• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانية واحدة

الحمد لله الذي أنار الوجود بطلعة أبى القاسم، وشرفه بأفضل المواهب وأجزل المكارم وبعثه هاديًا للأمم وسراجًا في الظُلَم ورحمة للعالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله وحبيبه وصفيه اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.

أما بعد… فيا أمة سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- قبل مبعث نبيكم- صلى الله عليه وسلم- تغشت العالم كله سحابة من الظلم والفساد والفسوق والإلحاد اختل فيها ميزان العدل واختفى معها وجه الحق وضل الناس طريق الهدى والرشاد، ففي العرب على كرم أخلاقهم وشريف نفوسهم وقويم طباعهم وسلامة فطرتهم جهل وغلظة وجفوة وقسوة وشرك بالله وانغماس في حمأة الشقاق والخلاف وفي الفرس والروم وغيرهما من دول الأرض ظلم واستبداد وقسوة واستعباد وتسلط من القوى على الضعيف وانتهاك لحرمات الشرائع والآداب فكان لا بد لهذا العالم الموبوء ولهذه البشرية المعذبة والإنسانية الباكية والفضيلة المستذلة من منقذ يقيم ميزان العدل ويخفي دولة الظلم ويحق الحق ويبطل الباطل ويخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السموات وما في الأرض.

وقد أراد الله تبارك وتعالى أن يكون هذا المنقذ الكريم والمصلح العظيم صفوته من خلقه وخيرته من عباده سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم- صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه-.

لم تزل في ضمائر الكون تختار له الأمهات والآباء, اختار الله من خلقه بنى آدم واختار من بنى آدم العرب واختار من العرب قريش واختار من قريش بنى هاشم واختاره- صلى الله عليه وسلم- من بنى هاشم فهو خيار من خيار وأنت إذا فحصت عن طبائع الأمم وسألت تاريخ الجماعات عن هذا الحكم رأيت البحث العلمي والتحليل النفسي يؤيد لك هذا الخبر النقلى ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (من الآية 43 من سورة النحل).

ولم يزل نوره الساطع- صلى الله عليه وسلم- يتنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات عن زواج شرعي لا عن سفاح حتى انتهي ذلك الشرف إلى أبيه عبد الله بن عبد المطلب أزكى قريش أصلاً وأنماها فرعًا وأوسطها دارًا وأطهرها منبتًا وإلى أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم وهي سيدة نساء قومها وأشرفهن موضعًا وأعفهن نفسًا، وكان عن اجتماع الكريمين وزواج السيدين أن تحققت إرادة الله في إسعاد العالم وإشراق شمس الهداية والعرفان في سماء مكة المكرمة حتى ملأت أشعتها كل مكان فحملت به- صلى الله عليه وسلم- وتوفي والده وهو حمل لا تجد له أمه وجعًا ولا ألمًا ولا تستشعر منه أذى ولا وحمًا وما زالت تتوالى الإرهاصات وتتتابع البشارات وتظهر العلامات حتى كانت الليلة الكريمة فولد- صلى الله عليه وسلم- يشرق وجهه بنور العرفان وتتجلى على قسمات وجهه الشريف سمات النبوة والإيمان، ويعتقد من نظر إليه أنه رسول هذا الزمان فازدان الكون بطلعته واستبشر الوجود برؤيته واستنارت السموات والأرضون بظهوره وتوالت بشرى الهواتف أن قد ولد المصطفي وحق الهناء.

وشب- صلى الله عليه وسلم- ونشأ فكان مثال الكمالات ونموذج الفضائل وتزوج بالسيدة خديجة وسنه خمس وعشرون سنة لما رأته عليه من كريم الشمائل واشتهر بين عشيرته بالصدق والأمانة والعقل والرزانة ومازال كذلك حتى جاء الحين واستكمل الأربعين فشرفه ربه بالنبوة ثم الرسالة إلى الخلق أجمعين ونزل عليه الملك وهو يتعبد في غار حراء بقوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾ ( سورة العلق) ثم فتر عنه الوحي ثم تتابع ونزلت ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2)﴾ ( سورة المدثر) فنهض بالدعوة وحمل عبء الرسالة وأدى الأمانة وبلغ ما أنزل إليه من ربه وقام يدعو إلى مولاه وينشر على الناس دينه حجته القرآن ودليله البرهان وعدته الإيمان، وما زال- صلى وسلم الله عليه وسلم- يكافح ويناضل ويجادل طورًا بالشدة وأخرى باللين ويتحمل من الأسى ما تنوء بحمله الجبال ويدعو للمعتدين حتى أظهر الله كلمته وأتم نعمته وأكمل دينه ودخل الناس في دين الله أفواجا واختار النبي- صلى وسلم الله عليه وسلم- الرفيق الأعلى بعد أن أدى مهمته وبلغ شرعته وترك من ورائه من يحمون دعوته جزاه الله أفضل ما جزى به نبيا عن امته ورضى الله عن صحابته.

يا عباد الله… ذلك مجمل سيرة نبيكم – صلى وسلم الله عليه وسلم- كلها هدى ونور وعظة واعتبار وتمسك بحبل الله المتين ودفاع عن دينه المبين ومناصرة الحق وخذلان الباطل، فيها القدوة الحسنة والعظة البالغة والعلم النافع والمثل الصالح فتعلموها وعلموها أبناءكم وأحيوا ذكرى مولد نبيكم- صلى وسلم الله عليه وسلم- بدراسة حياته وتفهم خطته وإحياء سنته، أما الرياء والتفاخر والتكاثر والتظاهر وضياع المال في غير فائدة، وإنفاق الأوقات من غير جدوى، والاشتغال بالمقابلات والحفلات عن الفروض والواجبات، والفخر بإطعام الأصدقاء والأغنياء ونسيان المستحقين والفقراء وإقامة هذه المظاهر التي يأباها الدين وتجعلنا مضغة في أفواه الناظرين فهذه كلها ليست إلا منكرات تؤاخذون بها وتحاسبون عليها ويتألم لها النبي الكريم- صلى وسلم الله عليه وسلم-.

فاتقوا الله عباد الله، وانتهزوا فرصة هذا الوقت الفاضل وجددوا التوبة النصوح وتذكروا سيرة نبيكم لتعملوا بها وتهتدوا بهديها.

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾ من سورة الأحزاب.

في حديث علي- كرم الله وجهه- وقد سأله الحسين عن سيرة جده- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في جلسائه فقال: “كان رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدًا ولا يعيره ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا شيئًا يرجو ثوابه”.

أضف تعليقك