بقلم..علي أبو هميلة
قدمت السينما المصرية عبر تاريخها الطويل خلال 100 عام الكثير من الأفلام التي تناولت الاعتقال السياسي للنشطاء وهي الأفلام التي راجت في السبعينيات.
لم يكن ما قدمته الأفلام بعيدا عما رواه المعتقلون بل يمكن أن نقول إن من يدير السجون المصرية الآن يجلس أمام مشاهد التنكيل بالمعتقلين ليمارس سادية مفرطة بهؤلاء الذين أوقعهم حظهم السيء تحت رحمته المفقودة.
نالت أفلام كثيرة شهرة عبر السنوات، منها: "الكرنك" لعلي بدرخان "إحنا بتوع الاتوبيس" لحسين كمال "وراء الشمس" لمحمد راضي "زائر الفجر" لممدوح شكري، وهو الفيلم الذي تسبب منعه من العرض بقرار من أنور السادات رئيس الجمهورية في وفاة مخرجه
وفي منتصف الثمانينيات جاء فيلم "البريء" لمخرجه عاطف الطيب، والذي تردد ذكره كثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي.
الداخلية المصرية تعيد مشهد الزيارة من البريء
حاول النظام المصري الأسبوع الماضي أن يجمل صورة الأوضاع في سجونه بعد تداول تقارير دولية عن الأوضاع في السجون والاتهام الصريح بأن معاناة الرئيس محمد مرسي في السجن هي السبب المباشر في وفاته وكذلك وفاة آخرين وهناك في السجون مهددون بالمصير نفسه.
لم يجد النظام المستبد وزبانيته في داخليته سوى إعادة تمثيل مشهد من مشاهد فيلم البريء، وهو مشهد زيارة وفد حقوق الإنسان للسجن، ذلك المشهد الذي يسخر فيه الفيلم من التزييف الذي تمارسه الأنظمة.
إن ما شاهده العالم والمصريون لم يكن سوى تحويل مشهد الخداع في الفيلم، والذي كان قاسيا، إلى مشهد هزلي يناسب الواقع المصري الذي صار كوميديا سوداء على يد نظام السيسي.
توفيق شركس نموذج لا ينتهي
في ذكرى وفاة محمود عبد العزيز، الفنان المصري صاحب الأدوار المعروفة خاصة دوره في مسلسل "رأفت الهجان" أرادت الداخلية ان تعيد على جمهوره دوره البارز في فيلم البريء لكي تؤكد أن الأعمال الفنية لا تموت بمرور الزمن.
إن الصور المزيفة التي نقلتها وسائل الإعلام الرسمية والهيئة العامة للاستعلامات لنظام السيسي لا يمكن أن تغير من واقع الاستبداد والقهر الذي يعانيه السياسيون في سجون هذا النظام الذي تسبب في مقتل الكثير من المعتقلين المصريين بتلك الممارسات من التعذيب.
لاقت الصور التي صدرها الإعلام الرسمي ما تستحق من سخرية المصريين والعالم، وأدت إلى استعادة مشاهد الفيلم وشخصية "توفيق شركس" التي قدمتها أحداثه، مع المزيد من السخرية من لقطات الكباب والمشروبات والرفاهية التي يتمتع بها المساجين في مصر حتى صار حلما لجميع المصريين ليهربوا من جحيم نعيم السيسي الذي يعيشونه في جنة التفريط والبيع والديون التي لا تنتهي ولا امل في توقف تزايدها المتصاعد.
شخصيات الحل السينمائي هل حل المعضلة المصرية
من الشخصيات التي ظهرت في أفلام تناول أوضاع الاعتقال السياسي، الشخصيات التي كان عليها تنفيذ أوامر كبار الضباط بتعذيب المعتقلين. اخترت من هذه الشخصيات ثلاث شخصيات ظهرت في أفلام: وراء الشمس، إنتاج 1978. وإحنا بتوع الاتوبيس، 1979. والبريء 1986
عبد الحق في وراء الشمس وعبد الراضي في إحنا بتوع الأتوبيس هما الشخصيتان المكلفتان بتعذيب المعتقلين، وكذلك شخصية أحمد سبع الليل في البريء وهي الشخصيات التي أداها على التوالي محمود المليجي وجمال إسماعيل وأحمد زكي.
تلك الشخصيات عانت كثيرا من تنفيذ أوامر التعذيب وممارسة السادية على الموجودين في السجون على يقين من أن كل هؤلاء هم أعداء الوطن وأنهم يفعلون هذا لإنقاذ الوطن من شرورهم.
لحظة اكتشاف الحقيقة لدي المخدوعين
في لحظات درامية شديدة التصاعد يكتشف أصحاب هذه الشخصيات أنهم خدعوا فيمن وثقوا فيهم من القيادات. كانت هذه اللحظة لدي عبد الحق في فيلم وراء الشمس، والذي يتعرض لمظاهرات الطلبة عام1968، هي صلابة أستاذ الجامعة في تعرضه للتعذيب وعند عبد الحق في احنا بتوع الاتوبيس هزيمة 1967 وعندها صار يصرخ: احنا حابسين كل أعداء الوطن أمال اتهزمنا ليه؟ أما عند أحمد سبع الليل في البريء فهي علاقته مع مثقف قريته الذي كان طريقه في فهم الحياة والذي علمه التضحية في سبيل الوطن فصرخ في الجميع: حسين ابن أبويا الشيخ وهدان لا يمكن يبقي من أعداء الوطن.
في تلك اللحظة التي اكتشف فيها المخدوعون خدعتهم انفجروا وكانت طلقات بنادقهم في صدور الذين أصدروا الأوامر لهم بتعذيب وقتل المحبين الحقيقيين للوطن. إن صدمة هؤلاء وتنامي الوعي لديهم جعلهم يعرفون الوجهة الحقيقة لرصاصهم.
السؤال الذي يبقي عالقا في الذهن الآن حين تصل لنهايات تلك الأفلام ومع الواقع السياسي والأوضاع التي تمر بها مصر في ظل حكم السيسي الذي يقبض الآن بيد من حديد علي البلاد: هل هي نهايات يمكن أن تحل المعضلة المصرية؟ سؤال طويل لكنه في حاجة إلى وقت للتفكير.
معاناة أكبر من وقت مراجعة الذات
صارت معاناة المصريين بكامل طبقاتهم وثقافتهم في السنوات الست الماضية أكبر من أن تترك لهم مساحات للتفكير فيما يمارسونه من أعمال. سواء أكانت تلك الاعمال تتناسب مع قيمهم أم مع ما يعتقدون أنه الصواب. وإذا أدركنا حجم الدمار الذي أصاب الشخصية المصرية منذ سنوات حكم مبارك إلى الآن من تجريف في كافة مناحي الحياة، ومع ما أصاب شباب الثورة المصرية في هذه السنوات الست فأصبحوا فرادى ممزقين لا يستطيعون سبيلا في اتجاه التغيير، لأدركنا على الفور كم الجهد الذي يجب علينا أن نبذله لنغير تلك الأوضاع.
إذا كان الوضع هكذا مع طليعة ثورية ونخبة صارت مهلهلة من شدة ما عانت من استبداد وقهر نظام السيسي، فما بالك بهؤلاء الذين لا يسمعون غير كلمات الخيانة وأعداء الوطن؟
إن مجال ظهور شخصيات مثل من وردوا في الأفلام التي حاولت تغيير الواقع أصبح بعيدا جدا.
ولا أخفيكم سرا إذا بحت بجرح شخصي حينما جاءني اتهام غريب من قريب مني، فقد اتهمني بأنني من أعداء الوطن.
أضف تعليقك