بقلم قطب العربي
بضع ساعات كانت فاصلة بين احتفاء الجنرال عبد الفتاح السيسي وأنصاره بالدعم المعنوي الذي قدمه له الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وبين إعلان رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي عن بدء الإجراءات التمهيدية لسحب الثقة من ترمب بتهمة التواصل مع دولة أجنبية لتحقيق مصالح شخصية بشكل غير قانوني.
هي فرحة لم تكتمل إذن، "أخذها الغراب وطار"، وبذلك فشلت خطط الأذرع الإعلامية للسيسي في تسويق دعم ترمب لزعيمهم في مواجهة الغضب الشعبي عبر نشر الإحباط في نفوس المصريين الذين يستعدون للنزول في مظاهرات يوم الجمعة على اعتبار أن هذا الدعم الترمبي للسيسي كفيل بإبقائه في السلطة رغم أنف المصريين.
لم يكن لقاء السيسي مع ترمب مفاجئا بل كان مخططا قبل وصوله إلى نيويورك، ولم يكن موقف ترمب الداعم للسيسي مفاجئا، بل هو الطبيعي للرئيس الأمريكي الذي يعتقد بوجود "كيمياء خاصة " بينه وبين السيسي، يزداد تفاعلها مع وصول المزيد من الشيكات الخليجية، وفي الوقت نفسه يصفه بـ "ديكتاتوره المفضل" وليس في الأمر تناقضا فترمب يعشق هذه النوعية من الحكام المستبدين، وهم يبادلونه عشقا بعشق، ولا يشعرون باي حرج في وصفهم بالديكتاتوريين من قبل ترمب طالما أنه سيوفر لهم سبل البقاء.
العريان:
"المتغطي بالأمريكان عريان" هذه هي خلاصة تجربة المخلوع حسني مبارك التي نقلها لوزير خارجيته أحمد أبو الغيط، وقد كان مبارك مرتميا في الحضن الأمريكي بشكل تام، ومع ذلك لم ينقذه الأمريكان حين ثار عليه الشعب، لقد ظل الموقف الأمريكي داعما لبقائه في السلطة في الأيام الأولى للثورة، ولكنه اضطر أن يغير بوصلته مع إصرار المعتصمين في ميدان التحرير على خلعه، ورفض أي حلول أخرى، وهو ما سيتكرر يوما مع السيسي.
لم يكن مبارك وحده الذي باعه الأمريكان، فذاك هو شاه إيران الراحل رضا بهلوي الذي كان شرطيا للولايات المتحدة في المنطقة، وحين ثار شعبه عليه، هرب بطائرته قاصدا واشنطن التي رفضت استقباله فظل يحلق بطائرته في السماء حتى هبطت في القاهرة، وذاك برويز مشرف الرئيس الباكستاني السابق والمنقلب على نواز شريف في أكتوبر 1999، والذي أزيح عن السلطة في العام 2008 ونفي إلى بريطانيا ثم دبي، ولم تقبله الولايات المتحدة لاجئا رغم خدماته الجليلة لها، واندماجه الكامل في حربها ضد القاعدة وطالبان، وفتحه الأجواء الباكستانية أمام الطيران الأمريكي إلخ.وهل ننسى الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري الذي انقلب من اليسار إلى اليمين وارتمى في الحضن الأمريكي تماما، وسمح بدفن النفايات النووية الأمريكية في الأراضي السودانية، كما سمح بترحيل يهود الفلاشا إلى الكيان الصهيوني عبر أراضيه ومع ذلك لم تقبله واشنطن لاجئا سياسيا حين ثار عليه الشعب السوداني في إبريل 1986، والأمثلة كثيرة.
لم تكن المرة الأولى التي يقدم فيها ترمب دعمه للسيسي، ويتجاهل جرائمه بحق المصريين، وكان كلما سئل عن انتهاكات يرتكبها نظام السيسي في مصر يرد بأنه يثق في السيسي، ولم لا وقد وضع السيسي نفسه في خدمة سياساته ورغباته، وأهمها بطبيعة الحال صفقة القرن التي أعلن السيسي بكل خضوع أمام ترمب أنه سيكون داعما وبقوة لهذه الصفقة التي تتعثر حاليا بسبب تعقيدات أخرى في المنطقة والعالم، لكن دعم ترمب للسيسي لا يحميه من غضب شعبه، وكيف ذاك وفاقد الشيء لا يعطيه؟! فترمب نفسه أصبح الآن مهددا في عرشه بعد أن قرر مجلس النواب الأمريكي بدء الإجراءات التمهيدية لسحب الثقة منه تمهيدا لمحاكمته على جريمة الاتصال برئيس أوكرانيا لتحريضه على فتح تحقيق لإدانة نجل منافسه الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وكيف ذاك وترمب ليس هو صاحب القرار الوحيد في الولايات المتحدة؟! حيث تتعدد مراكز صنع القرار بين البيت الأبيض ووزراتي الخارجية والدفاع والمخابرات والكونغرس بمجلسيه إلخ؟! وكيف ذاك والإعلام الأمريكي يلاحق كلا الشخصين (ترمب والسيسي)!
فشل ترمب
وهل ننسى أن ترمب فشل حتى الآن في تحقيق وعده الإنتخابي بتصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، وهو الوعد الذي حصل مقابله على مليارات من السعودية والإمارات سواء خلال حلمته الانتخابية الماضية أو بعد ذلك بصور متعددة؟! ورغم أن السيسي نفسه ظل يلح على هذا الطلب في كل زياراته إلى الولايات المتحدة دون جدوى وذلك بسبب وقوف مؤسسات أمريكية أخرى ضد هذا الأمر لمصادمته للمصالح العليا الأمريكية التي تفهمها جيدا تلك المؤسسات مثل وزارة الخارجية والأجهزة الأمنية الأمريكية.
لقد حرص السيسي خلال زيارته الأخيرة على تقديم نفسه باعتباره المحارب الأبرز في المنطقة ضد ما وصفه بتيار الإسلام السياسي، لعلمه أن هذا الكلام يلقى هوى لدى الرئيس الأمريكي الذي يعتنق أفكارا دينية مسيحية صهيونية ونزعات عنصرية منحازة للجنس الأبيض، ويحمل كراهية خاصة تجاه الإسلام والمسلمين، وفوق كل ذلك هو الداعم الأكبر للمشروع الصهيوني وقد ظهر ذلك بجلاء في قراره بفتح سفارة بلاده في القدس، واعترافه بضم إسرائيل للجولان، ومساعيه الدؤوبة لتنفيذ صفقة القرن قبل أن يغادر البيت الأبيض، ومجددا يصطدم السيسي وحليفه ترمب بمؤسسات أمريكية أخرى تفهم تعقيدات المشهد السياسي، وترى خطورة إقصاء التيار الإسلامي المعتدل عن الممارسة السياسية لأن من شأن ذلك منح مساحات إضافية للعنف والإرهاب الذي يمثل خطرا على العالم بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص.
من البديهيات ان يهرول السيسي إلى حليفه ترمب طلبا لدعمه في مواجهة غضب شعبي عارم وجد طريقه أخيرا إلى ميدان التحرير وغيره من الميادين، وهو مرشح للاتساع خلال الأيام المقبلة مع دعوات التظاهر الجديدة، ومن البديهي أيضا أن من تساوت عنده الحياة مع الموت لن يشغل نفسه كثيرا بدعم ترمب أو غيره للسيسي فقد انفجرت طاقة الغضب ولن تتوقف إلا ببلوغ هدفها.
أضف تعليقك