بقلم.. ممدوح الولي
حفل حوار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الأخير مع عدد من رؤساء تحرير الصحف الحكومية والخاصة وبعض الكُتاب؛ بالعديد من المُغالطات في ما يخص الأمور الاقتصادية، كما خلا من أية أخبار جماهيرية جديدة تتناسب مع طبيعة الحوار ومناصب حاضريه، وتوقيته عقب تعديل وزاري شمل حوالي ثلث عدد الوزراء في الحكومة، في ما عدا تصريحه بأنه لن يدخل البطاقات التموينية من الأسر الجديدة سوى طفلين فقط، وتصريحه بزيادة جديدة لأسعار بعض شرائح استهلاك الكهرباء وهو ما سبق أن ذكره وزير الكهرباء، وكذلك تصريح بدراسة رفع حد الإعفاء الضريبي وهو ما سبق أن صرح به وزير المالية.
واستغل رئيس الوزراء القادم من مجال الإسكان عدم تخصص الحضور في النواحي الاقتصادية، ليتوسع في عرض الإنجازات الاقتصادية حسبما أمده بها معاونوه، معتمدا على غياب إمكانية الرد عليه من قبل هؤلاء، الذين حضروا من أجل بدء مهمة المساندة للنظام المصري إعلاميا، والتي من أجلها تم لإعادة وزارة الإعلام رغم الاستعاضة عنها بالمجلس الأعلى للإعلام قبل سنوات، وهو ما زال موجودا أيضا!
ونظرا لأن مضمون اللقاء سيكون محور حملات صحفية ستقوم بها تلك الصحف في الفترة القادمة، فقد استدعى الأمر التعليق على بعض ما ورد في اللقاء.
تراجع الاستثمارات الحكومية
أولا: توجيه وفورات الدعم للاستثمارات المحلية: حيث قال مدبولي إن ما تم توفيرها من مخصصات لدعم الوقود وغيره من صور الدعم، اتجهت إلى زيادة الاستثمارات الحكومية، لكن الواقع العملي يشير إلى أنه خلال سنوات حكم النظام الحالي، ومنذ العام المالي الأول له (2013/2014) لم يحدث في أية سنة أن تم تنفيذ رقم الاستثمارات التي وعدت به وزارة المالية عند إعلان بيانات الموازنة قبل بداية العام المالي.
وربما يقول البعض إن هذا كان بسبب العجز المزمن في الموازنة، بينما تحدث تحدث رئيس الوزراء عن تحقيق فائض أولي في الموازنة بنسبة 2 في المئة من الناتج المحلي، لكن رقم الاستثمارات الحكومية خلال الربع الأول من العام المالي الحالي استمر أيضا في الانخفاض، سواء بالمقارنة بالربع المقارن من العام المالي السابق، أو بما كان ينبغى إنفاقه حسبما ورد بقانون الموازنة للعام المالي الحالي.
فقد بلغت قيمة الاستثمارات الحكومية في الربع الأول من العام المالي الحالي 24.9 مليار جنيه، مقابل 27.4 مليار جنيه في الربع الأول من العام المالي السابق، بنسبة تراجع 9 في المئة. كما انخفض رقم الاستثمارات الحكومية في الربع الأول من العام المالي الحالي بنسبة 53 في المئة، بالمقارنة بالرقم الذي كان مقررا إنفاقه خلال تلك الفترة حسب قانون الموازنة، والبالغ 52.8 مليار جنيه.
ثانيا: انخفاض عجز الموازنة: تباهى رئيس الوزراء بأنه تحقق تراجع في عجز الموازنة، بل وتم تحقيق فائض أولى (بعد استبعاد الفوائد من المصروفات) بنسبة 2 في المئة بالموازنة، وأن هذا الأمر لم يحدث سوى في أربع أو خمس دول في العالم فقط.
وتشير بيانات الموازنة المصرية خلال الربع الأول من العام المالي الحالي إلى زيادة العجز الكلي في الموازنة بنسبة 28 في المئة (من 102.4 مليار جنيه بالربع الأول من العام المالي السابق إلى 131.5 مليار جنيه)، كما أن أي باحث مبتدئ يقرأ تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي، وسيجد أن 32 دولة قد حققت فائضا كليا في موازنتها في العام الماضي منها ثلاث دول عربية، ليس من بينها مصر التي تعاني عجزا مزمنا في الموازنة، وذلك دون استبعاد الفوائد من موازنات تلك الدول، والتي تمثل نسبة 36 في المئة من مصروفات الموازنة المصرية في العام المالي الحالي.
عجز بالميزان التجاري البترولي
ثالثا: فائض في الميزان البترولي: قال مدبولي إنه بعد إنتاج حقل ظهر من الغاز الطبيعي وعودة تصدير الغاز، قد حدث فائض في الميزان التجاري البترولي. وتشير بيانات الربع الأول من العام المالي الحالي (2019/2020)، إلى تحقيق الميزان البترولي عجزا بلغ 606.5 مليون دولار، كفرق بين صادرات بترولية وغازية بلغت 2.4 مليار دولار، وواردات بترولية بلغت أكثر من ثلاثة مليارات دولار.
رابعا: زيادة الصادرات غير البترولية: كانت الحكومة المصرية عند تعويم الجنيه المصري قد بررت ذلك للرأي العام بأنه سيزيد من الصادرات المصرية، لكن بيانات جهاز الإحصاء المصري للتجارة الخارجية في الشهور التسعة الأولى من العام الحالي، قد أشارت إلى انخفاض قيمة الصادرات غير البترولية خلالها، عن قيمتها خلال نفس الفترة من العام الماضي بنحو 213 مليون دولار.
