بقلم.. عامر شماخ
مع مطلع فجر الإثنين اقتحمت قوات الأمن السودانية اعتصام الثوار فى الخرطوم، فقتلت 13 مواطنًا وأصابت المئات، وأشعلت منطقة الاعتصام نارًا وفوضى؛ لتعيد إلى الأذهان مشاهد اقتحام اعتصام رابعة العدوية عام 2013 والذى كان ولا يزال وبالًا على مصر والمصريين، بل على المنطقة بأسرها.
لم ينتظر عسكر السودان حتى ينتهي الشهر الفضيل، كما لم ينتظروا حتى يمر العيد، بل أرادوا – مثل باقي عسكر وعروش العرب – إدخال الهمِّ والغمِّ على شعبهم، وما فعلوا ذلك بإرادتهم، بل بإرادة العصابة المجرمة التى تتولى حراسة المنطقة الآن وكالة عن الحلف الغربى الصهيونى، وقد قام قادة المجلس العسكرى بزيارة أفراد هذه العصابة مؤخرًا فى كل من مصر والإمارات والسعودية، وبشكل علنى أذيعت تفاصيله فى وسائل الإعلام؛ ما يعنى أن الحرب سافرة، والمواجهة صريحة: الشعوب فى جهة، والجيوش فى مواجهتها.
مشاهد فض اعتصام رابعة نفسها؛ كأن قوات مصرية هى التى تقوم بعملية الفض؛ اشتعال منطقة الاعتصام بالنار والدخان، أصوات مزعجة صادرة عن آليات عسكرية، زخات رصاص لا تنقطع، صراخ ونحيب، قتلى ومصابون بالعشرات ملقون على الأرض وشباب يهرول لإنقاذهم، قوات الطاغية تعتدى بالضرب المبرح على كل من يقابلها لا تستثنى من ذلك طفلًا أو امرأة. مشاهد تدمى القلب، وتبعث الأسى، وتدع الحليم حيران؛ إذ صار القتل على هذه الصورة من البساطة، ويقتلون من؟ يقتلون الوطنيين الحقيقيين الذين يستحقون أن يُسمع لقولهم إذا قالوا، وأن يُلبى طلبهم إذا طلبوا.
يبدو أن العسكر ملة واحدة، وأن جيوش العرب إن هى إلا أداة فى يد المحتل القديم، وأنهم لا يعرفون مصلحة الأمة، بل يتفننون فى إفسادها وإلهائها وإبقائها على عوامل تخلفها ورجعيتها، فالأساليب نفسها، والسيناريوهات ذاتها، وما جرى فى مصر رأيناه فى ليبيا وفى سوريا وفى اليمن، ومؤخرًا فى السودان، يجمعهم جميعًا الاستخفاف بالشعوب، والاستهانة بالشرائع والقوانين، ثم الائتمار بأوامر اليهود والأمريكان؛ ما جعل وطننا العربى وطنًا منكوبًا لا تغادره الكوارث والأزمات، ويعشش فيه الفقر رغم ما يحوز من ثروات.
كان يمكن للسودان أن ينطلق انطلاقة جديدة نحو الديمقراطية، بعدما تخلص من نظام حكم فاشل استغرق نحو ثلاثين سنة، وكان يمكن لإخوتنا السودانيين أن يتذوقوا طعم الحرية التى حُرموها مثل باقى إخوانهم العرب –لكن لأمريكا رأى آخر: أن يظل السودانيون –بل العرب جميعًا- فى هذا الدرك من الاستبداد والتبعية، والفقر والتخلف حتى لو خرجوا بالملايين ولو اعتصموا بالسنين؛ فإن لمثل هذه الطوارئ خُلقت الجيوش العربية، إنها لم تؤسس لحماية الحدود ورد المعتدين، بل أُسست لبيع أراضى الوطن والتفريط فى مقدراته، ثم لقمع أى حركة تدعو إلى الحرية أو الديمقراطية؛ فهذا ما لا يجب أن يكون لدى شعوب العرب؛ لأن مجرد السماح به خطر – وأى خطر- على (إسرائيل الحبيبة!).
لا شك أن المشاهد مفزعة والأخبار موجعة، لكننا نرى ذلك خيرًا لشعوبنا، وبالًا على وكلاء الغرب بائعى الأوطان بثمن بخس؛ فإن تحت الرماد نارًا تلظى، وفى القلوب ثورة لا تنطفئ، والدماء لا تنام، ويومًا بعد يوم يزيد الوعى وتزيد مساحة الثورة، ولا أظن الثورة اشتعلت فى السودان كما هى اليوم، وإن مشاهد الدم والتصفية سوف تعجل بزوال هذه الطغمة المجرمة، ومن حسن حظ السودانيين أن المواجهة ليست مع فصيل بعينه كما حدث فى مصر، إنما المواجهة مع الشعب كله، بجميع فصائله وأطيافه.
أكتب المقال بعد نحو خمس ساعات من واقعة الفض ولما تظهر ردود الفعل باستثناء دعوة الثوار المواطنين للاعتصام من جديد، وإضراب رابطة الطياريين المدنيين عن العمل لا يستثنون رحلة واحدة –فإنى أتوقع سيناريوهين اثنين لا ثالث لهما: إما أن تعم الثورة السودان بكامله فيخضع لها العسكر وتتم محاكمة المجلس العسكري، وإما أن تنتصر إرادة عصابة المنطقة فيدفعون العسكر لمزيد من المواجهة مع الشعب فيتحول السودان –لا سمح الله- إلى نهر من الدم لا يتوقف. وفى الحالين ستكون هناك اضطرابات فى الجيش وانقلابات وتغييرات.
من اليوم –للأسف- دخلت السودان منعطفًا جديدًا نسأل الله أن ينجيها من ويلاته، والسبب هو القلة المارقة (العسكر)؛ وأيضا بسبب التيار السياسى الشيوعى الذى فضل الدبابة على الصندوق، والاستبداد على الديمقراطية؛ لئلا يأتى الإسلاميون، أعداؤهم التاريخيون، إلى السلطة، وهذا سلوك ينافى الوطنية والانتماء؛ إذ صارت النتيجة كما نرى الآن، وليتهم استفادوا من التجربة المصرية وما وقع على أثر 30 يونيه.
الأوْلى بالسودانيين أن يستثمروا ما جرى، وألا يدعوا الفرصة تمر دون أن ينتزعوا حقوقهم. والعالم الآن يشاهد –بالصوت والصورة- ما وقع فى بلدهم، ولا أحد يخالفهم فى حقهم فى إنقاذ السودان من تلك العصابة التى استحلت دماءهم، وتحول بينهم وبين العيش كآدميين.
أضف تعليقك