• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. سكينة إبراهيم

أغلقوا عليهم الأبواب وظنوا أنهم بذلك قد حرموهم من كل شيء وأغلظوا لهم في العقوبة والحرمان.. حتى إنهم حرموا بعضهم من الطعام تمامًا، وبات بعضهم لم تدخل اللقمة في جوفه لليال طوال متصلة.

ولكنها كانت بانتظارهم هناك من الباب الخلفي.. نعم .. باب خلفي عجز الظالمون أن يجعلوا عليه سجانا أو أن يوصدوه بالأقفال وغليظ الجدران.. فتسللت منه الجنود الخفية.. تلك التي تتحرك دون أن يعجزها شيء، أو يحول بينها وبين مآربها حائل.. تفعل الأفاعيل ببسيط يبدو من الأمور، في حين أن العدو عن محاربتها عاجز، وتأثيرها على صاحبها ناجز.

فهذا الذي حرموه من الطعام، وأجاعوا بطنه حتى يخضعوا نفسه الأبية الشامخة، فلم يستجب لهم، ورضي بألم البطن على فقدان عزة النفس وكرامة الأصل.. ففي ليله.. ومن الباب الخلفي رأى أنه يأكل من مائدة طويلة عليها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ به، فأخذ يأكل حتى امتلأ، ثم استيقظ راضيًا مغتبطًا تبدو على وجهه أثر النعمة، وتجري في عروقه دماء الصحة الوافرة.

وإلى جواره نام من كاد قلبه أن يكلّ من طول الاحتمال، وصعوبة الحال، وغلاظة السجّان وقسوة الجدران.. فزاره أيضا بعضٌ من هذا الجند ليطمئنوه وليوضحوا جانبا مما خفي عليه وصعب عليه إدراكه، رغم كثرة المواعظ وثبوت السنن من حوله.. فلما رأى بعينيه قام مغتبطًا باشًّا مؤملًا فرحًا، يُحدث كل من حوله بجميل ما شاهد.

وعلى مقربة منهم.. رقد من استوعب عقله كل الملمات، وخاض كافة المواقع فلم يجبن ولم يخذل، وتحمل التبعات راضيا صبورا قانعا.. فحقت له في منامه عاجل بشرى تسعده وتزيد من وثاق منعقد على قلبه، وتحفزه في السير على طريق لا يرضى صاحبه منه سوى بالوصول!.

في الصباح يفتح السجّان بابا أوصده قريبا على من تعبت يداه من تعذيبهم أمس، فإذا بهم من ذوي البطون المشبعة، والوجوه المبتسمة، والقلوب الساكنة الخاشعة، والأنفس المؤتنسة المستكملة بداخلها كل دواعي السلام والقرار الذاتيين.. فيندهش لحالهم هذا الذي يصعب عليه هو حيازته ولو الندر اليسير منه.. فيحمله الحقد عليهم إلى استكمال مسيرة التعذيب والإيلام.. ثم ما يلبث أن يتعب هو.. ولا يصل إلى مبتغاه بكسر هؤلاء أو تنكيس رؤوسهم الشامخة الأبية.

أضف تعليقك