تسود حالةٌ من الغضب في الدائرة المحيطة بالسفاح عبد الفتاح السيسي، وعلى رأسها المخابرات العامة والرقابة الإدارية، بسبب استمرار خروج القضاة عن المسار المرسوم لهم، ومحاولة الحصول على امتيازات مالية أكبر، تعيد إلى الأذهان الوضع المتفرد الذي كانوا عليه في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ويبحث السيسي اليوم مصير وزير العدل بحكومة الانقلاب حسام عبد الرحيم، الذي يقترب من الرحيل من منصبه بسبب ضعف سيطرته على القضاة، ورغبة السيسي في الاستعانة بوزيرٍ أكثر قدرة على التحكم في الهيئات القضائية ومنع صدور قرارات أو أحكام تخالف السياسة المالية التي يرغب في إخضاع القضاة لها، والتي كانت من الدواعي الرئيسية لإعادة تشكيله المجلس الجامع للجهات والهيئات القضائية، قريب الشبه بالمجلس الأعلى للهيئات القضائية الذي كان قائماً في عهدي الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك.
ولا يزال القانون المنظم لهذا المجلس قيد الدراسة في برلمان العسكر، ولم يخرج إلى النور في الدورة البرلمانية السابقة، لأسباب تتعلق بخلافات حول صياغة بعض النصوص.
وارتأت دائرة السيسي قبيل انتهاء الدورة البرلمانية الأخيرة أنه لا توجد عجلة في تمريره، على عكس قوانين أخرى مثل العمل الأهلي والمحاماة وغيرها، فتم تأجيل مناقشته إلى الدورة البرلمانية القادمة التي ستبدأ في أكتوبر المقبل.
وعلى ما يبدو، فإن دائرة السيسي لم تكن تتحسب لبعض المستجدات التي طرأت في مجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية ثم محكمة استئناف القاهرة، والتي أدت إلى حالة الغضب الراهنة، المتمثلة في صدور قرارات داخلية في هذه الهيئات بأحقية أعضائها بتقاضي آلاف الجنيهات الإضافية في صورة بدلات وحوافز مستحقة لهم أسوة بنظرائهم في هيئات أخرى، الأمر الذي سيكلف الدولة عشرات الملايين من الجنيهات في الميزانية القادمة لكل هيئة، والتي تحتسب رقماً واحداً.
وكشفت مصادر قضائية، أنه على الرغم من اختيار السيسي رؤساء جميع الهيئات القضائية في الوقت الحالي، بعد استطلاع آراء الأمن والرقابة الإدارية ومقابلات شخصية لبعض المرشحين من شيوخ أعضاء تلك الهيئات، إلا أن التيار السائد داخلها يطالب دائماً بالحصول على المزيد من الأموال، في صورة بدلات وحوافز ودعم للعلاج والمناسبات والتمثيل وحضور جلسات الصيف وغيرها من أسباب الرواتب الإضافية.
ويدعم هذه المطالبات صدور أحكام قضائية في دعاوى يرفعها القضاة أنفسهم أمام الدوائر المختصة بنظر طلبات الأعضاء في المحكمة الإدارية العليا ومحكمة استئناف القاهرة. وبعد صدور تلك الأحكام، تصدر قرارات تنفيذية بها من المجالس الأعلى، ما يجعل الأمر غير مرتبط بقرار رئيس الهيئة المعين من قبل السيسي وحده.
ونوهت المصادر إلى محاولات تجري أيضاً لاستغلال بعض الثغرات في قانون التأمينات الاجتماعية بعد تعديله العام الماضي، لزيادة معاشات القضاة بأثر رجعي.
وأزعجت هذه المحاولات السيسي كثيرا، وهو الذي كان قد اتخذ معظم القرارات الخاصة بإعادة تنظيم تعيين رؤساء الهيئات القضائية وإعادة تشكيل المجلس الأعلى لأهداف عديدة، تأتي على رأسها رغبته الشخصية في خفض الإنفاق العام على القضاة، وكذلك فئات المستشارين الحكوميين المنتمين للهيئات القضائية.
وتعود هذه الرغبة لاستمرار غضب السيسي من تفاصيل الإنفاق داخل الهيئات القضائية، وحصول مئات القضاة على مبالغ مالية تفوق مخصصات أعلى المسئولين الحكوميين بالجيش أو الشرطة نتيجة مزاوجتهم بين رواتب القضاء ورواتب عملهم بالسلطة التنفيذية، فضلاً عن إصدارهم أحكاماً وفتاوى تمنع تطبيق نظام الحد الأقصى للأجور عليهم.
وينص مشروع قانون المجلس الأعلى الجديد على استئثاره بإقرار التعيينات والترقيات لتكون متوائمة بين كل الهيئات، ما سيصب في مصلحة الهيئات التي تضم أكبر عدد من القضاة وينخفض فيها دخل القاضي الواحد.
وكان مجلس الدولة قد عمد خلال السنوات العشر الأخيرة إلى ترقية عدد كبير من القضاة الشبان وخفض السن الدنيا لبعض الدرجات القضائية العليا كـ"نائب رئيس مجلس الدولة"، لتتم ترقية القضاة بشكل أسرع، وضمان حصولهم على أجور أعلى من أقرانهم بالهيئات الأخرى، وهو ما كان يزيد من الاحتياجات المالية السنوية للمجلس، وخصوصاً أن المادة الثامنة من المشروع تنص على أن "يعمل المجلس على القضاء على التفاوت في مدد الترقية بين الجهات والهيئات القضائية خلال مدة لا تتجاوز 10 سنوات".
ومن المقرر أن يلبي هذا التنظيم الجديد رغبة السيسي في خفض الميزانيات المخصصة للهيئات القضائية ومجلس الدولة تحديداً، الأمر الذي كان يحاول تطبيقه منذ العام 2014. وبناءً عليه، سيتم إسناد عملية توزيع المخصصات المالية لكل هيئة إلى المجلس الأعلى بناء على الترقيات التي يحدد هو شروطها، مع حرمان كل هيئة من رفاهية توزيع فوائض الميزانيات على أعضائها في صورة مكافآت أو بدلات كما كان يحدث في السنوات الست الماضية، وذلك نظراً لتملص القضاة المستمر من القيود المالية التي وضعها السيسي والممثلة في قانون الحد الأقصى للأجور وخفض جهات ندب القضاة للعمل كمستشارين للحكومة وتطبيق الدفع والتحصيل الإلكتروني، واستمرار محاولتهم إخفاء مخصصاتهم عن الرقابة، وهو ما كان أيضاً تحت بصر واضعي المشروع عند النص في المادة التاسعة على أن "يضع المجلس الأعلى قواعد ندب أعضاء الجهات والهيئات القضائية" ما يعني أن هذه القواعد ستطبق على جميع الهيئات ولن تعود كل هيئة مختصة بشؤون أعضائها في هذا الشأن.
أضف تعليقك