الناس معادن وأصناف، منهم الغالي الثمين المليء ذو الهمة، ومنهم الوضيع الرخيص الفارغ ذو البطنة، لم يكن الشيخ فوزي السعيد -رحمه الله تعالى من الصنف الثاني، بل يشهد كل من عرفه أنه كان من الصنف الأول، نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله تعالى.
فوزي السعيد ومسجد التوحيد:
عاش الشيخ السعيد حياته للدعوة لم يتقاض على عمله مالا، بل كان عمله حسبة لله تعالى، وإن شئت أن تتحدث عن مناقبه فتحدث، لكن لعل من أفضل ما يلقى به ربه هو (مسجد التوحيد)، أو (مسجد غمرة)، وإن شئت فقل (مسجد فوزي السعيد)، هذا المسجد الذي لم تعرف الأوقاف مسجدا مثله في ظل الحكم العسكر والمستبدين.
لقد استطاع الشيخ أن يجعل من مسجده خلية نحل، فهو مدرسة للعلم، ومستشفى للتمريض، ومركزا لكفال اليتيم حيث كان يكفل أكثر من (5000) يتيم، وجمعية لتزويج الشباب، والرجل مع هذا أب لأود، ورب لأسرة، وصاحب عمل لم يتركه إلى وقت قريب.
لكن العجب العجاب أن الشيخ وقد التف الشباب من حوله إلا أنه لم يشأ أن يكون الموجه الوحيد، أو الشيخ الذي تضرب له الإبل أكباد الأرض دون غيره، وإنما أراد أن ينتفع الناس بعلم غيره، إذ عند غيره ما ليس عنده… لقد ارتبط المسجد والشباب به، لكنه أبى إلا أن يشاركه ذوو العلم والفضل من العلماء والمتخصصين.
لقد كان (مسجد التوحيد) في فترة من الفترات أشبه بمدرسة نظامية، فدرس في الفقه يلقيه العالم الفقيه محمد عبد المقصود، وآخر في التاريخ الإسلامي يلقيه العالم الرباني: جمال عبد الهادي، ودرس في التوحيد ورابع في الاقتصاد الإسلامي، وخامس في الرقائق…. وهكذا.
من علامات الإخلاص عن فوزي السعيد:
وأحسب أن هذه إحدى علامات الإخلاص، إذ كلما كان المسلم فرحا بكل نجاج يحققه غيره في مجاله – وخصوصا مجال الدعوة- دون أن يكون منه ضجر ولا ملل؛ كلما كان هذا أدعى للإخلاص، وصاحبه في دائرة المخلصين إن شاء رب العالمين.
إن بعض الدعاة يحاول أن يتمسك بمكانه الدعوي كأنه ورث ذلك عن أبيه، أو كأن ما هو فيه ثياب سربله الله إياه إلى يوم القيامة، لكن فوزي السعيد رحمه الله تعالى لم يكن من هذا الصنف، حدثني فضيلة الدكتور محمد عبد المقصود منذ سنوات -وأكد لي الكلام أمس وأنا أعزيه- فقال: لقد كان رحمه الله رفيق دربي، لقبته بالناظر أو (سيادة الناظر) فقد كان رحمه الله يرتب لكل شيخ درسا في فرع فروع العلم، وكان دوره في هذا كل كله الترتيب والمتابعة، فهو عندي مثل والد ابن القيم الذي عرف بــــ (قيم الجوزية).
لقد كان الشيخ رحمه الله تعالى أستاذا في ربط الناس بالله جل وعلا وخاصة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، ومما يؤثر عنه أنه جعل سقوط مبارك منحة إلهية لم يكن للناس فيها دخل، فألقى خطبة بعد سقوط مبارك جعل عنوانها (الله وحده أسقط الفرعون).
ولقد كان مما يميز الشيخ اهتمامه بخطبة إعدادا وترتيبا، فهو يعد لها من أول الأسبوع، ثم يستشير من يثق فيهم من أهل العلم كرفيق دربه الشيخ محمد عبد المقصود، يستشيره تارة عن الموضوع الذي يتحدث فيه، كما يستشيره في الدرس العملي الذي يطالب به جمهوره، وهو بذلك يحيي سنة الاستشارة، ومن طرائفه أنه كان إذا زاره أحد الناس يوم الخميس قال له مازحا: أرسلك الشيطان إلي لتحول بيني وبين خطبتي.
الشيخ والثورة:
لم يكن الشيخ بعيدا عن الثورة كغيره من بعض فصائل التيار السلفي، بل كان من أوائل من انضم إلى الثورة من الدعاة والعلماء، حتى إذا انزاحت غمة مبارك عاد إلى منبره ليتم عمله غير باحث على منصب أو جاه.
ابتلي الرجل مرارا فكان صابرا محتسبا، لفقت له قضية فيما سمي يتنظيم (الوعد) عام (2001م) فخرج بعد مدة من الزمن محتسبا ذلك عند الله تعالى، ثم كان البلاء الأعظم بعد ما عرف بانقلاب العسكر، فصدع بالحق، بل أعلنها من على منبره وقبل اعتقاله وإيقافه قال قولته المشهورة: (السيسي هو الخائن الأكبر وألد أعداء دين الإسلام على الأرض)، وبعدها ضاقت صدور أذناب العسكر فحاصروه واعتقلوه، ولفقت له القضايا والقضايا، وتتابعت عليه المصائب والبلايا، ثم كان بلاؤه الأكبر بوفاة ابنته العروس قبل زفافها بأسبوعين وهو حبيس زنزانته، فلم ير رفاقه منه إلا الصبر والاحتساب، فأعطاهم مثالا عمليل للصبر عند البلاء.
وأخيرا:
فللرجل من المواقف ما يجب ذكره، وعلى محبيه أن يظهروا ما عرف عنه من جميل خلق، وعظيم أدب، ومن ذلك ما كان بينه وبين مذيع قناة الناس حين أكثر في مدح الشيخ فما لبث الشيخ أن انفجر باكيا معتذرا عما قاله الأخ المقدم.
ولا أنسى ما قاله الشيخ بعد الانقلاب عن مشايخ الفتنة وأدعياء العلم حيث قال الشيخ عن هؤلاء مشايخ اعتزال الفتنة: هم أخطر ما فى الفتنة…. وصدق الشيخ لأن هؤلاء يلبسون على الناس دينهم…
رحم الله عبده فوزي السعيد…. وغفر الله لمحبيه…. وأغاظ الله شأنئيه وكارهيه…
أضف تعليقك