• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

كتب: د. محمود حسين

الحمد لله..والصلاةُ والسلامُ علي رسول الله..وعلي آله وصحبه ومن والاه .

الجمع الكريم ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

نلتقي اليومَ ..في الذِّكري السادسةِ لمجزرةِ رابعةَ والنهضةْ ..أبشعِ مجزرةٍ شهدتها مصرُ في تاريخها الحديثْ ..على أيدي الانقلابِ العسكريِّ الفاشي .. ضدَّ مواطنينَ عُزَّلْ .. خَرجوا للمطالبةِ بحقوقهم المشرُوعةْ ..

وهي في ذاتِ الوقتِ أشرفُ ملحمة عاشها الشعبُ المصريّ ...وقدَّم فيها دماءَ أعزِّ  أبنائِه ...من أجلِ الحريةِ والحياةِ الكريمةِ واستقلال القرارِ الوطنيّ .. فهي إنْ سجَّلها التاريخُ لعسكر الانقلابِ في أحلكِ صفحاته فقد حفرَها في أنصعِ صفحاتِه لشهداءِ وجَرحى وشهودِ تلك الملحمة .

وإنَّ التاريخ الذي خلَّد بقاعا عديدة من أرض مصر في سجل الكفاح والجهاد، من أجل تحرير البلاد من الاستعمار والاحتلال ، هو ذاته التاريخ الذي سيخلد رابعة والنهضة .. الأرض والمسجد وكل ساحات المجازر التي ارتكبها الانقلاب المجرم ..سيخلدها في أنصع صفحاته وبحروف من نور .. كساحات جهاد وكفاح ...من أجل انتزاع حرية الشعب المصري وحقه في انتخاب من يحكمه ...وقراره المستقل في إدارة بلاده ... ولكن جنرالات العسكر الخونة .. أبوا إلا أن تظل مصر رهن عصابة تسوم شعبها القهر والقتل والسجون... وتبدد ثرواتها وتبيع جزرها وأرضها ..وتفرط في مياه نيلها ..وحولت أم الدنيا إلي أضحوكة للدنيا كلها .

أيها الحضور الكرام ..

لقد حاولت آلة  الانقلاب الإعلامية الشيطانية ..تشويه المشهد النضالي الرائع في رابعة والنهضة ..ونسج الأساطير الكاذبة حوله .. وتصويرها علي غير الحقيقة...ولكن هيهات .. فقد شهد العالم كله ..حقيقة تلك الساحات النضالية التي ضربت مثلا نادرا .. في المطالبة بالحقوق بكل سلمية .. ومواجهة الرصاص بالكلمة .. والتضحية من أجل الحقوق المشروعة .. بالنفس والنفيس ..  وستظل هكذا عبر التاريخ إن شاء الله  .

أيها الجمع الكريم ..

إن تلك المجزرة هي  بلا جدال  ... جريمة مكتملة الأركان ..اقترفتها جحافل الانقلاب الهمجية ..علي مرأى ومسمع من العالم  ..الذي تابعها علي الهواء مباشرة .. عبر شاشات التلفزة ووسائل الإعلام المختلفة .. ومن ثم .. فلا يخفى على أحد من هو الجاني الحقيقي .. الذى سفك الدماء وحرق بقلب متحجر فاقد للرحمة .. الأجسادَ الطاهرة.

وقد صنفت المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية ..تلك المجزرة .. كأكبر مجزرة في تاريخ مصر الحديث ...تحدث في يوم واحد .. وأنها أكبر عملية قتل جماعي ... وقالت تلك المنظمات ..إن عمليات القتل لا تشكل انتهاكا خطيراً للقانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب... بل تشكل جريمة ضد الإنسانية.. لكونها ممنهجة وواسعة النطاق.. ولوجود أدلة ...تشير إلى أنها جاءت ضمن سياسة متبعة ومرتب لها ترتيباً مسبقاً.

وعلى الرغم من أنَّ 15 "خمسَ عشرةَ " منظمةً حقوقية.. دعت الأمم المتحدة والأجهزة الدولية المعنية .. اعتبار يوم 14 أغسطس من كل عام .. يوماً عالمياً لضحايا فض اعتصام رابعة .. وكافة ضحايا الاعتصامات على مستوى العالم...وطالبت تلك  المنظمات..في بيان مشترك وجهته إلى المنظمات الدولية المعنية .. وعلى رأسها «مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة» .. بـ«ضرورة تبني فتح تحقيق دولي جادٍّ ومُحايدٍ بخصوص الإجراءات المُتبعة في ذلك اليوم ..من قِبَل قوات الأمن المصرية .. والوقوف على الجُناة الحقيقيين.. وتقديمهم للعدالة الدولية .. ومنع إفلاتهم من العقاب». ولم يحدث أيُّ تحركٍ فِعْليٍّ من الأمم المتحدة حِيال المجرمين ...بل إن الحكومات الغربية مازالت تفتح عواصمَها لاستقبال رأس الانقلاب وقادته ... حرصاً على مصالِحها، في وقت تتغنى فيه بمبادئ حقوق الإنسان.

