• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: وائل قنديل

دخل محمد البرادعي الحياة السياسية المصرية قبل عشر سنوات كاملة، محدثًا جلبة وصخبًا لم تشهدهما مصر منذ عقود طويلة. كان دخوله المشهد الحدث الأكبر في نصف القرن الأخير، بعد حادث اغتيال أنور السادات في السادس من أكتوبر/ تشرين أول 1981، ليكون مثل حجر ضخم ألقي في بحيرة آسنة، فدبّت الحركة في مشروع التغيير الذي كان يعافر في حدود معينة منذ العام 2005.

الآن، تشتعل مصر بالتطورات السياسية، بينما البرادعي يُؤثر البقاء خارج المعترك، متعففًا عن الاشتباك مع الأحداث، وكأنه يسجّل خروجه من الساحة عمدًا، في ذكرى مرور عشر سنوات صاخبة، بدأت مع أول إطلالة له في الشأن الداخلي المصري، إبّان عمله مديرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحصوله على جائزة نوبل للسلام.

في بدايات العام 2009، حضر البرادعي بتصريحات مدوّية جعلت منه هدفًا لدوائر الإعلام والسياسة في نظام حسني مبارك، ووضعته عنوانًا أو محورًا تلتفّ حوله مشاريع التغيير وأحلامه.

في دخوله المفاجئ، أطلق البرادعي دعوة إلى وضع دستور جديد لمصر، وإشراك جماعة الإخوان المسلمين في العملية السياسية، وهي الدعوة التي تضمنتها تصريحاتٌ له، هي الأولى من نوعها، أحدثت ردود أفعال متفاوتةٍ داخل مصر التي انقسمت بين تيارين، الأول يرى فيه الفرصة السانحة لتحريك مشروع التغيير، وفريق آخر ممن أسميتهم في ذلك الوقت "قوات مكافحة أحلام التغيير" من جماعات المصالح التي تكوّنت على جانبي مشروع التوريث الذي سعى إليه جمال مبارك، أمين السياسات في حزب أبيه، الذي بدا أقرب إلى الموافقة على أن يكون الولد رئيسًا.

كانت تصريحات البرادعي الأولى جديدة من نوعها، بالنسبة لشخصية مرموقة في البيروقراطية العالمية، إذ كانت تصريحاته بحكم منصبه تبدو محايدة أو مبهمة تليق بخطاب دبلوماسي دولي، يحرص على وجود مسافةٍ شاسعةٍ بين انتمائه المحلي ومقتضيات وظيفته في الوكالة العالمية. لذا كان مباغتًا للجميع أن ينتقد البرادعي، في تصريحات صحفية بالقاهرة، الأوضاع السياسية في مصر، ويقول "إن الوضع يمر بمرحلة الحضيض وأنه يجب فتح الباب لتشكيل الأحزاب من دون عقبات، وأن يكون الإخوان المسلمون جزءا من العملية السياسية، وكذا جميع فئات المجتمع الأخرى".

وفيما كان مشروع التوريث ينطلق بالسرعة القصوى، عرفت مصر حالةً من الحركة في الاتجاه المضاد، إذ راحت الجماعة الوطنية المصرية تبحث عن أسماء تصلُح لخوض الانتخابات في العام 2011 ضد مبارك، الأب أو الابن، فتردّدت أسماء مثل محمد البرادعي والراحل منصور حسن، ثم أطل مصطفى الفقي، رجل مبارك المشلوح، بتصريحاتٍ أثارت جدلًا، حين أن واشنطن تحتاج من مصر أن تكون أداةً ضاربةً لها في المنطقة، وإن إجراء انتخابات نزيهة فى مصر ليس فى صالح أميركا، لأن أي انتخاباتٍ حرّة سوف تأتي باثنتين وعشرين حكومة ضد الولايات المتحدة، مفسّرا ذلك بأن الرأي العام العربي ساخط على الأميركان.

تداول اسم البرادعي، مرشحًا محتملًا ضد آل مبارك، فتح عليه أبواب الجحيم، ودوّنت ذلك في نهاية العام 2009 معلقًا على ما وصفتها "الحملة العشوائية المضحكة ضد البرادعي التي شنّها الإعلام الرئاسى ــ الحكومي وبعض المستقل ــ على طريقة طلعات عساكر الهجانة فى غابر الأيام، إبل تتخبط فى الطرقات على ظهورها مساكين طلب منهم أن يهجموا ويضربوا دون تفكير أو فهم لطبيعة المهمة".

وكان من أشكال الوضاعة في الهجوم التلميح والتصريح بأن البرادعي مزدوج الجنسية، وأنه كان مرشّح القوى الاستعمارية (أميركا وبريطانيا) في انتخابات الوكالة الدولية عام 1997 وضد مرشح مصر محمد شاكر. وكتبت وقتها "وأزعم أن العزف على هذا الوتر ليس فى صالح الذين ينطلق من أجلهم عساكر الهجانة، لأن بعضهم أيضا لا تزال جنسيته الثانية موضع سؤال، والأهم أن مصر الرسمية منحته قلادة النيل العظمى، أرفع جائزة رسمية، فكيف يكافئ النظام شخصًا يصفه رجالُه بأنه عميل؟".

فيما بعد، قرّر البرادعي خوض المعترك بشكل كامل، معلنًا عودته إلى القاهرة، للبدء في مشروع تغيير النظام، لتخرج له الجموع لاستقباله في مطار القاهرة، معلنةً إيداع كل مدّخراتها من أحلام التغيير واشواقه في بنك محمد البرادعي، مطلقة شعار "شد القلوع مفيش رجوع".

بعد عشر سنوات كاملة على دخول البرادعي، تجده الآن مصمّمًا على النأي بذاته عمّا تمور به الساحة المصرية من أحداثٍ عصيبة، وكأنه يقول"مفيش رجوع".

والحديث موصول عن سنوات محمد البرادعي العشر.

أضف تعليقك