصحاب السوابق الذين لا شلة أيديولوجية أو تيار سياسي يذكرهم ويناضل من أجل سلامتهم.
الصحيح أنه يجب ألا يعاقب إنسان بالسجن لأنه صاحب رأي أو موقف سياسي أصلًا، وبالتالي، فالنضال من أجل حريته يجب ألا يتوقف لحظة، ولا ينتظر هجمة الوباء حتى يعود إلى الواجهة، ويصبح قضية ما تسمى الجماعة الوطنية، لكن الصحيح أيضًا أنه حين يجتاح الوباء الجميع، ينبغي أن يكون مطلب السلامة وأمل النجاة للجميع، من دون تفرقةٍ وبمساواة كاملة. وبعد زوال الخطر يمكن أن نقارن بين مستوى الاتهامات والإدانات.
يدهشك أنه في اللحظة التي يدعوك فيها بعضهم بنسيان الخلافات وتجاوز التناقضات مع سلطةٍ مشهود بإجرامها وفسادها، على اعتبار أن الكل في قارب واحد، لا يستطيع هذا الـ "بعضهم" أن يتجاوز الاختلافات الطبقية والثقافية بين المحبوسين الذين يواجهون خطر الإصابة بالفيروس، مكبلين بالقيود، ولا يصل صراخهم إلى أحد.
على أن خطورة التمييز أو الاستثناء أنه يفتح بابًا لتوليد استثناءاتٍ من داخل الاستثناء، حتى نصل، في نهاية الأمر، إلى أن كل فريق يريد إخراج الأقربين في الفكر والتوجه، من دون غيرهم، لنعود إلى تلك الوضعية المنحطّة التي تجعل بعضهم لا يتذكّر الحرية بوصفها قيمة عليا وحقًا إنسانيًا إلا إذا سلبت من معارفه وزملاء فسطاطه السياسي، فتكون المحصلة أن لا حرية لأي أحد.
نموذج لهذا العوار الاستثنائي تجده في بيانٍ منسوبٍ لهذا الكيان الهجين المشوه الذي لا يزال مصممًا على المزاوجة بين 25 يناير، ثورة الكرامة الإنسانية، و30 يونيو، الانقلاب الفاشي على كل القيم الإنسانية في مشروع واحد، فتجده وهو يناشد النائب العام يخلق استثناءً داخل الاستثناء الأكبر، حين ينص على ضرورة "إصدار النائب العام قرارًا بالإفراج الفوري عن المحبوسين والمحتجزين على ذمة قضايا رأى، والسياسيين، وذلك لا يشمل بطبيعة الحال المتورّطين في ارتكاب أعمال عنف، مع اتخاذ التدابير والضمانات القانونية اللازمة.
- إصدار رئيس الجمهورية عفوًا عامًا عن الحالات الحرجة من المرضي والمسنين من غير المتورّطين في ارتكاب أعمال إرهابية أو إجرامية خطرة".
هذه الفقرة تقول بوضوح للنظام الفاشي الحاكم في مصر: استمر في سحق وفرم كل معارضي انقلابك الميمون، ذلك أنه بمسطرة النظام السياسية والتشريعية، فإن غالبية السجناء والمحبوسين بنظره إرهابيون أو متهمون بالإرهاب، لأنهم ينتمون إلى تيار الإسلام السياسي، المصنف إرهابيًا.
قريبًا من ذلك، تطالع بيانات ومناشدات تنضح بالعنصرية والفئوية لمجموعاتٍ وأفرادٍ تلتمس من السلطة النظر بعين العطف، وإخراج فلان وفلان وفلان، بالإسم والصفة، من الأصدقاء والمعارف، لمناسبة هجمة فيروس كورونا.
وبصرف النظر عن أن هذا النظام لا يقيم وزنًا لمناشداتٍ من الأصل، ويمارس عنصريته وفاشيته باستمتاع شديد، فإن مناشدةً واحدةً أفلتت من الاستسلام لمنطق التفرقة العنصرية بين السياسي والجنائي، فيما يخص الحبس الاحتياطي أو عقوبة السجن.
أضف تعليقك