في مؤتمرٍ يتعلق بحاضر ليبيا ومستقبلها، لم يوجهوا الدعوة إلى جارتها المباشرة، تونس، إلا قبل ساعات من انطلاق أعمال المؤتمر في برلين، ولم يوجهوا الدعوة من الأساس إلى المغرب، شقيقة ليبيا التي استضافت اتفاق الصخيرات، حيث انعقد أول مؤتمر للبحث في المأساة الليبية. ولكنهم دعوا أبو ظبي القادمة من غرب آسيا، ومعها بالتبعية الجنرال عبد الفتاح السيسي، ودعيت، ضيف شرف، جامعة الدول العربية، في مؤتمر يحدّد مستقبل دولة عربية، عضو في الجامعة، وتذكّروا في اللحظة الأخيرة دعوة الاتحاد الأفريقي للحضور والفرجة على لعبة تقاسم النفوذ على ليبيا الأفريقية العريقة، فيما انفرد اللاعبون الكبار، الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، مع تركيا وإيطاليا.
خارج هذه التشكيلة، وقفت اليونان ممتعضة معبرة عن استيائها من عدم إشراكها في تحديد مستقبل ليبيا، العربية الأفريقية، التي يتناوشها الذئاب من كل اتجاه، فلم لا يكون لها، مع قبرص، نصيب في الوليمة؟
لم يكن أحد من الحضور يعنيه الشعب الليبي، بقدر ما يشغله ويقلقه النفط الليبي وغاز المتوسط. وبالتالي، لا شيء يدعو إلى الدهشة، حين تتحول الدول العربية، أو هكذا يفترض أن تكون، إلى مجرّد ضيوف شرف أو متفرّجين، وربما كان حضورهم على طريقة جامعي الكرات الواقفين خارج خطوط الملاعب، فيما تدور مباراةٌ أمميةٌ يتنافس فيها الشرق والغرب على مناطق النفوذ والنفط والغاز.
طبيعي والوضع كذلك، أن تصبح جامعة الدول العربية من مكملات الديكور، وأن تحضر أكبر دولة عربية، بوصفها حامل حقيبة للاعب الصاعد القادم من أبو ظبي، وأن يقتصر دورها على الصفير والطبل والهتاف لمضايقة اللاعب القادم من أنقرة.
في مثل هذه المناسبات، لا ترهق نفسك في السؤال عن قواعد القانون الدولي، والمبادئ الأخلاقية والإنسانية، ولا تشغل نفسك بالتفكير في مقتضيات التاريخ والجغرافيا والوزن الحضاري، أو روابط الدم والمصير المشترك، فالكل يلتقي هنا بقانون الصفقة، لا على المبدأ الإنساني والأخلاقي، فلا غرابة، إذن، أن يلقى مجرم حرب وقاطع طريق وقائد انقلاب على سلطة شرعية معاملة الرؤساء المنتخبين والقادة الطبيعيين للأمم الطبيعية، ذلك أن مستوى الرؤية في هذه المحافل لا يتجاوز حدود النفط والغاز ومناطق النفوذ.
وما دامت الشقيقة الكبرى قد انحدرت إلى مستوى أن يتصوّر حاكمها أنه مجرّد عامل "ديليفري" يلبّي طلبات الدافعين والمانحين في المنطقة، وما دام يعتبر أن شهادات النجاح، ورخص القيادة، وضمان السلامة والبقاء، مرهونة برغبة اللاعب الصهيوني، فلا داعي لأن تجلد ذاكرتك باستدعاء التاريخيْن، البعيد والقريب، فمن شأن ذلك أن يصيبك بالجنون، لأنك سوف ترى مصر العربية الكبيرة الرائدة وقد تحوّلت على يد من لا يعرفها ويحفظ قدرها إلى مجرّد إمارة صغيرة، جنوب اليونان وقبرص، يدير سياستها ويتحكّم في مفاصلها حاكم الإمارات.
يصيبك الهمّ والغمّ عندما تنظر حولك، ولا تجد من يغضب أو يغار على جيش مصر العربية الكبيرة وهو يهان في الداخل والخارج..
يهينون الجيش ويسيؤون للعسكرية، عندما يكون الدور المطلوب منه تأمين إمدادات الغاز القادم من العدو التاريخي لحساب شخصٍ واحد يرى فيه الصهاينة أنه "الصهيوني الأكثر منهم صهيونيًة" ويهينه الصهاينة أكثر عندما يسخرون منه بكلماتٍ تدمي القلب وتصفع الوجدان، ولا يجرؤ أحدٌ على الرد أو الاحتجاج.. وهل هناك إهانة أشدّ من أن يقول محلل صهيوني اسمه يهود يعاري إن "الجيش المصري في المخابز مشغول بقوته الاقتصادية، مرهق ومرتشٍ وليس له فائدة.. وإثيوبيا لا تبالي بهم، فهم غير مؤهلين لخوض أي حرب".
لا أظن أن مصر عدمت من يحمي كرامتها ويخلصها من كل هذا القبح.
أضف تعليقك