بقلم.. قطب العربي
قرار النظام المصري بإعادة إحياء وزارة الإعلام وإن في شكل وزير دولة أي وزير بلا حقيبة، كاشف عن تخبط جديد في إدارة المنظومة الإعلامية في مصر، وأن النظام لم يستقر بعد على الشكل النهائي لإدارة هذه المنظومة حتى وإن كانت الرؤية العامة لديه واضحة في ضرورة تعزيز الهيمنة التامة على وسائل الإعلام جميعها تطبيقا لحلم عبد الفتاح السيسي الذي عبر عنه يوما بإعجابه بإعلام عبد الناصر، باختصار نموذج إعلام الستينيات هو النموذج المحبب لنفس السيسي والذي يتمنى استعادته مجددا بغض النظر عن أي تطورات سياسية أو إعلامية او إجتماعية حدثت خلال العقود الماضية وكان أبرزها ثورة 25 يناير 2011 التي قدمت نموذجا مختلفا للإعلام، وضمنت ذلك النموذج في نصوص دستورية ومن ثم قانونية جرى الانقلاب عليها ضمن الانقلاب العام في 3 يوليو 2013.
تعيين وزير دولة للإعلام رغم عدم وجود أي سند دستوري أو قانوني له هو تعبير عن السلطة المطلقة التي يحكم بها نظام السيسي، الذي اعتبر مبكرا أن الدستور كتب بحسن نية بينما لا تبنى الدول بحسن النوايا، وبالتالي فقد داس هذا الدستور ببيادته منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها انقلابه يوم 3 يوليو 2013؛ حيث كان هذا الإنقلاب هو بالأساس إنقلابا على الدستور الذي أقسم السيسي بنفسه حين كان وزيرا للدفاع على احترامه والسهر على تنفيذه، وبالتالي فإن كل انتهاكات لاحقة لنصوص الدستور بما فيها تلك المتعلقة بالإعلام وهيئاته النظامية ( وليس فيها وزارة للإعلام) هو تحصيل حاصل.
المبررات الحقيقية
لندع البعد الدستوري والقانوني فلم يعد لهما في مصر مكان بعد الانقلاب، ولنبحث عن المبررات الحقيقية لإعادة هذه الوزارة التي لم يكن وزيرها الجديد يعرف قبل التكليف ما هي الاختصاصات المنوطة به ( بالتأكيد ستصله التكليفات تباعا بعد التعيين) والحقيقة أن عودة الوزراة هو حنين إلى الماضي، وخطوة على طريق استعادة كل موروثات الحكم العسكري التي قوضتها لبعض الوقت ثورة 25 يناير، لقد كانت وزارة الإعلام والتي كانت بدروها الوريث لوزارة الإرشاد القومي أحد علامات الحكم العسكري، وذراعه المهيمنة على المنظومة الإعلامية، ولذلك كان يتم اختيار شخصيات قوية لها باعتبارها وزارة سيادية لا يترك أمر اختيار وزيرها لرئيس الوزراء المكلف بل تقترحها الرئاسة بالتشاور مع المخابرات، وكان من أبرز من تولوا هذا المنصب بعض الجنرالات مباشرة أو بعض القريبين منهم أوالقادرين على تنفيذ توجهاتهم ومنهم صلاح سالم، وثروت عكاشة، ومحمد عبد القادر حاتم، وأمين هويدي، ومحمد فايق، ومحمد حسنين هيكل، ومحمد حسن الزيات، وأحمد كمال أبو المجد ويوسف السباعي، وجمال العطيفي، وعبد المنعم الصاوي، ومنصور حسن وصفوت الشريف.
بعد أن تضمن دستور ثورة يناير الصادر في 2012 والمعدل في 2014 العديد من النصوص التي تكفل وتصون حرية الصحافة والإعلام واستقلالهما، نص أيضا على 3 مجالس لتنظيم المهنة بما يحقق الهدف الأكبر وهو حرية واستقلالية الصحافة وحرية تدفق المعلومات، وقد ورد تفصيل هذه المجالس في المواد 211 و212 و213 من الدستور وهي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، ووصف الدستور هذه الهيئات الثلاث بـ"المستقلة" لكن هذا الوضع الدستوري طاله التشويه سريعا عند تشكيل هذه المجالس حيث هيمنت السلطة التنفيذية على غالبية أعضائها، فأفقدتها استقلاليتها مبكرا، ومع ذلك لم يكتف نظام السيسي بتفريغ هذه الهيئات من مضمونها حسب الدستور فعمد مؤخرا لإعادة وزارة الإعلام اشباعا لحاجته النفسية والسلطوية.
