بقلم : سَليم عزوز
من أراد أن يعقد مقارنة بين مصر بعد 30 يونيو 2013، وما قبلها، فلن يكون مطلوبا منه أن يذهب بعيداً، فقضية «حركة الأمل»، كاشفة عن هذا الفارق، بدون أن يقدح المرء زناد رأيه، أو ينخل مخزون فكره!
بعيداً عن «الأسطوانة المشروخة» والاتهامات العبثيّة، فإن جريمة الشباب في أنهم كانوا يخططون لخوض الانتخابات البرلمانيّة القادمة، التي ستجرى في منتصف العام المقبل (يونيو 2020)، فتمّ القبض عليهم من بيوتهم، من قبل زوّار الفجر، وزعيمهم وهو «زياد العليمي» تمّ خطفه من الشارع!
واللافت هنا، أن من يقرّر خوض الانتخابات في ظل السلطة القائمة، فإنه يعترف بشرعيتها، وهو اعتراف ثابت من قبل التفكير في خوض الانتخابات، فالمتهمون جميعهم من الذين خرجوا في 30 يونيو، ومن الذين لم يعترضوا على بيان الجيش في 3 يوليو، وهم ينتمون لأحزاب كانت جزءاً من الحكم الذي تأسس بعد الانقلاب العسكري، وإذا كان قائد الانقلاب أرادهم فقط لـ «مسافة السكة»، حتى إذا بلغ مأمنه نفض يده منهم، فإنهم لم ينفضوا هم أيديهم منه، وانتقلوا من معسكر الحكم إلى خندق المعارضة الوظيفيّة، التي هي جزء من النظام، وتعمل في دائرته التي رسمها!
ولم يشفع لهم هذا، فقد رأى نظام ما بعد 30 يونيو، في تخطيطهم لخوض الانتخابات البرلمانية جريمة، تستدعي معاملتهم معاملة من يخططون لقلب نظام الحكم، بل ويلحقهم قسراً ليكونوا ضمن أهداف «الجماعة الإرهابية»، التي حلت عليها اللعنة، وجرى استباحتها!
فنظام ما بعد 30 يونيو، يحرّم على معارضته خوض الانتخابات، وباعتبارها عملاً من أعمال السيادة، لا يجوز لأحد أن يقدم عليها بدون إذن، ويحرّم على الذين هم من خارج اختيار النظام أن يفكروا - مجرد التفكير - في خوض الانتخابات، وإلا قيل «يا داهية دقي»، ويصبح من الطبيعي أن تحلّ عليهم لعنة أهل الحكم!
وهو تطوّر لم نكن نعرفه في عهد ما قبل 30 يونيو، وفي ظني لو أن أحداً قال إن التطوّر يمكن أن يصل لدرجة اعتبار التخطيط لخوض الانتخابات البرلمانيّة من الموبقات، لكان من الجائز أن يُتهم بالجنون!
قبل 30 يونيو كان النظام الحاكم يطلب من معارضته الاستعداد لخوض الانتخابات البرلمانيّة، لكنهم قرروا المقاطعة، بحجج واهية، وهي ادعاء الخوف المحتمل من تزويرها لصالح الحزب الحاكم، ولم يكن أحد يعتقد أنه بالإمكان هذا التزوير بعد ثورة عظيمة، ناهيك عن أن النظام الحاكم لم يكن يملك الأدوات التي تُمكنه من التزوير!
يومئذ طالبت المعارضة، وقد كنت منتمياً إليها، أن تطلب ضمانات لنزاهة الانتخابات، وليس الاندفاع نحو مقاطعتها، لكن غلبت عليهم شقوتهم، وخرجوا يطالبون بإسقاط الرئيس الديكتاتور، ولم يكونوا يعلمون لفرط الحقد، أنهم يجلبون الديكتاتور الحقيقي، الذي سيمنعهم من خوض الانتخابات إلا لمن أذن له، ليأتي ببرلمان من خارج السياسة، ليقع عليهم العزل السياسي بدون قانون!
لقد قامت حركة ضباط الجيش في سنة 1952، بوضع تشريع للعزل السياسي، فلما وجدت البعض هناك من يريدون خوض الانتخابات ضد رجالها، تم الأخذ بنظام الدوائر المغلقة على مرشحين بعينهم، وليس في عموم الدوائر على العكس من الانقلاب الحالي، الذي جعل من مصر كلها دائرة مغلقة، وخوض الانتخابات فيها هم لأصحاب القسمة والنصيب، ولمن يختارهم النظام بالواحد. فدائرة التأييد للنظام العسكري الأول كانت واسعة، لكن الدائرة الآن ضيّقة، ومع افتقاد الانقلاب لشخصية الزعيم الملهم، فإن الحاكم الحالي يخشى من الهواء العليل، ومن مجموعة من الشباب يخططون للانتخابات، فعاملهم معاملة الأعداء، بل وألحقهم بهؤلاء الأعداء، باتهامهم بأنهم يساعدون «الجماعة الإرهابيّة» في تحقيق أهدافها، ولا تسأل عن الجماعة الإرهابية، فالمعروف لا يُعرّف، ولا عن أهدافها، فهي معروفة لمن خرجوا في 30 يونيو يتهمونها بالفاشية الدينيّة، والعمل على تغيير هوية مصر، ولا يجوز السؤال عن ما هي هُوية مصر؟!
إن أي حديث من المغفلين الذين خرجوا في 30 يونيو بأنهم سعداء بذلك، هو كلام هابط، لا يرقي لمستوى المسؤولية الوطنيّة، كما أن أي كلام عن خديعة الجيش هو تأكيد للغفلة، فالجيش جرى استدعاؤه من قبل رموز جبهة الإنقاذ، وبكلام صريح لا يحتمل التأويل، وكان من دعوا الجيش للانقلاب شخصيات بحجم البرادعي وحمدين صباحي، فلم تكن لديهم مشكلة في الانقلاب على المسار الديمقراطي، ما دام الجيش سيسقط الإخوان ويسلمهم هم الحكم، ولم يكن لديهم ما يمنع من أن يأتوا على ظهر دبابة أو على فوهة مدفع!
بيد أن الغباء في أنهم اعتقدوا أن العسكر يمكن أن يقوموا بهذه المهمة لصالحهم، وإذا كان مثلي يمكن أن يقبل التحرّك على قاعدة من أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه، فإن غير المتصوّر هو أن يرى القوم الحكم العسكري القادم فلا يبادرون بإعلان أن هذا لم يتم الاتفاق عليه، أو أنه لم يكن هدفهم من الخروج في سهرة 30 يونيو، لا سيما أن حكم العسكر ليس اختراعاً، فقبل عام من هذا الاستدعاء كانت أصوات الثوّار في ميادين الثورة تهتف بسقوطه، فمن صوّر لهم أن الحداية يمكن أن تلقي عليهم كتاكيت، إلا إذا كنا أمام سذاجة تحوّلت إلى مرض، وبلاهة تمكنت من العقل والجسد!
في عهد ما قبل 30 يونيو كنا نهاجم الحاكم، ونحن في مأمن من المؤاخذة، وندرك أن خوض الانتخابات من أبسط حقوقنا، وفي عهد ما بعد ثورتهم الباسلة، صار الحاكم وحكمه من المقدّسات، وأضحى التفكير في خوض الانتخابات من الجرائم الكبرى!
إنهم كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً.
«اشربوا»!
أضف تعليقك