• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

أقام رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، قبل حوالي أسبوع، حفلا رسميا، ربما الأول من نوعه في تاريخ البشرية؛ لأنه لم يكن لوضع حجر أساس، بل لـ"عدم وضع حجر أساس" لمشروع بناء منشأة متطورة في إسطنبول لمعالجة مياه الصرف الصحي عبر التكنولوجيا البيولوجية المتقدمة، بعد أن قرر إلغاء المشروع بحجة أن إسطنبول ليست بحاجة إليه، وقال إنه حافظ على البيئة من خلال هذا الإلغاء، مضيفا أنه يشعر بأن "أوراق الأشجار تصفق له من أجل قراره".

إمام أوغلو كان بإمكانه أن يلغي المشروع دون إقامة حفل، ولكنه منذ توليه رئاسة بلدية إسطنبول، يمارس سياسة الاستعراض، كما فعل حين جمع في ميدان يني كابي مئات السيارات المستأجرة للاستخدام في خدمة المواطنين من قبل موظفي البلدية. وزعم الرجل آنذاك أن استئجار كل تلك السيارات "إهدار لموارد المدينة"، ولكنه بعد أيام فقط من ادعائه بأن البلدية ليست بحاجة للسيارات التي استعرضها، قام باستئجار مئات السيارات من شركة شهيرة دعمته خلال حملاته الانتخابية، كما تمت عملية الاستئجار مباشرة بلا أي مناقصة.

رئيس بلدية إسطنبول الكبرى يتحدث كثيرا عن الإسراف وإهدار أموال البلدية في عهد سلفه، إلا أنه لم يتردد في صرف مئات الآلاف لإقامة حفل موسيقي صاخب أمام مسجد السلطان أحمد، للاحتفال بذكرى تأسيس الجمهورية التركية، ودفع مبلغا كبيرا للغاية من أموال البلدية إلى مطرب من أنصاره لمشاركته في ذاك الحفل.

الخبراء يلفتون الانتباه إلى أن إسطنبول بحاجة ماسة إلى مشروع معالجة مياه الصرف الصحي الذي ألغاه إمام أوغلو، وأن مثل هذه المشاريع يتم تنفيذها استعدادا لتلبية حاجة المدينة في المستقبل، إلا أن إمام أوغلو له "خبراء" يؤيدون قراره، كما أن وسائل الإعلام العالمية تروِّج لتصريحاته وإجراءاته على نطاق واسع.

الاصطفاف السياسي الذي تشهده تركيا منذ فترة يدفع أنصار كلا الطرفين، المؤيد للحكومة والمعارض له، إلى تأييد كافة الإجراءات والسياسيات بشكل أعمى، ويحول دون انتقاد موضوعي للأخطاء، ويفسح المجال لحملات التضليل والدعاية السوداء، ويجعل هؤلاء الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها من أجل قطع عدد من الأشجار في حديقة غزي باركي في صيف 2013، يتحولون إلى القرود الثلاثة، أمام زرع 11 مليون شجرة في جميع أنحاء البلاد، لا يرون، ولا يسمعون، ولا يتكلمون، بل انتقد أحدهم فعاليات اليوم الوطني للتشجير، قائلا: "لماذا لا تتم زراعة الأشجار المثمرة مثل أشجار البرتقال والليمون؟".

الأخطر من الحملات الممنهجة التي تشهدها تركيا تلك المبنية على العنصرية البغيضة. وما زالت المعارضة تقوم بحملات التحريض ضد اللاجئين السوريين، بعد أن رأت أنها آتت أكلها في الانتخابات المحلية الأخيرة، وأسهمت في فوز مرشحيها في عدد من المدن الرئيسية، مثل إسطنبول وأنقرة.

أحد الكتاب الصحفيين نشر قبل أيام في صحيفة معارضة ذات انتشار واسع، مقالا يحرض فيه المواطنين الأتراك ضد اللاجئين السوريين. وادَّعى الكاتب في المقال بأن اللاجئين السوريين في تركيا يتقاضون شهريا دون عمل مبالغ أكبر من الدخل الشهري لكثير من الأسر التركية، وقال إن المعلومات المذكورة في المقال مأخوذة من رسالة دكتوراة تم إعدادها في جامعة "ياووز سلطان سليم".

ليس في تركيا جامعة باسم "جامعة ياووز سلطان سليم"، ولا رسالة دكتوراة كتلك التي ذكرها الكاتب في مقاله. وبمعنى آخر، الموضوع برمته ملفق، وكذب في كذب. ويقول الكاتب، وهو كبير في السن، إنه لا يعرف استخدام الإنترنت كثيرا، إلا أن أحد قرائه أرسل إليه تلك المعلومات.

هذا الكاتب المعارض للحكومة ارتكب في مقاله جرائم التحريض العنصري، والتضليل، ونشر الأكاذيب، لإثارة الفتن في المجتمع التركي لأغراض سياسية. ومهما كان يجهل استخدام الإنترنت لكبر سنه، إلا أنه كان بإمكانه أن يتصل بأحد يثق فيه ليتأكد من صحة المعلومات التي نشرها في مقاله.

هناك أمثلة كثيرة في الإعلام التركي لمثل هذا التضليل المتعمد؛ لأن أصحابها إما لا يعاقبون بسبب ما قاموا به، وإما يتعرضون لعقوبات خفيفة يتحملونها من أجل الوصول إلى أهدافهم السياسية، وبالتالي يواصلون نشر الأكاذيب، واحدة تلو الأخرى، لتضليل الرأي العام وإثارة المشاعر العنصرية.

ليس شرطا أن يؤيد الجميع سياسات الحكومة وإجراءاتها. ومن الطبيعي جدا أن تختلف الآراء والتوجهات السياسية في الأنظمة الديمقراطية، إلا أن التحريض العنصري من خلال نشر الأخبار الملفقة والمعلومات الكاذبة، جريمة لا ينبغي التساهل معها على الإطلاق؛ لأنها تسمم المجتمع، وتزرع بذور الفتن والشقاق، وقد تؤدي إلى تضليل نسبة من الناخبين تكفي لهزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، كما انهزم في الانتخابات المحلية الأخيرة في إسطنبول وأنقرة، وترجِّح كفة المعارضة في ظل التنافس الشديد وتقارب الأصوات.

أضف تعليقك