بقلم سليم عزوز
ليس اغتيال الرجل القوي في إيران، قاسم سليماني، بالعمل العشوائي، فالخصم اختار فريسته بعناية، ووجه ضربته إلى هدف ثمين، وبرصاصة اخترقت الدولة الإيرانية، قبل أن تنال من رجل المهام الصعبة فيها!
فقاسم سليماني ليس مجرد قائد عسكري لإيران، ولكنه عنوان القوة فيها، الذي ينتقل بين الدول، ومن لبنان إلى سوريا، ومن هناك إلى بغداد كاشفاً عن امتدادات الإمبراطورية الفارسية الجديدة في مرحلة النشأة والتكوين، والتي تحقق انتصارات في المشهد اليمني الذي يوشك أن يقع ضمن النفوذ الإيراني، الذي حقق انتصارات في الربع قرن الأخير لم يكن الآباء المؤسسون يحلمون بها، وجعلت طهران تتحدى الولايات المتحدة الأمريكية، فتبدو القوة الوحيدة في العالم عاجزة عن لجمها، أو تهديدها!
وحيثما وصل كانت لقاسم سليماني بصماته العسكرية الواضحة، وانتصاراته المدوية، حتى صار اسمه أشهر من المرشد الديني للدولة، أو للدقة للإمبراطورية الناشئة، تنفيذا لفتوى الإمام الخميني بتصدير الثورة، لكن الجديد هو التمدد ولو من باب الثورة المضادة، ولو كان الثمن أرواح الناس، ومساندة الاستبداد، وإنكار الحق في الثورة، فالمستهدف هو الهيمنة الإيرانية على المنطقة، بالثورة أو بالثورة المضادة!
ترامب إلى الأمام:
الخصم الكبير لإيران مأزوم، وهو في أزمته يبحث عن أي انتصار، وترامب شأنه شأن الحكام الطغاة، الذي يرون أن الحروب فيها الشفاء من كافة الأمراض. وقد أوشكت دورته الأولى على الانتهاء ويطمع أن يزيد، فقد جرب أسلوب التهديد فلم يفلح مع كوريا الشمالية، أو مع فنزويلا، أو مع تركيا، وفشل كذلك في إخضاع إيران أو تركيعها، فسياسته مع الخارج فشلت، إلا مع العرب. وهو يريد أن يسابق الزمن، والانتخابات الجديدة على الأبواب، فكانت خطة اغتيال قاسم سليماني، بدلاً من الدخول في حرب تكون فاتورتها نهاية له، تماما كما انتهى أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية بالحرب على غزة، التي مني فيها بهزيمة باعتراف إسرائيلي وإنكار عربي لا تخطئ العين دلالته!
لا أعتقد أن طهران، وهي تعلن التحدي لمن في البيت الأبيض، كانت تدرك أنه قد يلجأ إلى هذا الأداء الذي يليق بمليشيا، ولو كان الصيد ثمينا بحجم قاسم سليماني. فالجيش الإيراني ليس هو المذكور فقط، وإن كانت جودة الأداء لا ينكرها أحد، فالجيوش القوية لا تقوم على فرد مهما كانت قوته!
في تقديري أن طهران بنت تصوراتها على أن واشنطن بين خيارين، إما حربا، وقصف منشآت في الداخل الإيراني، أو أن يظل العداء في حدود التهديدات. وفي حالة الحرب الواضحة، فإنها تملك أن توجه الضربات الموجعة للمصالح الأمريكية في المنطقة، وتمثل إسرائيل هدفاً سهلا، يمكن بقصفه إحداث تغير في المنطقة! وقد هدد حسن نصر الله بذلك، إذا تعرضت إيران للاعتداء.
ترامب اختار طريقة التعامل بعناية، فاستهدف قاسم سليماني، وهو على قيمته ونفوذه في الداخل الإيراني، فإن اغتياله ليس حربا مفتوحة، بل إن رد الفعل غير المحسوب قد ينتج حرباً ضد إيران، ليست مستعدة لها، وهي إن لم تتمكن من أن تنتقل بها إلى خارج التراب الإيراني،
إسقاط الحكم:
بيد أن ترامب اختار طريقة التعامل بعناية، فاستهدف قاسم سليماني، وهو على قيمته ونفوذه في الداخل الإيراني، فإن اغتياله ليس حربا مفتوحة، بل إن رد الفعل غير المحسوب قد ينتج حرباً ضد إيران، ليست مستعدة لها، وهي إن لم تتمكن من أن تنتقل بها إلى خارج التراب الإيراني، فقد تمهد الطريق لإسقاط الحكم، وقد تنشط المعارضة الداخلية، إذا وجدت النظام في حالة ضعف. وطهران بلد مغلق وإن وجد مراسلون لوسائل إعلام عالمية فيه، فلا يمكن لنا قياس قوة السلطة في الحفاظ على الجبهة الداخلية متماسكة إذا حدثت المواجهة، فالإعلام يخضع لرقابة السلطة.
وفي المقابل، ليس أمام إيران إلا أن ترد، وقد هددت برد مزلزل، لست على ثقة من حرصها عليه، فقد تلجأ إلى الدواء المر، ممثلاً في الرد "الأكليشيه" المحفوظ من قبل النظام الحليف في سوريا عندما يتم التعرض لهجمات إسرائيلية: "لا أحد يحدد لنا موعد الحرب".. لكن إيران ليست سوريا، فالأولى تتصرف على أنها دولة كبيرة في المنطقة، وتحلم بعودة الإمبراطورية الفارسية، أما سوريا فدولة صغيرة وهي في حدود إحدى ملحقات هذه الإمبراطورية، فلا تخشى على سمعتها من شيء!
وإذا لم يكن هناك رد موجع من الجانب الإيراني، فقد انتهت إيران من حيث كونها دولة إمبراطورية، لتكون قد أنهت على الفكرة التوسعية، التي بدأت مع الثورة الإسلامية بفتوى السلف بتصدير الثورة، وانتهت في ظل حكم الخلف إلى استدعاء التاريخ، فالتوسع لبناء إمبراطورية الأجداد. فالوفاء ليس لمرحلة الثورة ولكن لما قبلها، حيث التاريخ الموغل في القدم.
وبابتلاع المهانة، تصبح إيران كسوريا، وخامنئي كبشار الأسد، ويصبح سقوط دولة الملالي في المستقبل أمراً وارداً، فلا أخطر على حكم أكثر من ضياع الهيبة، وافتقاد المكانة، لا سيما إذا كان مثل الحكم الإيراني، الذي أصبح يتحرك في وسط معاد، كان في السابق على مستوى الطبقات الحاكمة في المنطقة، فصار الآن على مستوى الشعوب أيضاً، وانتهت مكانة حزب الله من حزب يمثل قيمة في نفوس الناس، وعابرا للطائفية، إلى مجرد حزب طائفي، لا ينسى الناس أنه كان شريكا متضامنا في وأد الثورة السورية والانحياز للطاغية المجرم بشار الأسد، وهو ما لا ينسونه لحكام طهران، الذين تجلت طائفيتهم في سوريا وفي العراق، وكان مشهد إعدام صدام حسين، في يوم عيد الأضحى للمسلمين السنة، درساً بليغاً.
إن إيران أمام خيارين لا ثالث لهما: تكون أولا تكون!
أضف تعليقك