كما أنَّ الجناةَ .. ما زالوا أحرارًا طُلقاءْ .. تُصرف لهم المكافآت وتقدَّم لهم المزايا ..نظيرَ ما ارتكبوا مِنْ جرائم .

وأخيراً قام رأسُ الانقلاب العسكري الخائن ..في 26 يوليو الماضي .. بالموافقة على قانونٍ يمنح القادةَ العسكريين ..“الحصانة” من المقاضاة أو الاستجواب .. بشأن أيِّ حدث وقع بين 3 يوليو 2013 ويناير 2016، إلا بإذن من “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” .. ذلك بالرغم من مخالفة هذا التشريع لدستور العسكر الانقلابي  .!

وفي المقابل ... قام الانقلاب ..بعمليات تنكيل واسعة بالضحايا الذين شاركوا في اعتصام رابعة والنهضة .. ونصب محاكمةً فاجرةً وملفقةً ..لأكثر من 739 من خيرة أبناء مصر... وأصدر أحكاماً بالإعدام بحق 75 منهم بتهمة " القتل العمد .. ومهاجمة المواطنين.. ومقاومة السلطات.. وتدمير الممتلكات العامة.. وحيازة الأسلحة النارية وقنابل المولوتوف "... وذلك وفق نص لائحة الاتهام الملفقة .

وزج بأكثر من ستين ألفا .. من خيرة أبناء مصر.. من العلماء والأساتذة والمفكرين والطلاب ..والمحامين والنساء ..والأطباء والمهندسين والمعلمين  ...وكل فئات المجتمع المصري الذين يمثلون قلبَه النابض .. وقَتل منهم مَنْ قَتل ...بمنع العلاج والدواء عنهم ..ويمارس عليهم أبشع ألوان القهر وانتهاك حقوق الإنسان .. فأيُّ فجورٍ في الخصومة السياسية وأيُّ بشاعة في الانتقام تلك ؟!  .

أيها الحضور الكريم

 يأتي إحياؤنا لتلك الذكري الجليلة هذا العام... في أجواء استثنائية يتوقف أمامها التاريخ بشهوده من أحرار العالم أجمع ..احتراما وإجلالا للرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي ... أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر ..الذي لقي ربه  شهيدا يوم الإثنين 17 من يونيو 2019م .. وهو في قبضة الطاغية السجان ...وأمام القاضي الظالم ..ووسط عسكر الانقلاب البغاة ... لقي ربه شهيدا بإذن الله ...في ساحة محاكمة ملفقة وهزلية ...تشهد علي عصر ملفق وكاذب ...وملئ بالغش والخيانة ... لقي الله شهيدا بإذن الله... بعد ملحمة صمودٍ نَدَرَ أنْ تشهدَ مثلَها ساحاتُ النِّضال ... لقي ربَّه شهيدا بإذن الله.. ولم يَزَلْ ينطق بكلمةِ الحقِّ دون تردد... لقي ربه شهيدا  بإذن الله .. بعد ست سنواتٍ من النِّضال والصمود والثبات في مواجهة جبروت الانقلاب العسكري الفاشي ...دون أن يتنازل قَيْدَ أُنْمُلة ...عن شرعية الشعب المصري ... لقي الله شهيدا فتأكد القاصي والداني من صدق كلماته .. وصدق موقفه ..وصدق نضاله ...مقدِّما روحَه فداءً لهذا الوطن .

أيها الثوار الأحرار .. أيها العالم

إنَّنا مع كل أحرار مصر والعالم ...لنْ نتوقف عن المطالبة والسعي لدي كل المنظمات  والجهات الدوليةِ ..  لفتح تحقيق دولىٍّ شفَّاف..  يكشف ملابسات وفاة الرئيس محمد مرسى  يرحمه الله.. وما تلى ذلك من إجراءاتٍ تعسفيَّةٍ .. تمثَّلت في منع دفنِ جُثمانه الطَّاهر في مسقط رأسه ..ومنع تشييع جِنازته .. بل تمَّ دفنُه فجرًا بحضور أسرته الصابرةِ المحتسبةِ فقط .

أيها الإخوة والأخوات 

لقد عاش الشعبُ المِصريُّ مع الرئيس الشهيد ...فرحةَ الحريةِ يوم هبَّت على مصرَ نسماتها ...بإعلان فوزه في أول انتخابات رئاسية نزيهة.. ثمَّ عاش الشعب المصري معه ..ملحمةَ صمودٍ كبرى ...يوم انقلب عليه الخونة .. وستظل تلك الملحمةُ درسًا بليغاً للإنسانية ..في النضال من أجل الحرية والحقوق المشروعة.

