• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم عامر شماخ

لا يخطئ طفل فى وصف ما يُعرف بـ«صفقة القرن» بأنها: «مشهد عبثى» أو«ملهاة مأساوية»، و«استخفاف» من الصهاينة والأمريكان بــ«حكامنا الأشاوس!» الذين لا يزالون يعملون –بإخلاص- وكلاء لهؤلاء وأولئك..

لأول مرة نسمع عن «صفقة» من جانب واحد، ولأول مرة نسمع عن ذوى القتيل يصفقون للقاتل، ولم نر فى تاريخنا ذلًا وضياعًا كما اللحظة الراهنة التى يعتذر فيها «مسلمون!» من أهل الجزيرة لليهود عن «غزوة خيبر»، وللحظة توقعنا تحول رئيس الدولة الفلسطينية -بعد سماعه ببنود الصفقة- من الخضوع إلى السيادة؛ حيث صدرت عنه -فى البداية- تصريحات نارية؛ إذ به يتراجع بعدها بساعات، مذكرًا الصهاينة بما قدمه لهم من (معلومات!) وخدمات، مؤيدًا -فى اجتماع (الجامعة العربية!)- أن تكون دولته منزوعة السلاح.

مشاهد عبثية -بعيدًا عن تحقق تلك الصفقة فى الواقع من عدمه- تدمى القلب، وتضيف إلى تلال الهموم تلًّا آخر؛ فـ«الأمريكى» البلطجى يفرض سيطرته فينتزع حقًّا ليس له؛ ليعطيه لغاصب اعتاد السطو والخديعة، أما صاحب الحق فاعتبروه ميتًا أو مفقودًا ولا وارث له، أما القانون فقد داسوا عليه، والقانون هنا هو الشرعية الدولية والهيئات الأممية والقرارات الصادرة عنها بالحق العربى فى أرض فلسطين.

و«حكام العرب» -إلا قليلاً؛ سارعوا فى البلطجى والغاصب، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة؛ فمنهم من أصدر بيانًا يشكر فيه «الإدارة الأمريكية» على المبادرة التى ستحقق السلام فى المنطقة -إى والله، ويؤيد –من ثم- جميع الخطوات التى اتُخذت فى هذا الصدد، ومنهم -الأكثر عمالة وخضوعًا- الذى بادر بإرسال سفيره لحضور حفل توقيع الصفقة، وقد شاركوا بالتصفيق لِمَا قال الزعيمان، الأمريكى والصهيونى، فضلًا عن الإدلاء بتصريحات إعلامية تثنى على الصفقة وتعتبرها «إنجازًا تاريخيًّا».

وهذا «الإنجاز!» فى الحقيقة تصفية للقضية، وتمكين للكيان الغاصب، ومنع اللاجئين حق العودة، وحصر الفلسطينيين فى «كانتونات» وربطها بطرق وأنفاق تحت سيطرة هذا الكيان، ولو أضفنا إلى ذلك قانون «القومية» الذى أصدره الصهاينة منذ سنتين ويعتبر الفلسطينيين مجرد رعايا أجانب -فإن هذا يعنى أن كل أرض فلسطين -باستثناء هذه «الكانتونات»- سوف تصير أرضًا صهيونية خالصة.

ومن المشاهد العبثية كذلك أن تمتنع المجامع الإسلامية الرسمية عن رفض «الصفقة»، وكأنها أصيبت بالخرس، معتبرة «الصفقة» شأنًا سياسيًّا، وقد اعتادت هذه المجامع عدم التعقيب على الرؤساء والملوك فى قضايا السياسة والحكم، وتناسوا -هداهم الله- أن الأقصى والقدس الشريف وما حولهما من أراضٍ ملك للمسلمين، ووقف كوقفى مكة والمدينة، لا يجوز التنازل عنها، أو التفريط فيها، ومن يفعل ذلك فقد حارب الله وكذب الرسل. ولو أن هذه «العمم» قد اتخذت موقفًا وأعلنت رأيها فى «الصفقة» ما جرؤ الأقزام على تأييدها، وما خالف حاكم واحد هذا الرأى.. لكنها الخيانة فى أجلى صورها؛ خيانة الله ورسوله والمؤمنين.

وما جرى يلفت النظر إلى المحاولات المستمرة منذ سنين لتغييب الإخوان المسلمين عن المشهد، وهم من تبنوا القضية الفلسطينية منذ ظهورها، وأنفقوا لأجلها أموالهم وأعمارهم ودماءهم -والآن انكشف السر؛ فما كان لمثل هذه الصفقة أن تمر، بل أن يُعلن عنها، لو أن الإخوان المسلمين فى الحكم، أو حتى خارجه؛ فإنهم لا يزالون يناوشون العدو ويوقظون الشعوب المخدرة حتى كان لهم فى كل عاصمة محفل ونشاط، تذكِّر بالحق الإسلامى فى فلسطين، وتحذر من مؤامرات الصهاينة، وتدفع الحكام دفعًا إلى تبنى آراء الشعوب.. أما وقد غاب الإخوان فقد حيكت المؤامرة، وعلا الأسافل، وبيعت فلسطين.

ومشهد آخر من المشاهد العبثية؛ هو غياب «القوى الوطنية» الأخرى؛ فلم نر تيارًا واحدًا من التيارات غير الإسلامية أعلن رفضه للصفقة، أو عقد فاعلية للتحذير منها. وإذا كانت الأوضاع السياسية قد مُهدتْ -كما ذكرنا- لوأد الديمقراطية ومنع أى معارضة للحاكم -فلا أرى ذلك عذرًا مقبولاً لهذه التيارات، فإن الدفاع عن فلسطين ومنع «تغول» الصهاينة هو مسألة «أمن قومى» فى المقام الأول، واليوم فلسطين وغدًا مصر والأردن وسوريا وغيرها؛ هذا لو اعتبرنا أن لهذه التيارات «أجندات» تُستنفر لأجلها بعيدًا عن حساب المقدسات الإسلامية.. لكنه الخضوع الشبيه بخضوع «العمم الرسمية»، والأمر نفسه بالنسبة للأقباط الذين لم يُسمع لهم صوت رغم ما لهم من إرث تاريخى ومقدسات فى هذا البلد العريق.

وإذا كانت الصورة الآن تبدو ضبابية والمشهد عبثيًّا؛ فإنا نراها غير ذلك.. نرى تلك «الصفقة» حبرًا على ورق؛ لأنها ليست الأولى التى تُحِلُّ للصهاينة الغصب والسرقة، بل سبقها الكثير من الوعود؛ آخرها قرار نقل السفارة الأمريكية، الذى لم يغير شيئًا على الأرض. بل رغم مرور أكثر من مائة سنة على وعد إنشاء تلك الدولة اللقيطة فإنها لم يقر لها قرار ولم يتحقق لهم أمن، وسوف يظلون هكذا ما دام هناك نَفَسٌ يتردد فى شعوبنا المسلمة، وما دامت راية الجهاد مرفوعة.. وفى غزة العزة المثل؛ فإن الصهاينة فى صفقتهم تلك خططوا ورسموا خرائطهم على كل فلسطين عدا غزة التى يعلمون أن بها سيفًا سوف ينسلُّ على من يحاول دخولها.. فهل استوعب أهل فلسطين هذا الأمر؟ أم فات الأوان؟!

أضف تعليقك