رغبات السيسي
لم تقصر الهيئات الإعلامية الثلاث ( المجلس الأعلى والهيئتان الوطنيتان) ومعها الهيئة العامة للاستعلامات وكذا نقابتا الصحفيين والإعلاميين في تنفيذ رغبات السيسي وتبرير جرائمه في قمع حرية الصحافة والإعلام، لكن مجرد بقاء هذه الهيئات يذكر السيسي بثورة يناير التي غيرت شكل المنظومة الإعلامية في مصر، وبالتالي فإن الخطة تقتتضي التخلص من هذه المجالس، ولأن التخلص منها يحتاج تعديلا دستوريا قد يطول أمده بعد إجراء حزمة من التعديلات الدستورية في إبريل الماضي (لم تكن النصوص المتعلقة بالإعلام من أولوياتها ) والتي تركزت على تمديد فترة حكم السيسي حتى العام 2030، ومنح المؤسسة العسكرية حق التدخل في العمل السياسي (المادة 200)، وبديلا للتعديل الدستوري الذي لم يحن أوانه فقد كان الإجراء الأسرع هو إعادة وزارة الإعلام ( وزارة دولة كخطوة أولى) ونقل اختصاصات المجالس الإعلامية إليها تباعا بطريقة غير رسمية (بقوة الذراع).
يتوهم النظام أن وجود وزير للإعلام سيسهم في تحسين الأداء الإعلامي، ويعيد الهيبة للإعلام المصري، ويعيد إليه جمهور القراء والمشاهدين الذين انصرفوا إلى غيره من قنوات ومواقع المعارضة في الخارج أو القنوات العربية والدولية، ولكن هذا هو "حلم إبليس بالجنة"، فما فشل فيه مكرم محمد أحمد وضياء رشوان وغيرهم من رجال النظام الحاليين لن يستطيع تحقيقه أسامة هيكل الأقل كفاءة مهنية وسياسية منهم، والذي كان تعيينه محض "حاجة في نفس السيسي قضاها "بعودة "الحبيبة الغالية" وزارة الإعلام دون قدرة على إحداث أي تغيير في المشهد الإعلامي الذي سينتقل من السيئ إلى الأسوأ بسبب تكالب القيود السلطوية عليه والتي لا تتيح له أي قدر من العمل والمنافسة.
التغييرات الارتجالية في المشهد الإعلامي لم تتوقف عند إعادة وزارة الإعلام من باب خلفي، ولكن الكثير من التغييرات الأخرى جرت خلال الفترة الماضية ومنها منح دور مهم في إدارة الملف للفريق محمود حجازي رئيس الأركان السابق وصهر السيسي، وتغييرات في الفريق المختص بإدارة الملف الإعلامي في المخابرات العامة، وكذا تغييرات في رؤساء القنوات التابعة للمخابرات، ويبدو أن إحدى المهام التي سيكلف بها وزير الدولة للإعلام الجديد أسامة هيكل هي التنسيق بين عديد الهيئات المسؤولة عن إدارة المنظومة الإعلامية والتي تتوزع بين المجالس الدستورية الثلاث( المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام) وهيئة الاستعلامات والمخابرات العامة والأمن الوطني ونقابتيي الصحفيين والإعلاميين ولجنة الثقفافة والإعلام في البرلمان، ومكتب الرئاسة بطبيعة الحال، ولكن هذه المهمة أكبر من ان يقوم بها أسامة هيكل، لتبقى هذه التجربة هي مجرد محاولة عبثية جديدة لإنقاذ المنظومة الإعلامية الفاشلة، وستلحق بكل المحاولات الفاشلة السابقة لأن المرض العضال الذي يعاني منه الإعلام المصري لا تصلحه مثل هذه التغييرات الشكلية وكما يقولون "إيش يعمل الكحل في العمشة".
أضف تعليقك