بقلم : سامي كمال الدين
بين الفينة والأخرى تمرر صحف النظام المصري مقارنة غير مباشرة بين مبارك والسيسي، أو قل شحتفة على حسني مبارك وعصره دون ذكر للسيسي، لكن المعنى واضح وخرج من بطن الشاعر إلى صوت الشارع، الذي استكان وصمت، بل وتمرمغ في صمته مستمتعا بالذل والخوف.
الحقيقة الجلية الواضحة أنه من الصعب المقارنة بين مبارك والسيسي، بل بين السيسي وأي حاكم جلس على كرسي الحكم في مصر.
لم يأت السيسي من فراغ، لكنه نتاج لمرحلة سابقة أورثت مصر الفقر والاستبداد، وقضت على العلم والتعليم فيها، لكن ما يميز مرحلة مبارك، ويخرج ديناصوراته للتباكي عليه أنه لم يبع الأرض يوما، ولا تنازل عن شبر من مصر لصالح إسرائيل، بل قاتل وفاوض وسعى حتى استعاد طابا من العدو الصهيوني، إياك أعني واسمعي يا جارة، كما قال سهل بن مالك الفزاري.
فقد كانت لمبارك ولأبناء نظامه، ومنهم عمرو موسى مواقف عديدة ضد إسرائيل، حتى ولو كان بعضها تصديرا للإعلام، الآن يعد الخطأ في إسرائيل أو الحديث عنها بشكل سلبي في الإعلام المصري من أبناء نظام السيسي خطيئة غير مقبولة!
وفي ظل الحراك الدولي لتنفيذ صفقة القرن، وسعي السيسي بكل الطرق لتحقيق حلم إسرائيل، وإرساله طائرة إطفاء لإطفاء الحرائق فيها يكتب محمد علي إبراهيم رئيس تحرير الجمهورية الأسبق ورئيس تحرير الإجيبشيان جازيت الأسبق مقالا عن قوة مبارك في مواجهة إسرائيل وصراخه في نتنياهو «you are laying «
طالعت صحيفة المصري اليوم فوجدته يروي قصة لقاء جمعه مع مبارك ونتنياهو...
في نوفمبر 1996 اتصل به أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس مبارك، داعيا إياه إلى لقاء في قصر القبة بين مبارك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو، حيث أقيم استقبال رسمي له لأن الرئيس مبارك لم يرد استقباله في المطار.
حضر المؤتمر الصحفي د. كمال الجنزوري وصفوت الشريف ويوسف والي وحشد من الصحفيين المصريين والإسرائيليين. يقول محمد علي إبراهيم أن نتنياهو أجاب عن سؤال حول إنهاء القضية الفلسطينية بعد اتفاقات أوسلو في النرويج عام 1993 واتفاقية غزة أريحا مايو 1994 بأنه اتفق مع الرئيس مبارك على كل التفاصيل، وسوف يناقشها لاحقًا مع ياسر عرفات «فاجأنا مبارك وهو يعلق بالإنجليزية «you are laying» أنت تكذب، لم نتفق على شيء، ولست مخولا بالحديث نيابة عن الفلسطينيين، ولا بالتفاوض معك.. اتفق معهم هم».
من الطبيعي حين تقرأ المقال أن تقارن بين موقف مبارك والسيسي مع نتنياهو وإسرائيل، وأن مبارك كان صلبا وقويا في مواجهتهما، بينما السيسي انبطح لهم وتنازل عن المضايق لهم لتتحكم إسرائيل في الملاحة الدولية، عبر تيران وصنافير، وسوف يتنازل خلال الأيام القادمة عن 740 كم من مساحة سيناء لاستيطان أهالي غزة فيها، كشرط أساسي من شروط صفقة القرن.
تأمل سرد محمد علي إبراهيم لجمل مبارك من أنت تكذب، لرفض مبارك الذهاب إلى جنازة إسحق رابين في إسرائيل.
«وكان الرئيس الأسبق مصرًا على عدم الذهاب، لكن بيل كلينتون ظل يرجوه ساعة في التليفون.. استجاب مبارك، واشترط ساعة واحدة فقط، لأنه كان مصرًا منذ بداية حكمه وحتى نهايته على عدم الذهاب..».
لم يكن مبارك مجاهدا ضد إسرائيل، بل كان الصهاينة يرون فيه كنزا إستراتيجيا لهم، لكنه بالفعل لم يتنازل عن أرض، ولا سمح لمثل هذه الصفقات أن تمر، بل فاوض حتى النهاية لاسترداد طابا واستردها بالفعل مثل أي قائد في الجيش المصري يحرص على وطنه.
فروقات شتى بين مبارك والسيسي، يتفقان في الديكتاتورية والاستبداد، ويختصمان تماما في بيع الأرض والتنازل عنها، فقد طلب من مبارك التنازل عن الجزر قبل ذلك، فكان رده «شعبي يقتلني»، بينما السيسي الذي يقتل شعبه كل يوم غير عابئ به ولا برأيه، فقد بدأ تنفيذ عشرات المشروعات في سيناء، بعد تهجير أهلها منها، وذلك تمهيدا لصفقة القرن.
لا يفوتني هنا أن أحيي محمد علي إبراهيم على مقالاته العديدة في انتقاد السيسي ونظامه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وعلى الرغم من رفضي الكامل لنظام مبارك، وغضبي على ما كان يكتبه محمد علي إبراهيم في عصر مبارك إلا أن موقفه من نظام السيسي يُحترم، كما موقف الرئيس محمد حسني مبارك من إسرائيل ورفضه التنازل عن الأرض يُحترم أيضا.
أضف تعليقك