أخي وحبيبي .. أيُّها الرئيسُ الشهيدُ جزاكَ اللهُ عن الأمةِ وعن مصرَ وعنَّا خيرَ الجزاء ..فقد أديت رسالتَك بكلِّ شرفٍ وأمانة .. ووفيت عهدَكَ مع الشعب .. وجاهدتَ بكل ثباتٍ وصمود .. حتي لقيت الله عزيزًا كريمًا " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ " (المنافقون من الآية  8).

عهد علينا .. ألا نَحيدَ عن طريق نضالِكَ ولنْ نفرِّطَ في الأمانة .. دماؤك ودماء كلِّ الشهداء والجرحى .. وحقوق المختطفين في سجون الطغاة وكلِّ الحقوق ..وحق الشعب المصري في الحريةِ والكرامةِ والحياةِ الكريمة .

أيها الجمعُ الكريم

على مدى ستِّ سنواتٍ ...لم تعرف البلادُ  طريقاً للاستقرار أو الهدوء.. بل سادها الفسادُ والفشلُ ..على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. ستِّ سنوات هي الأكثرُ سوءاً في تاريخ مصر على كلِّ الأصعدة  ...من حيثُ أحكامُ القضاءِ المسيَّس،..والقمعُ الأمنيُّ غيرِ المسبوق.. والقتل خارج نطاق القانون..والإخفاء القسري ...وزجِّ كلِّ مَنْ يرفع صوتَه في السجون ..حتى مَنْ دعَّموا الانقلاب علي الرئيس المنتخب .. والتجربةِ الديمقراطيةِ الوليدة.

ستُّ سنواتٍ مضت ...في ظل تفاقم الأزمةِ الاقتصاديةِ بشكل مخيف .. ورفع الدعم ..واشتعالِ الأسعار.. واكتواء المواطنين بنارها .. ، وتزايدِ أعداد البطالة.. وارتفاع نسبةِ الفقر ...حَسْبَ إحصائياتٍ رسمية .. أشارتْ إلي وقوع 31%من الشعب تحت خطِ الفقر.

ستُّ سنواتٍ ... مضتْ والنظام الانقلابى يواصل هرولتَه وتطبيعَه مع العدو الصهيوني... بعد أن تحول إلي خادمٍ ذليلٍ لمشاريعِ هذا العدو وأهدافِه البغيضة.. وإفراغ شبه جزيرة سيناء من أهلها وتدميرِ منازلهم وإتلافِ زراعاتهم وتهجيرهم قسريًا ...تماهيًا مع صفقةِ القرن المشئومة ... وواقعُ الحال  في هذا الصدد لا يحتاجُ إلي مزيدٍ من الأدلةْ .

ستُّ سنواتٍ مضت ...وحملةُ الانقلابِ الوحشيةِ ضِدَّ أحرارِ الشعبِ المصري بكل فئاته لا تتوقفْ .. وباتَ معلومًا للكافةِ أنَّها حملةٌ ضدَّ الشعبِ المصريِّ كلِّه .. وليسَ ضدَّ فصيلٍ من فصائله ...كما امتدت الحملةُ إلي حرب على هويةِ مصرَ الإسلاميةِ ...ولكنْ هيهات فالرافضونَ للانقلاب يزدادون ثباتًا وصمودًا.. والشعب المصريُّ يزدادُ وعيًا وإدراكًا لما يدورْ ... ولنْ يَقِرَّ لهذا الانقلاب قَرارٌ أو استقرارٌ بإذن الله .

أيها الجمع الكريم

إنَّ الصراع بين الحقِ والباطلْ.. صراعٌ طويلٌ ومريرٌ ..كثيرُ الجراحاتِ ..فادحُ التضحياتْ .. باهظُ التكاليفْ.. ونحن حين نذكِّرُ الناس بهذه الجريمة رغم ما أصابنا وكلِّ المصريين منْ عذاباتٍ وآلامٍ ولا يزالْ ، إلا أنَّنا عازمون على إبقاءِ الذِّكرى الأليمةِ حيةً  في نفوس المصريين جميعًا وإحياءِ الأملِ في نفوسهم ... وسيظلُّ الأملُ في الله  كبيرًا ...ونصرُه لجنده ولعباده المؤمنين محقّقٌ إنْ شاءَ الله : " وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ .." ( الحج من الآية 40). وقوله تعالي : "إنَّا لننصرُ رسلَنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويومَ يقومُ الأشهاد" (فاطر الآية 51) صدق الله العظيم ...

وشكرا لحضراتكم علي حسن استماعكم

والسلام عليكم ورحمة الله..

أضف تعليقك