خامسا: زيادة دعم الصادرات: قال مدبولي إنه قد تمت زيادة دعم التصدير في موازنة العام المالي الحالي إلى ستة مليارات جنيه، مقابل أربعة مليارات جنيه قبل ذلك، بينما تشير بيانات وزارة المالية إلى أن مخصصات دعم التصدير في العام المالي الحالي هي 3.8 مليار جنيه فقط.
والأهم من الرقمين أن أى منهما لن يتحقق، مثلما حدث خلال السنوات الخمس الأخيرة، حين كان يرد رقم لدعم الصادرات لكن لا يتم تنفيذه، حتى تراكمت المتأخرات على الحكومة لصالح المصدرين بـ20 مليار جنيه، باعتراف مدبولي، والذي وعد بسدادها أكثر من مرة كان آخرها في آذار/ مارس الماضي، مع عمل مقاصة لبعضها مع المتأخرات الضريبية على تلك الشركات وكذلك مقابل أراض، لكن التنفيذ اقتصر على عدد محدود من المصدرين، منهم زوج وزيرة الاستثمار السابقة. وما زالت الشكوى حادة بين المصدرين من تأخر المستحقات.
الدين الخارجي 4 أضعاف الصادرات
سادسا: مبادرة إقراض الصناعة لإنتاج السلع المستوردة: قال مدبولي إن البنك المركزي سيوفر مئة مليار جنيه لإقراض الصناعة بفائدة 10 في المئة، وذلك للتوسع في صناعة السلع المستوردة، حيث تم حصر أكبر مئة منتج يتم استيرادها والتي تمثل الفاتورة الكبرى للواردات بنحو 35 مليار دولار.
ويبدو أن مدبولي لم يكن لديه وقت لقراءة تفاصيل المبادرة، التي اقتصر مجال الاستفادة منها على الشركات العاملة في القطاع الصناعي الخاص، والتي يبلغ حجم أعمالها أو إيراداتها السنوية ما بين 50 مليون جنيه وحتى مليار جنيه. كما أنه يتم الاعتداد بحجم الأعمال أو الإيرادات السنوية للعميل والأطراف المرتبطة به بصورة مجمعة.
كذلك فإنه في حالة انخفاض أو زيادة قيمة حجم الأعمال أوالإيرادات السنوية عن الحد المقرر، وكانت الشركات قد حصلت على تسهيلات قصيرة الأجل، فعليها السداد التدريجي وفقا لبرنامج زمني يتم الاتفاق عليه مع الشركة، وهكذا فإن تلك الشروط تقلل من نطاق المجتمع الصناعي الذي يمكنه الاستفادة من المبادرة، كما يقلل من إمكانية بلوغ الهدف الذي حدده بإنتاج أهم المنتجات المستوردة محليا.
سابعا: الدين الخارجى في نطاق آمن: قال مدبولي إن نسبة الدين الخارجى بالقياس إلى الناتج المحلي الإجمالي ما زالت في نطاق آمن، لكن أحد رؤساء تحرير صحيفة خاصة ذكّره بأن المؤشر الأهم هو نسبة الدين الخارجي إلى الصادرات.
وتفادى مدبولي ذكر تفاصيل ذلك المؤشر، حيث بلغت قيمة الدين الخارجي بنهاية حزيران/ يونيو الماضي 108.7 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الصادرات المصرية شاملة الصادرات البترولية، خلال العام المالي 2019/2020 المنتهي بنفس الشهر؛ 28.5 مليار دولار، أي أن نسبة الدين الخارجي إلى الصادرات السلعية بلغت 382 في المئة.
كذلك بلغت نسبة خدمة الدين الخارجي من أقساط وفوائد والبالغة 13.4 مليار دولار، إلى الصادرات السلعية خلال نفس العام المالي؛ 47 في المئة.
ثامنا: توفير خمسة ملايين فرصة عمل: زعم مدبولي أنه تم توفير خمسة ملايين فرصة عمل خلال السنوات الأخيرة مما أمكن معه خفض نسبة البطالة، وترد عليه بيانات جهاز الإحصاء الحكومي الرسمي، التى أشارت إلى بلوغ عدد المشتغلين بمصر، بنهاية حزيران/ يونيو 2014 مع توي الجنرال السلطة، كان 23 مليون و917 ألف مشتغل، في حين بلغ عدد المشتغلين في نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، كآخر بيانات معلنة، 26 مليونا و194 ألف مشتغل، أي أن إجمالي زيادة عدد المشتغلين خلال تلك السنوات قد بلغ مليونين و277 ألف مشتغل، ساهم في تدبير تلك الفرص للعمل القطاع الخاص بمختلف قطاعاته، بينما يتحدث رئيس الوزراء عن توفير مشروعات الحكومة وحدها خمسة ملايين فرصة عمل!
تاسعا: تراجع التضخم بدون ركود: زعم مدبولي أن تراجع معدلات التضخم لم يكن مصحوبا بركود في الاقتصاد، وهو زعم يتنافى مع شكاوى المنتجين في قطاعات عديدة من ركود مبيعاتهم، سواء للمنتجات الغذائية أو السلع المعمرة أو السيراميك والحديد والأسمنت والملابس وغيرها.
بل إن المعروف للكافة أن مبادرات البنك المركزي الأخيرة للإقراض بفائدة أقل من فائدة البنوك، لقطاع الصناعة ولقطاع العقار، ورفع نسبة الخصم من المرتبات للقروض الاستهلاكية من 35 في المئة من الدخل إلى 50 في المئة، كان لتحريك الأسواق وتخفيف حدة الركود بها.
أضف تعليقك