بقلم: سليم عزوز
أخيرا، وبعد ست سنوات من اختطافه من منزله على أيدي زوار الفجر عشية الانقلاب العسكري، يتكلم المهندس خيرت الشاطر، الرجل القوي في جماعة الإخوان المسلمين!
لم يكن صمته فيما مضى امتناعاً عن الكلام، ولكن الصمت فُرض عليه، كما فرض على غيره من خلال محاكمة تجري خلف قفص غير مسبوق في التاريخ المصري، حيث الزجاج العازل للصوت، والذي يحجب المتهم عن محاكمته.
وهذا هو التطور الثالث لأقفاص المحاكم في مصر، فقد كانت في البداية حواجز منخفضة وأعمدة متباعدة، وكانت وجوه المتهمين وصدورهم تظهر دون حواجز إذا وقفوا، كما في الأفلام القديمة والأفلام الغربية، لكن الأعمدة ارتفعت، والأسلاك أحاطت بها، ومع هذا لا تحول بين المتهم وقاضيه، فهو يسمع ما يدور في القاعة، ومن في القاعة يسمعونه إذا تكلم، فكان القفص الزجاجي العازل للصوت، والمغيب لمن بداخله مع حضوره الشكلي!
ولا نعرف إن كان خيرت الشاطر طلب في السابق من الدوائر التي يحاكم أمامها وأنها امتنعت، أم أنه لم يطلبها على أساس أنه لا جدوى من الكلام، لكن يلاحظ أن المحكمة سمحت له بالكلام مؤخراً، فتكلم ربما للأزمة التي وجدت الدائرة نفسها طرفاً فيها، وهي التي شهدت وفاة الرئيس محمد مرسي، وقد سقط مغشياً عليه وظل هكذا لأكثر من ثلث ساعة، إلى أن حطم المتهمون الزجاج العازل لإنقاذه، بعد أن فشلوا في لفت انتباه المحكمة إلى سقوط الرئيس!
ولابد للمحكمة أن تستشعر الأزمة، في قضية لن تسقط بالتقادم، وقد يتم التحقيق في وقائعها، في زمن غير الزمن، ولو قرأ التاريخ القريب فربما شعر بالأمان!
مقتل السنانيري:
في نهاية عهد مبارك تفجرت قضية مقتل كمال السنانيري، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، في السجن، وتم توجيه الاتهام إلى ضابط أمن الدولة السابق فؤاد علام، في بلاغ تم تقديمه للنائب العام. ومع أننا في كنف حكم مبارك، إلا أن الاتهام أفزع الضابط المتقاعد، وانطلق في كل مكان يعلن براءته من ذنب القتيل، وأنه لم يقم بتعذيبه، وأنه لم يمت من جراء التعذيب، مع أننا كنا نستبعد بطبيعة الحال أن يقوم نائب عام مبارك بفتح التحقيق في القضية!
عندما قامت الثورة، وظن القوم أن مكة قد فتحت، وافتتحوا مقرهم العام في المقطم، ذهب إليهم فؤاد علام مباركاً، ومتقرباً بالنوافل، فتم استقباله بحفاوة تليق برتبته الشرطية كـ"لواء"، مع أني عرفت من كتب الإخوان اسمه كواحد من جلادي زمن عبد الناصر في سجونه سيئة الصيت!
بيد أن مكة قد فُتحت، واستقبل الجلاد على الرحب والسعة، ولم يتذكر أحد دماء كمال السناييري، فهل كان جلاداً فعلاً؟ وهل كانوا جادين في اتهامه بقتل صاحبهم؟! على العموم، فإن اللواء فؤاد علام كان شريكاً في الانقلاب العسكري عليهم.
لا بأس، فقد سمحت المحكمة لخيرت الشاطر بالكلام في الجلسة الأخيرة للقضية قبل حجزها للحكم فتكلم، ولم يُسمح بتسجيل الكلمة أو نقلها للخارج، فقد كانت هي الضرورة التي قدرت بقدرها، وقد تكلم لخمس وأربعين دقيقة، لم يتسرب منها إلا عبارات قليلة عرفت طريقها للسوشيال ميديا، كان أهمها من وجهة نظري؛ تطرقه لزيارة وزير خارجية قطر والإمارات له بعد الانقلاب في السجن، وأن الأخير عرض عليه الرضا بالأمر الواقع، مقابل الإفراج عنهم!
والمنقول لم يزد على هذا ولم ينقص، ومع هذا انطلقت أصوات تهاجم الرجل لأنه لم يقبل بالعرض، لينقذ الجماعة مما تتعرض له الآن، وأنا على ثقة من أنه لو قال إنه استجاب للعرض، فسوف يهاجم أيضاً، ومن نفس الأشخاص الذين ينتظرون منذ بداية الانقلاب أي كلام يقال ليهاجموه، دون أن يطرحوا هم رؤيتهم للحل ابتداء، ليمثل المرجعية عند الحكم على أداء الآخرين.. هم رد فعل دائما، لا أكثر.. يقال إن الإخوان رفضوا التفاوض فيقولون أغبياء، وعندما يقال: لقد قبلوا التفاوض فيقال بلهاء، لأنهم مع قبولهم به، فقد غرر بهم السيسي!
إنهم تعبير عن حالة مرضية، تحول دون التوصل لحقيقة ما جرى، فلا تعرف إن كانوا مع المقاومة أم مع الاستسلام؟!
لقاء السجن:
خبر لقاء السجن ليس جديدا، فقد تطرق له وزير الخارجية القطري، كما تطرق له البرادعي، لكن عرض وزير خارجية الإمارات هو الجديد، وهو يسقط عنه صفة الوسيط، ويهبط به لمستوى ضابط صغير بالأمن الوطني، فهذه ليست لغة تليق بوزير خارجية في دولة لها علم ونشيد، إنه ذاته الذي قال في خطاب بعد الحصار لماذا لا ترسم قطر البسمة على وجوه الناس، فأضحك الثكالى بما قال!
ومهما يكن رد فعل خيرت الشاطر على هذه الدعوة، فلم يكن سيحول دون ارتكاب المجازر التي ارتكبت. فالمفاوضات كانت تجرى على ما يرام، وكان البرادعي سيعلن هذا في مؤتمر صحفي عقده مع آشتون، لكنه لم يفعل، فغادرت هي القاعة على الهواء مباشرة، وتبين أن أحد قيادات المجلس العسكري اتصل به قبل إلقاء كلمته وطلب منه أن يؤجل هذا الإعلان لوقت لاحق، وعندما غادر وزراء الخارجية الوسطاء صرحوا في مطار القاهرة بأنهم سيعودون بعد إجازة عيد الفطر للقاهرة لاستئناف المفاوضات، ولم يعودوا بالطبع، لكن القرار السعودي صدر بالإبادة، فلم يكن هدف الملك عبد الله من مساندة الانقلاب أن يتم الاحتكام للشعب المصري، في انتخابات مبكرة، ولو تم الاتفاق على ألا يخوضها مرشح من الإخوان!
لقد صدر الأمر السعودي بالإبادة، إلى وكيل أعمالهم في القاهرة، فلم يكن أمامه إلا أن ينفذ، ويلغي المسار الديمقراطي بجرة بيادة، ليتحقق المطلوب من خلال حكم عسكري يصنعه عبد الله على عينه، ويستأصل به جماعة الإخوان، ويطوي به صفحة الثورة المصرية!
هذه هو الموضوع.
أضف تعليقك